Connect with us

الثقافة و الفن

عبده خال.. مرقطاً بالأوجاع والأساطير.. «شهادة إنسانية»!

«لقد كدت أسقط وأنا طفل في البئر، ولما كبرت كدت أسقط في كلمة الأبدية».- زوربا، نيكولاس كازنتزاكس.في حين أن الأديب

Published

on

«لقد كدت أسقط وأنا طفل في البئر، ولما كبرت كدت أسقط في كلمة الأبدية».

– زوربا، نيكولاس كازنتزاكس.

في حين أن الأديب الكبير عبده خال، وبتراكم إنتاجه الروائي البديع، قد عبر القنطرة، بتعبير الخلاص، فإنني أترك القراءة النقدية للمشغولين بهذا الحقل، راغباً أن تكون هذه الورقة شهادة إنسانية، أسجلها عبر معرفتي اللصيقة بعبده، وصداقتنا الممتدة، لأكثر من عقدين، من الزمن، لعل القارئ يعرف شيئاً من جانبه الشخصي الحميم، وعوالمه الخاصة، وذخيرته النفسية المشعة، التي تقف خلف بهاء كلماته!

بمدينة أبها، جنوبي المملكة العربية السعودية، وفي مطلع عام الألفين كنت للتو شاباً صغيراً، أكتب مقالة أسبوعية، في جريدة الوطن، ومن سنوات قليلة قبلها، كنت قد نشرت نصوصاً شعرية، عبر الصحف والمجلات، هنا وهناك، وفي منتديات الإنترنت، التي كانت في بداياتها الصاعدة، في السعودية. كان هذا كل رصيدي حينها، ولم تكن معرفتي بعبده تتجاوز الهاتف، وبالطبع قراءاتي لكل ما كان قد أصدره. عرفت وقتها أن عبده سيأتي لمدينتي أبها، مدعواً لأمسية حوارية، في النادي الأدبي الثقافي. اتصلت به على الفور، وقلت له: «عبده، أرجو ألا ترتبط بأحد عقب الأمسية، سأريك هذه المدينة الصغيرة الساحرة». واتفقنا! وبالمناسبة فأبها واحدة من أجمل المدن الجبلية الريفية، ليس السعودية فقط، بل والعربية أيضاً، تعلو عن سطح البحر بحوالي ثلاثة آلاف قدم، مدينة باردة وممطرة، يغمرها الضباب معظم شهور العام، وقلت في نفسي إنها فرصة لأخذ عبده في جولة معتبرة، وإلى أماكن لا يعرفها غير أبناء المكان. جاء يوم الأمسية، وبالفعل.. حين انتهت اعتذر عبده، من جميع الملتفين عليه، للحفاوة به، وخرجنا معاً، في سيارتي. انطلقنا للطريق الدائري، نسميه (الحزام)، وقلت سأريك بداية (أبوخيال)، وهو مكان آسر، يطل على المدينة، من الجهة الجنوبية الغربية، ومن علوّه يمكنك أن ترى الضباب، وهو يعاود هجومه على المدينة ويغمرها في منظر سريالي أخاذ. انطلقنا.. ثم ماذا؟ لم تمضِ سوى خمس دقائق، وأنا أقود السيارة، وأتحدث لـ(أبي وشل)، فلم يجب! التفت.. فإذا بالرجل بالكاد ينطق، وعلى وشك أن يغيب عن الوعي! وعوضاً عن الجولة انطلقت سريعاً لطوارئ أقرب مستشفى، على الباب حمله الممرضون فوراً إلى أجهزة الإنعاش الأولية، قبل أن ينقلوه بأنبوب التغذية، لأحد الأسرة بقسم الطوارئ؛ كي يبقى تحت الملاحظة. لنقضي تلك الليلة كاملة، في حديث لا أجمل منه، كان عبده يشعر بالخجل. ولا أنسى كلمته، معتذراً، وضاحكاً: «يا عبدالله، معلش.. أنا بقايا حرب وأساطير». حاول بكل ما بوسعه ليقنعني بالعودة لبيتي وعائلتي. كان يحلف أنه بخير، ومعتاد على هذه الهبوطات الصحية المفاجئة، فرفضت، وبقيت معه حتى اقتراب موعد رحلته، إلى جدة، ضحى اليوم التالي. أصر على الخروج، على مسؤوليته، ولا تتوقع أنك تستطيع إقناع عبده، حين يقرر فعل شيء، حتى وهو على سرير المرض. خرج، وأخذته للمطار، وغادر! وحتى اليوم ما زلنا، عبده وأنا، نتذاكر أول لقيا ومعرفة، ونقصها على الصحب، ونضحك. أما الموقف نفسه، أي: انهيار عبده صحياً، فسيتكرر بعد سنوات، في مناسبة أخرى، بظروف مختلفة، وسآتي عليه لاحقاً!

