Connect with us

ثقافة وفن

عبدالله حبيب: الكاتب إنسان معطوب

أعترفُ أن الشخصيات الأكثر فنيّة يصعب القبض عليها في حوار واحد، ويتعذّر الإلمام بجوانب الشخصية في سانحة فريدة،

أعترفُ أن الشخصيات الأكثر فنيّة يصعب القبض عليها في حوار واحد، ويتعذّر الإلمام بجوانب الشخصية في سانحة فريدة، وأُشبّه الشاعر الأديب السينمائي العماني عبدالله حبيب بالبحر، صفاء للماء، وعمقاً، وغموضاً، ورهبة، وكرماً ومتاعب، ومكتنز أسرار عشاقه وضحاياه، يكتب كمن سلّمته القواميس نفسها، فلا يُكرر نفسه، وينفذ برهافة سهم الكلمات لشغاف القلب، فكأنه أنت أو كأنك هو، حاول فتح سماوات واسعة بمفاتيح ضئيلة، وتجاوز الرحيل بالفراغ الأبيض الذي سيَلِي، وأشعل للأحبة قنديلاً، وأبعده عن عين الشمس؛ هنا نص حوار بدأ ويستمر:

• وأنا أقرأ إصداراتك، شعرتُ بأنك تُلقي شيئاً من حِملك على القارئ؟

•• أرجو أن تسمح لي بما أمكن من الهدوء في هذا الموضوع ما دامت الثنائية العويصة: الكاتب/‏ القارئ شغلت الحداثة العربية منذ بواكيرها، بل وربما قبل ذلك. القارئ بحد ذاته، ومن حيث إنه مؤسسة، ليس المقصود الأول ببوصلة الكتابة في ما يخصني، وعلينا تحطيم ما تبقى من الأصنام. الكُتَّاب الذين وضعوا القارئ نصب أعينهم قبل أفئدتهم خسروا ثلاثة على الأقل: أنفسهم، والكتابة، والأسوأ من ذلك أنهم خسروا القارئ نفسه، وذلك أن هناك حالات يكون فيها القارئ قادراً على التطور أكثر من الكاتب.

بالنسبة لي، الكتابة حوار جارح مع الذات، وانتحاب سريٌّ خاص جداً في أقصي العتمات، وتجذيرٌ لمأزق الكينونة. أشبِّه الكتابة بما قاله رامبو في سياق مختلف قليلاً: «أن تزرع دمامل وبثوراً على وجهك وتربِّيها». والحقيقة هي أن الناس «الأسوياء» (بالمعنى الأفقي للكلمة) ليسوا بحاجة إلى الكتابة ولا إلى القراءة، وينبغي احترامهم بشرط أن يكفُّوا عن منافسة المعذَّبين في عذاباتهم؛ لأن هذا للأسف حاصل الآن، فهم يحاولون الاستيلاء حتى على فجائعنا. والقارئ الذي يأتي إلى الكتابة وفقاً لشروطه (فقط) فإنه يقترف جريمة أنه لا يضيف شيئاً إلى نفسه عبر إعادة إنتاج النص من خلال ذاكرته ورؤاه. هذا قارئ لا ترحب به الكتابة كثيراً.

• إلى أي حدّ تتقاطع مع قارئك ويتقاطع معك؟

•• ستكون إجابتي هنا إيضاحاً إضافياً لما قصدته في ردي عن سؤالك السابق، إذ إن ما أخشاه هو الاتهام بالاستخفاف بالقارئ والتعالي عليه؛ فالقارئ الحقُّ شريك كامل إذا كان مستعداً لأن يكون نوعيَّاً. الكاتب إنسان معطوب في الأساس، وإذا كان القارئ ينعم بالخير والصحة فلا داعي لتعكير صفو حياته الهانئة.

