لم تكن استجابة الشاعرين أحمد عسيري وإبراهيم طالع لدعوة فرع هيئة الصحفيين في منطقة الباحة، لإقامة أمسية شعرية، باستضافة مهرجان الربيع بمحافظة المخواة؛ إلا تعزيزاً لوشائج القُربى الوطنية، وتوثيقاً لصلة إنسان الوطن بأخيه الإنسان، وإحياءً لسُنّة التزاور بين التهم والسراة، وإعادة لوهج الفعاليات الثقافية، في زمن رؤية المملكة القائمة على أنسنة المكان.
أربع ساعات قطعها الشعراء، القادمون من منطقة عسير، وفي معيتهم الصديق لاحق آل هادي، كانت كل محافظة أو مركز أو قرية أو حُصن تؤكد للذائقة مهارة البُناة، وعذوبة صوت الحُداة، وحفظ الجبال صدىً من بقايا شُداة، ارتبطوا بالوادي، والغيم، والغيل، والفيّه، ونغم الناي، وثغاء الشياه، وسمو السنابل، وانحناء العذوق، وشفافية المشاعر، وبراءة الطفولة، ومتنانة صُلب الأمهات.
لتستقبلهم قرية ذي عين، بتراحيب الكريم، وفي مقدمة الكرام، يحيى عارف، وناصر سكّات، ومحمد ربيع الغامدي، وعبدالمجيد عبدالرزاق، ليقضوا عصريّة عِيد وطني، تجانس فيها إيقاع الزير، ورقصة المسحباني، وخرير ماء ذي عين الأسطوري، محاطين بالقصور والقلاع الشاهقة الشاهدة على علوّ الهمة وتربّع القمة، في مملكتنا المحتفية في كل شبر بيوم التأسيس.
تحت شجرة الرُقعة، انحبك براد الشاي بالحبق، وجادت الدِلال المحوّجة بالزنجبيل، المبهّرة بالهيل، ودارت الشاذلية مع مقسوم الله، ليستعرض اللفيف من العسيريين والباحيين أحاديث ذكريات وعلاقات حميمة بالماء ومن سكنه ونزل بقربه واستقى، واستحضر طالع كوثراً في قصيدته أم الشقاء؛
لوْ كُنْتُ مُخْتَرِعاً عَصْرَ النُّبُوَّاتِ
أوْ صاَعِداً سُلَّماً فَوقَ السَّماَواَتِ
ماَ كُنْتُ أَبْدَعْتُ أُماًّ مِثْلَهَا وَلَمَا
أَكْمَلْتُ مِنْ ثَغْرِهاَ أَسْفاَرَ آياتي
فيما استدعى عسيري حكاية (صبر العسيري)
ورأى فيما يرى النائم
إيقاع الدفوف ورشاش الضوء
في الساحة يسّاقطُ من فوق الكفوف
والمساءات صبايا وابن عشقه
ذاب في عينيه شلال الحروف
قال ابن عشقه؛
وأنت يا ذا يدور البنت والله
إن أهلها قد دروا كان
ماذا يغيضك في زعلهم متى قالوا جرت
الأخطار ولا جرى أسباب
قال ابن عشقه وأنت يا من شفاته مثل لمحة
بارق قدروا كان
لكن معها شايب لا يغره مشية في القاع
ولا جرس باب.
حضر الأمسية محافظ المخواة غلاب أبو خشيم، ورئيس مجلس إدارة الغرفة التجارية ماشي العمري، وعضو مجلس الشورى كوثر الأربش.