بكل حال.. لعبده تاريخ طويل، منذ طفولته، مع الأمراض، والاقتراب من الموت، حتى الحافة، (بين قوسين: لعل هذا يفسر شيئاً من حالة الموت، الحاضرة دوماً، في روايات عبده)، وهو نفسه يحكي أنه، حين كان طفلاً، مرض مرضاً شديداً، أوهنه حتى كاد يقضي، فكانت أمه تضع كامل جسده، في حفرة بحجم طوله، ثم تطمرها بالتراب، حتى ذقنه. ولشهر أو أكثر كانت تعاود وضعه يومياً لساعات، من النهار، بتلك الحفرة، وكانت هذه طريقة شائعة من الطب الشعبي، بمنطقة جيزان، وأماكن أخرى! يتذكر عبده تلك الدفنة اليومية، ويصف كيف حط أحد الطيور على رأسه، يوماً، وكاد ينقر عينيه، دون أن يستطيع هشّه وإبعاده! استعاد الطفل الصغير بعض عافيته بعد مدة، فعمدت أمه لتغيير اسمه إلى «عبده»، فقد كان اسمه الأصل «عبدالرحيم».. كسراً لشؤم أوجاعه، وهذه عادة عربية قديمة، كما هو معلوم!

بعد تلك الليلة القديمة، بأبها، تعمّقت صداقتنا ووصالنا، وكانت تجمعنا الفعاليات الثقافية، من عام لآخر. التقينا مرة في بيروت، ربما كان هذا في بيروت 2004م، وكنت للتو أصدرت مجموعتي الشعرية الأولى (ألهتك). أعطيته نسخة، بابتهاج العمل الأول وطفولته، ولا أنسى حفاوته وفرحه الصادق، وكلامه عن نشوة أول كتاب. قضينا وقتاً كبيراً، في ليالي بيروت السعيدة، حين كنا نأتيها، ولا نغيب عن معارضها، ولا زياراتها لغير ما سبب، تلك السنين، بلا قلق، كان هذا قبل أن تُختطف تلك المدينة الرحبة، بالنزاعات والمليشيا والتصفيات، وينفر منها اللائذون بسعتها، وتستحيل إلى مكان للخوف! كان عدد من أحبابنا؛ المثقفين اللبنانيين، قد غضبوا من أدونيس، حين قال ما فحواه، مع زاهي وهبي؛ إن بيروت كانت مدينةً أفقية، لكنها توقفت عن ذلك! وأظنهم الآن، وبعد الأحوال الحزينة جداً، الراهنة.. يوافقونه!

انتقلت إلى مدينة جدة في أبريل 2006م، ليبدأ زمن هو الأجمل والأقرب، في صداقتي بالغالي والعالي، عبده. تعرفت على مجموعة رائعة من الأصدقاء، من خارج الوسط الثقافي، المرهق أحياناً، نلتقي أسبوعياً، على شغف الطرب، وكرة القدم، بعيداً عن هراء العالم، وسحبت (أبو وشل) إليهم، لمجلسهم. ومن أول لحظة، سلب عبده ألبابهم بعفويته، وطيب الخاطر، وصفو البال والسريرة، وتعمقت صحبته بالمجموعة، حتى السفر، أكثر من مرة، خارج السعودية، وما أعذب السفر معه، هذا النحيل، بعلاته الصحية، يستحيل إلى عافية الرفقة، وطعم الرحلة!

أما عبده وأنا، فمنذ ذلك الوقت، ونحن لا نكاد ننقطع، ولأقل إن هذه المرحلة هي الأوضح، التي اكتشفت فيها إنسان عبده، الداخلي الخرافي، عن كثب، ولا أدري ما أقول عنه ويكفيه، لكنني أؤكد لكم أن أي كلمات سأكتبها، أو وصف أو طبيعة، سأحاول تقريبها لكم، لن تقترب حتى من حقيقة معناه، وكل ما يمكنني قوله هو: إن عبده كينونة مكتملة وباهرة، من الجمال الإنساني، العفوي، الطفولي، الصادق!

تربط عبده علاقة ملائكية، بشقيقتيه الكبيرتين، اللتين يعاملهما كأمه، بعد وفاتها، رحمها الله، فلم يدر لهما ظهره، حتى وهما في بعض كفاية عائلتيهما، بل لم يفتأ يحمل عنهما عنت الأيام، ومكابدات العيش، بلا كلل، ولا منة، أو تباهٍ، وأعرف ما لو قلته، من عنايته بأدق تفاصيلهم، ولو كانتا في غير حاجة، لغضب مني! واسمع عبده، وهو يتحدث إليهما معاً، أو إحداهما، على انفراد، وستسمع سيلاً من الرقة والعاطفة! قلت له مرة: «والله -يا صديقي- وأنت في زحام حياتك هذا، فإنه وفيٌّ وعظيم وصلك هذا بأختيك». قال بنبرة حادة: «ايش تقول! ما لي فضل، هذولا جنتي، أمهاتي بعد أمي».. وهذا تطبيق حي للمثل الرائج، لدى معظم شعوبنا، الذي يدل على مروءات العربي، حيال أهله: «اللي ما فيه خير لأهله.. ما فيه خير للناس».

أما عبده، وعلاقته بأسرته، بزوجته وأبنائه، فهو عائلهم وصديقهم، وعاشقهم، وأبوهم الكبير، من جهة، وهو طفلهم الصغير، من جهات! زوجته، ورفيقة العمر والمشوار، السيدة الفاضلة، والفنانة التشكيلية حنان الجهني. وعبده لا يتوقف عن وصفها بـ«النعمة»، ويضيف: إنها احتملته، واحتملت معه متاعب عمره الشاق.. «ليس بالصبر فحسب، بل بالحب»، بالنسبة لأبنائه فيا لها من علاقة عجيبة، لم أره يوماً يتصرف معهم، أو يخاطبهم، بسلطة الأب، بل بحميمة صديق عمر، وهذا نقل إليهم بعض طبيعته الودودة! قبل أشهر عدة، كنا مدعوّين لمهرجان السينما، في مركز الملك عبدالعزيز (إثراء) في شرقي البلاد، وصعدنا على الرحلة نفسها، من جدة إلى الدمام، وليصادف أن ابنه (معن)، الذي التحق مؤخراً للعمل في الخطوط الجوية السعودية، كان مع ضمن طاقم الملاحة، لتلك الرحلة. كان (معن) يجيء ويروح إلى مقاعدنا باستمرار، طوال التحليق، نمازحه ويسأل عما نحتاجه! في لحظة.. لمحت عيني عبده تترقرقان، وظننت أنني التقطت شعوره حينها، قلت له: «لا تلام، يا صديقي، شيء مؤثر حقاً أن ترى أبناءك، وقد كبروا لهذا الحد! الطفل الذي أنجبته وربيته وكبّرته.. وها هو اليوم يخدمك، على أول رحلة، تجمعكما!». سكت قليلاً، ثم قال: «صحيح، لكنه ليس هذا، يا عبدالله!» وراح يتحدث عن أحلام ابنه، وشغفه بالسينما، التي نحن في الطريق إليها، وتحديداً بفن (الإخراج)، لكن الظروف لم تسعفه، والتزامات الحياة ضاغطة، لا سيما بعد زواجه، ثم رفع رأسه ليرى إن كان ابنه قريباً، وقرب رأسه، وتكلم همساً: «الطيارة مليانة بالشباب المخرجين من جيله وأصدقائه. رحلة صعبة عليّ وعليه، يا عبدالله!». لم أجد ما أعلق به على هذا الشعور الأبوي، شديد الحرارة والحرقة، غير الكلام العادي والمكرور: «فوات الأحلام مؤلم. أفهمك، لكن العمر قدامه، يا صديقي، لا تحزن!». ولم يجب! صمت لدقيقة، ثم بدّل الموضوع، وأخذ يطلق تعليقاته المرحة، ويقهقه. وهذه إحدى عادات عبده، إنه يداوي حرقاته سريعاً بالضحك!

علاقة كبيرة أخرى، وربما هي الأكبر، في قلب عبده وحياته، وهي صلته بابنته الصغيرة والوحيدة (جوى)، وكلما كبرت هذه الفتاة، شديدة الذكاء، تعلق بها عبده أكثر وأكثر، فهي جذوة نفسه، ومرتبة شؤونه، وأمينة سرّه. حين ذهبت جوى للدراسة بفرنسا، كادت روحه تنصرم عليها! ضع اسم هذه الملاك الصغيرة، في أي موضوع، وخذ بعدها من عبده ما تشاء، فقد صارت الطريقة الأخيرة والوحيدة، ليتنازل عبده عن عناداته، لا سيما المراجعات التي تخصّ صحته!

عبده خال.. ابن حارة الهنداوية، في جدة، وهذه الحارة تمثل له كنز العمر، وصلته بها، وبذكرياته وأصدقائه فيها، لا نهاية لها. إنها تكوين طفولته الكبير، ومرتع صباه، وأول شبابه. وهو بالمناسبة يشتغل على راوية بنفس اسمها (الهنداوية)، منذ عشرين عاماً، وإذا سألته: «لماذا لا تكملها وتخرجها؟»، يجيب فوراً، بيقين: «إذا انتهيت منها وأخرجتها.. سأموت».

الحارة نفسها لا يغيب عنها عبده، يعتاد أزقتها، ويلتقي أصدقاءه فيها، من حين لآخر، وسترى حقيقة ارتباط عبده، بهذه الهنداوية العجيبة، في شهر رمضان ستجده ليلياً هناك، على «مركاز» هنا، أو «بسطة» هناك، في تحديات لعبتي حجار «الضومنة»، أو ورقة الكوتشينة «البلوت»، حتى السحور.. وطلعة الشمس أحياناً!

بقي الكثير لأتحدث عنه، لكن هناك ما يجب أن يعرفه القراء.. وهو أحداث معرض الكتاب الدولي، التي كاد يذهب ضحيتها، في تلك الفترة القاتمة، حين كان الظلاميون «المحتسبون» المتطرفون يصولون ويجولون في المعرض، وفي كل البلاد، ما قبل التحول البهيج، الذي تشهده السعودية، برؤيتها العظيمة 2030م، بقيادة الأمير الشاب الرائع ولي العهد محمد بن سلمان، في السنوات الأخيرة، التي خلقت واقعاً مفاجئاً وعظيماً! وإليكم هاتين الحادثتين، من معرض الكتاب، ولكم أن تتخيلوا، بالقياس، ما كان يحدث خارجه، في تلك الحقب المريعة: الأولى.. كنت وعبده، والناقد والأديب د.معجب الزهراني، نتجول في المعرض 2008م، وسمعنا النداء الداخلي بالإعلان عن حفل توقيع للكاتبة السعودية «حليمة مظفر»، فاتجهنا إلى منصتها، دعماً لها، لنفاجأ بعزلها، وعدم السماح للرجال بالاقتراب، بوجود أعضاء من الهيئة، فجادلناهم للحصول على نسخ موقعة. رأتنا الكاتبة من بعيد، فأعطت موظف الأمن النسخ ليسلمها لنا. فقمت بدوري بالتلويح بيدي، وقلت فقط: «شكراً حليمة»، وفي غمضة عين ألقت الهيئة القبض علينا، وأمام الجموع في المعرض قاموا بسحبنا، كالمجرمين، إلى مركز الهيئة، والتهمة «إلقاء التحية على امرأة أجنبية»! لن أتحدث عن نفسي ومكانتي، لكن لك أن تتخيل أن روائياً كبيراً بحجم عبده، وناقداً وأديباً وأستاذاً جامعياً، بموقع د.معجب، نعامل بهذا الشكل المهين! وللتاريخ فإن معالي وزير الثقافة حينها، د.عبدالعزيز خوجه، ظهر تلفزيونياً في حوار مع الأستاذ أحمد عدنان، وقدم اعتذاره لنا، في سابقة محترمة وشجاعة!

الثانية: وهي في العام التالي 2009م، وهي التي ألمحت لها، بداية المقالة، ففي آخر ليلة لعبده في المعرض، كنا معاً كالعادة، وطيلة ما كنا نتنقل بين دور النشر كان المحتسبون المتطرفون يستوقفوننا، ليهاجموا عبده، وهو يرد عليهم، بلا خوف، حتى حينما قررنا مغادرة المعرض، لنذهب للعشاء، لحقوا بنا في الساحة الخارجية، وبضغط أكبر التفوا على عبده مجدداً، يكفرونه ويشتمونه، وتوشك أيديهم بالاعتداء عليه، وهو والله أعمق منهم بألف دهر، إيماناً واعياً وصادقاً وروحانية! بالكاد تخلصنا منهم، ومضينا. بدأ عبده طيلة الطريق للمطعم، ثم الفندق، يشتكي من رأسه، وظنناه صداعاً عادياً! لحظة وصولنا للفندق حاولت إقناعه بتأجيل رحلته، في الفجر، قال «طيب» وذهب كل منا إلى غرفته. والذي حدث -للأسف- أن عبده لم ينم، وفي منتصف الليل ذهب للمطار، وصعد على الرحلة، وصداعه يتضاعف، وهو يكابر ويعاند. وصل إلى جدة، وبمجرد دخوله منزله.. انهار! طلبت عائلته سيارة الإسعاف، ونقلوا عبده إلى المستشفى، فاقداً وعيه بالكامل، ليتضح للأطباء أنه أصيب بجلطة دماغية قاسية، في ذهول كبير، كيف احتمل آلام ذلك الصداع، وتصاعده تدريجياً، ثم كيف استطاع ركوب الطائرة! أفاق (أبو وشل) فاقداً للنطق، كانت الجلطة هناك، لكنه نجا منها بأعجوبة، والأمل أنه سيستعيد بعض لسانه، بمرور الوقت. وما زالت آثارها على نطق عبده، حتى اليوم، ومن يعرفه وانطلاق كلامه قبل الجلطة، يعرف الفارق الكبير بعدها! وباختصار.. كاد الظلاميون يفتكون به، برأسه العالية، لكنه كان وما زال أقوى منهم، ولو مسته بعض ضغينتهم العمياء!

في السنة التالية 2010م أحرز عبده جائزة البوكر، عن روايته الشهيرة (ترمي بشرر)، في إنصاف وعدالة صغيرة، من عدالات القدر القليلة، وكان هذا واحداً من أكبر ردود الحياة على أعدائها، وانتصاراً لواحد من أخلص أبناء معناها وجمالها! لقد كان إعلان فوز عبده، في مكبرات الصوت، في معرض الرياض -المعرض نفسه، الذي كاد يقضي ضحيةً لمهووسيه وتطرفهم- لحظةً مجنونة، أشبه بتسجيل ضربة جزاء حاسمة، في نهائي ساخن، هتف جمهور المعرض كله ليلتها، بصيحة واحدة، حباً واعتداداً بعبده وكتابته، ودوماً أقول لعبده، الذي كان في مسرح الحفل، في مدينة أبوظبي، بالإمارات: «ليتك رأيت ما حدث، يا صديقي، ليتك رأيت! كنت شعرت بالعزاء، لآخر العالم!

وهذه إشارة صغيرة، لأثر عبده، على الكتابة عربياً، وعلينا في السعودية بالأخص، وبالأخص أكثر على الأجيال، التي تلته، فعبده الذي بدأ مستقلاً، عن اختطاف الأيديولوجيات، يساراً ويميناً، كان الحلقة العضوية الواعية والواصلة، بين أجيالنا، نحن الآتين والمنقطعين، من بعده، وبين حركة الأدب في السعودية، منذ نشأتها، وبعيداً عن الانتشار المضاعف، الذي حققته له البوكر، فقد كان عبده خال، وما زال، مثالاً رفيعاً للكدح والتقدم!

أخيراً.. هذه تلويحة قديمة، أعيد بعثها لعبده، حافلاً وفرحاً به:

أتذكر لما قلت لك: إن الليل، ليل هذا الوجود الشاسع، وهو يتمطّى في نواحي الأكوان، ويطلي المجرات بسواده المطلق، بضربة خاطفه، بأدق ريشة، من جناحه الهائج! أتذكر لما قلت لك: إن الليل حين همّ باقتحام مجرتنا العزلاء، لمح بداخلها كوكبنا الأرضي الصغير، يدور حول نفسه، بارتباك حزين، عالقاً في لونه الأزرق، حينها قرر أن يبدأ به، قال: سأعلم كائناته عدّ الليالي والنهارات، وملاحظة النجوم، وأمزجة الخلائق! وقبل أن يفعل أي شيء، رأى ورقةً مطويةً وملقاةً، على أحد جانبي طريق، من الطين، كتبها فتى بالغ النحول، مرقطاً بالأوجاع والأساطير، وهو يحاول أن يبتكر ملامح امرأة مقهورة وأقدارها، في حكاية، لم يكملها بعد.. فكتب إليها: «ماذا يُضيرُ لوْ أنني وجدتكِ صُدفةً، في شبابي، وخرجنا في نزهةِ حبٍّ، ولم نعُد إلا للحودنا، وينتهي الأمر والعمر، في نزهةٍ قصيرة، ربّما كنا خلالها قطفنا العالم، ولهونا به قليلاً، وعدنا للأرض، لنكون سنبلتين متجاورتين. بالله عليكِ ماذا يُضير؟!».

حسناً، يا عبده، أريد أن أقول لك: إنك تكتب، حين تكتب، وكأنك سبقت الليل بخطوة، ورأيت أسى أرضنا البشرية، بوضوحها التراجيدي الأول! وهكذا تلتقط لنا دهشة العالم، يا صديقي، كلما أخذت تشرع في خلق رواية جديدة، فاكتب.. اكتب، وأنقذنا من كوكبنا!

انطلقت شبكة أخبار السعودية أولًا من منصة تويتر عبر الحساب الرسمي @SaudiNews50، وسرعان ما أصبحت واحدة من أبرز المصادر الإخبارية المستقلة في المملكة، بفضل تغطيتها السريعة والموثوقة لأهم الأحداث المحلية والعالمية. ونتيجة للثقة المتزايدة من المتابعين، توسعت الشبكة بإطلاق موقعها الإلكتروني ليكون منصة إخبارية شاملة، تقدم محتوى متجدد في مجالات السياسة، والاقتصاد، والصحة، والتعليم، والفعاليات الوطنية، بأسلوب احترافي يواكب تطلعات الجمهور. تسعى الشبكة إلى تعزيز الوعي المجتمعي وتقديم المعلومة الدقيقة في وقتها، من خلال تغطيات ميدانية وتحليلات معمقة وفريق تحرير متخصص، ما يجعلها وجهة موثوقة لكل من يبحث عن الخبر السعودي أولاً بأول.

Continue Reading

الثقافة و الفن

فهد خليف يحصد جائزة فنون المدينة 2025: تفاصيل الحدث الثقافي

فهد خليف يفوز بجائزة فنون المدينة 2025 وسط حضور واسع. اكتشف أهمية الجائزة ودورها في دعم الحراك الفني السعودي وتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030.

Published

on

في ليلة استثنائية جمعت بين عبق التاريخ وروح الحداثة، تُوج الفنان التشكيلي السعودي القدير فهد خليف بجائزة فنون المدينة لعام 2025، متصدراً المشهد وسط حضور فني وثقافي واسع ضم نخبة من المثقفين، والنقاد، والمهتمين بالفنون البصرية من داخل المملكة وخارجها. ويأتي هذا التتويج تأكيداً على المسيرة الفنية الحافلة التي قدمها خليف، والتي تميزت بأسلوب فريد يدمج بين الهوية المحلية والتقنيات المعاصرة.

أهمية الجائزة في سياق الحراك الثقافي

تكتسب جائزة فنون المدينة أهمية خاصة نظراً للمكانة الروحية والثقافية التي تتمتع بها المدينة المنورة. فمنذ إطلاق رؤية المملكة 2030، شهد القطاع الثقافي تحولات جذرية تهدف إلى جعل الثقافة نمط حياة ورافداً اقتصادياً هاماً. وتأتي هذه الجائزة كجزء من المبادرات النوعية التي تسعى لتعزيز مكانة المدينة المنورة كوجهة للإبداع الفني، مكملةً بذلك دورها التاريخي كمنارة للعلم والمعرفة. إن فوز فنان بحجم فهد خليف يعزز من مصداقية الجائزة ويرفع من معايير المنافسة في الدورات القادمة.

فهد خليف: تجربة فنية متجذرة

يُعد فهد خليف واحداً من الأسماء البارزة في الساحة التشكيلية السعودية، حيث عُرف بأعماله التي تستلهم التراث العمراني والزخرفي بأسلوب تجريدي تعبيري مميز. إن تكريمه في عام 2025 ليس مجرد احتفاء بعمل واحد، بل هو تقدير لتراكم خبرات سنوات طويلة ساهم خلالها في إثراء المكتبة البصرية السعودية وتمثيل المملكة في العديد من المحافل الدولية. يعكس هذا الفوز نضج التجربة الفنية السعودية وقدرتها على إنتاج أعمال تلامس الوجدان وتخاطب العالمية.

الأثر المستقبلي والأبعاد التنموية

لا ينحصر تأثير هذا الحدث في لحظة التكريم فحسب، بل يمتد ليشمل أبعاداً تنموية واجتماعية واسعة. يساهم تسليط الضوء على المبدعين في تحفيز الأجيال الشابة من الفنانين على الانخراط في المشهد الثقافي، مما يدعم أهداف برنامج “جودة الحياة”. كما أن مثل هذه الفعاليات تعزز من مفهوم الاقتصاد الإبداعي، حيث يتحول الفن من مجرد هواية إلى صناعة تساهم في الناتج المحلي. إن الحضور الواسع الذي شهدته الجائزة يعكس التعطش المجتمعي للفنون، ويبشر بمستقبل واعد تكون فيه الفنون البصرية ركيزة أساسية في الهوية الوطنية السعودية المتجددة.

Continue Reading

الثقافة و الفن

مشروع طرق الجبل: جارالله المالكي يوثق شعر السراة صوتياً

تعرف على مشروع طرق الجبل للشاعر جارالله المالكي، الذي يوثق القصائد صوتياً من الطائف لبلاد قحطان، محيياً التراث الشعبي بألحان جبلية أصيلة وتاريخية.

Published

on

في خطوة ثقافية نوعية تهدف إلى حفظ الموروث الشعبي السعودي من الاندثار، أطلق الشاعر والباحث جارالله المالكي مشروعه التوثيقي الجديد «طرق الجبل»، الذي يسلط الضوء على القصائد الشعبية الممتدة جغرافياً من محافظة الطائف وصولاً إلى بلاد قحطان. ويتميز هذا المشروع بكونه لا يكتفي بالتدوين النصي للقصائد، بل يتجاوزه إلى التوثيق الصوتي عبر غناء النصوص بالألحان الجبلية الأصيلة التي تميزت بها هذه المناطق عبر التاريخ.

توثيق سمعي لرحلة الشعر في جبال السراة

يأتي مشروع «طرق الجبل» ليسد فجوة كبيرة في المكتبة التراثية السعودية، حيث تعتمد الكثير من المدونات على النصوص المكتوبة التي قد تفقد جزءاً كبيراً من هويتها وجمالياتها عند فصلها عن اللحن والإيقاع. وقد ركز المالكي في مشروعه على تقديم القصيدة مغناة باللحن الجبلي المعروف بـ«الطرق»، وهو الأسلوب الأدائي الذي كان يستخدمه الآباء والأجداد في قمم جبال السراة، سواء في مناسباتهم الاجتماعية أو أثناء أعمالهم الزراعية والرعوية، مما يمنح المتلقي تجربة شعورية متكاملة تعيده إلى زمن القصيدة الأصلي.

الخلفية التاريخية والجغرافية للمشروع

تتمتع المنطقة الممتدة من الطائف شمالاً مروراً ببلاد بني مالك وزهران وغامد وصولاً إلى عسير وبلاد قحطان جنوباً، بثراء ثقافي وتنوع فلكلوري فريد. تاريخياً، كانت هذه الجبال حصوناً طبيعية حافظت على نقاء اللغة والمفردة الشعرية، وكانت «الطروق» الجبلية وسيلة التواصل والتعبير الأساسية بين القبائل. هذا الامتداد الجغرافي المذكور في المشروع يغطي مساحة واسعة من التراث غير المادي للمملكة، حيث تختلف النغمات والألحان باختلاف التضاريس والقبائل، إلا أنها تشترك جميعاً في نبرة الشجن والقوة المستمدة من طبيعة الجبل القاسية والملهمة في آن واحد.

أهمية المشروع وتأثيره الثقافي

يكتسب هذا العمل أهمية بالغة في الوقت الراهن، حيث يتزامن مع الحراك الثقافي الكبير الذي تشهده المملكة العربية السعودية ضمن رؤية 2030، والتي تولي اهتماماً خاصاً بالتراث الوطني والهوية الثقافية. يُعد توثيق «طرق الجبل» مرجعاً هاماً للباحثين في مجال الأنثروبولوجيا والأدب الشعبي، كما يساهم في ربط الأجيال الجديدة بجذورهم الثقافية. إن تحويل النصوص الجامدة إلى مواد صوتية حية يضمن استدامة هذا الفن وانتقاله للأجيال القادمة، ويحمي هذه الألحان النادرة من النسيان في ظل تسارع وتيرة الحياة الحديثة وتغير الأنماط الموسيقية.

ختاماً، يمثل جهد جارالله المالكي في «طرق الجبل» نموذجاً للمبادرات الفردية التي تتكامل مع الجهود المؤسسية لوزارة الثقافة وهيئة التراث، مؤكداً أن الشعر الشعبي ليس مجرد كلمات، بل هو ذاكرة حية وتاريخ مسموع يروي سيرة الإنسان والمكان في المملكة العربية السعودية.

Continue Reading

الثقافة و الفن

تامر حسني يكشف حقيقة تعرضه لخطأ طبي: التفاصيل الكاملة

أول رد رسمي من الفنان تامر حسني على شائعات تعرضه لخطأ طبي وتشويه وجهه. تعرف على التفاصيل الكاملة وحقيقة وضعه الصحي وأحدث أعماله الفنية.

Published

on

خرج النجم المصري تامر حسني عن صمته ليرد بشكل حاسم على الشائعات التي انتشرت مؤخراً عبر منصات التواصل الاجتماعي، والتي زعمت تعرضه لخطأ طبي فادح أثناء إجراء عملية تجميلية، مما أدى إلى تغيير في ملامح وجهه. وقد أثارت هذه الأنباء قلقاً واسعاً بين جمهوره ومحبيه في الوطن العربي، مما استدعى توضيحاً مباشراً من الفنان لوضع حد لهذه التكهنات.

تفاصيل رد تامر حسني على الشائعات

في أول تعليق له، نفى تامر حسني صحة هذه الأخبار جملة وتفصيلاً، مؤكداً أنه يتمتع بصحة جيدة ويمارس حياته اليومية ونشاطه الفني بشكل طبيعي. وأشار “نجم الجيل” إلى أن التغييرات التي قد يلاحظها البعض في ملامحه تعود في المقام الأول إلى طبيعة الشخصيات الدرامية التي يجسدها في أعماله السينمائية، بالإضافة إلى نظام غذائي ورياضي صارم يتبعه للحفاظ على لياقته البدنية، وليس نتيجة لتدخلات جراحية فاشلة كما روج البعض.

سياق الشائعات وتاريخها مع تامر حسني

لا تعد هذه المرة الأولى التي يواجه فيها تامر حسني شائعات تتعلق بمظهره أو صحته. ففي السنوات القليلة الماضية، طالته أقاويل حول خضوعه لعملية تعريض الفك (تكساس)، وهو ما تعامل معه الفنان بسخرية وتجاهل في أحيان كثيرة، أو بالنفي المبطن من خلال نشر صور وفيديوهات من داخل الصالات الرياضية (الجيم). يعكس هذا النمط المتكرر من الشائعات ضريبة الشهرة التي يدفعها النجوم، حيث يصبحون مادة دسمة للتكهنات، خاصة مع التطور الكبير في تقنيات التصوير والفلاتر التي قد تغير الملامح في الصور الفوتوغرافية.

الخلفية الطبية والحقائق الموثقة

من الجدير بالذكر أن التاريخ الطبي للفنان تامر حسني معروف لجمهوره، حيث كان قد تعرض بالفعل لأزمة صحية حقيقية في أحباله الصوتية قبل عدة سنوات، استلزمت تدخلاً طبياً وعلاجاً مكثفاً، وهي الواقعة التي تعامل معها بشفافية تامة حينها. هذا التاريخ من المصارحة يجعل من استراتيجية الصمت أو النفي الحالي دليلاً قوياً على عدم صحة شائعات “الخطأ الطبي” الحالية، ويؤكد أن الأمر لا يعدو كونه فقاعة إعلامية تهدف لجذب الانتباه.

تأثير الشائعات والمسؤولية الإعلامية

تلقي هذه الواقعة الضوء على ظاهرة انتشار الأخبار الزائفة (Fake News) وتأثيرها السلبي على الحياة الشخصية للمشاهير. فبينما ينشغل تامر حسني بالتحضير لألبوماته الغنائية الجديدة وأفلامه التي تتصدر شباك التذاكر، تأتي هذه الشائعات لتشكل تشويشاً غير مبرر. ويؤكد خبراء الإعلام على ضرورة تحري الدقة واستقاء المعلومات من المصادر الرسمية للفنانين قبل تداول أخبار تمس صحتهم وسلامتهم الجسدية، نظراً لما تسببه من ذعر غير مبرر لدى العائلات والقواعد الجماهيرية العريضة.

Continue Reading

Trending