قبل أكثر من سنة تسلمت عبر البريد الإليكتروني رسالة مطولة من قارئة لا أعرفها (وهي، في أية حال، لم ترَ أن ذكر اسمها ضروري في ما يخص علاقتها بنصِّي بوصفها قارئة). وحين أردت أن أبعث رسالة شكر رداً على رسالتها لم أتمكن فالرسالة لا يمكن الرد عليها إما لأنها أرسلت من عنوان يبعث ولا يستقبل، أو لأن بريدها كان مليئاً لا يتسع لمزيد من الرسائل الواردة. راق لي الأمر إذ فكرت في أن علينا الاكتفاء بهذا الحد، ولن يكون شكري لها إلا بادرة بروتوكولية لا داعي لها. تتركز رسالة تلك القارئة حول ردة فعلها وتداعياتها في إثر قراءتها لكتابي «صخرة عند المصب: مقاطع من رسائل حب» الذي يوجد عنواني الإليكتروني في نهايته ككل كتبي. وسأقتبس من تلك الرسالة بعض المقاطع للبرهنة على إمكانية وجود علاقة عميقة بين القارئ والنص: «لماذا أَشعرُ أنّه ينبغي عليّ البُكاء أثناء كتابةِ هذهِ الرسالة، تحديدًا بعدَ الانتهاء من قراءة «صخرة عندَ المصب». أشعرُ أنّ فائِضًا من قلبي ينهال، أنّ كثيرًا منّي يُعاد، أنّي انتبهتُ إلى قلبي بعدَ عامينِ ونِصف، أو بعدَ ثلاثةٍ وعشرينَ عامًا لم انتبِه فيها إلى أنّ الحبّ أخذَ شكلي […]. لكنّي حين أدركتُ كتابكَ منذ يومين، أرسلت له مقاطع منه لتُخرسنا الدّهشة إلى أن يقول واحدنا: «شقد يشبهنا! عبدالله حبيب قاعد يكتب عنّا!» تحدّثنا عنكَ مرّات كثيرة قبلًا، كنّا نمضي في قراءة نصوصك أو أخبارك كما نمضي في قراءة أيّ شاعرٍ أو كاتبٍ آخر. هذه المرّة كنّا في صدمة الحبّ، كيف يمكن لعبدالله حبيب أن يعرف عنّا بهذا الشكل بل كيف أمكنه أن يحبّ امرأة بهذا الشّكل ويكتب عن الحب بطريقةٍ تغرقنا! أشعر أن عليّ أن أبكي -رغم أنّي لا أستطيع البكاء إلّا عند الكوارث الإنسانيّة- ينبغي عليّ ذلكَ الآن لأنّ قلبي استيقظ أو ربّما عاد ليرتَجِف. منذ زمنٍ طويل وأنا أردد -بلغتي- إلى الرجل الذي أحبّه: «أرى أنّ عليّ الاعتراف أنّي شخصٌ شقيّ، ومُعذَّب، وبائِس لا يستطيع أن يقيم علاقة طبيعية جدًا مع أيّ أحد»[هذا اقتباس من «صخرة عند المصب»]. استمرّ في قولِ هذا، استمرّ في توكيدِ أنّي لست شخصًا طبيعيًا قادرًا على المحبّة الدائِمة […]. وفي [المقطع رقم] (31) [من الكتاب] أيضًا كنت تقول إنك لا تستطيع أن تفهم لماذا تحبك امرأة مثلها! إنّ هذا الأمر يقتل قلبي أو يقتل قلبه تحديدًا حين أسأله لماذا تحبني؟ لماذا تمكّن رجل مثله أن يحبني أو أن يستمر في فعل ذلك! إنّ ذلك يبدو نوعًا من الشك، أو عدم التصديق، أو تجاوزًا للمعقولِ المحدود داخلي! لا يهمّ. إنّ المسافَة بينكما أو التي كانت… إنّها بين اثنينِ آخرين الآن. بيننا. اثنانِ يعيشانِ في بلدين مختلفين يدورانِ حول النقطة نفسها كلّما التقيا، كلما قطعَ هو ساعتين أو أربع ليصل إليها، وقطعت هي كذبة عائليّة مُنتهبَة، رفضًا قاطِعًا لهذا الحبّ ومضت إليه. لقد تحدّثت عن البحر، كان هذا يذكّرنا بغرقنا الأول، بالأخير حين تفتّتُ وأنا أنتظره أن يتركني وحيدة، وأنا أنظر إلى البحرِ، أقول له: «كل مرة أشوف البحر أتذكر فيرجينا وولف، كل مرّة أشوفها تنتحر قدّامي، وأحسّ برغبة موت، برغبة أن أغرّق نفسي. أحسها الطريقة الآمنة لموتي. إنه يتألّم من هواجسي، من مخاوفي، من رغبتي بالموت، من مشقّة أنّ الحب لم يُنقذني وهو الذي اعتقدَ ذلِك! […]. إنّ المسافة تدمّر القلب، بل ربما هي الرّغبة!» […]. ممتنّة لك وأتمنى أن تصلكَ هذه الرسالة لمجرّد وصولها».

لا يطمح كاتب مثلي إلى وسامٍ أرفع مما أسبغته عليَّ هذه القارئة المجهولة، فهذا هو نوع القرَّاء الذي أطمح إليه.

• بين دراسة الفلسفة، والسينما، وعشق الثقافة، وكتابة الشعر والسرد والنقد، ألا يزال هناك فضاء تتطلع للوصول إليه، كالرسم مثلاً؟

•• الرسم؟! لا والعياذ بالله! في المدرسة الابتدائية كنت الأسوأ في مادة الرسم. كل ما أفلحت في رسمه كان كوخاً صغيراً (لم يدخله أحد لغاية الآن) أمامه شجرة (لا بد أنها يبست بحلول هذا الوقت). لكني أعتقد أن الفشل أمام الرسم كان من خواطري الأولى في محاولة البوح عبر بعض الإجادة في فرع التعبير من مادة اللغة العربية حيث كان انتقامي الباذخ من أترابي المتفوقين عليَّ في الرسم. لكن -في استمرار للإجابة عن سؤالك- تمثِّل الرواية رهبتي الأكبر. أعتقد انني طوَّرت نظرية كاملة متكاملة في أني غير مؤهل لكتابة الرواية أبداً.

• ما الذي ما زلتَ تحاول البوح به؟

•• لو قلته لك لكنت قد بحت به. ثمَّة قصة لا تزال تحضرني من شيء من دروس المرحلة الابتدائية: طلبت أم من ولدها أن يأخذ صحناً مغطى إلى جارتها. وفي الطريق استوقف الصبيَ رجلٌ فسأله: «ماذا في الصحن»؟، فأجاب الصبي: «لو كانت أمي تريد أن يعرف الناس ما في الصحن لما غطَّته»! أفضِّل أن يبقى صحني مغطَّى!

• أي الفنون أعذب وأقلّ عذوبة؟

•• كل الفنون عذب، وليس هناك فن أقل عذوبة من الآخر، والمقارنة بين التفاح والبرتقال جائرة دوماً.

• ما حال الثقافة العربية ولماذا؟

••هذا سؤال يصيبني بالرعب. «الثقافة» مفهوم سوسيولوجي وأنثروبولوجي شامل (النتاج الروحي والمادي لمجموعة بشرية ما في فضاء زمني ومكاني ما) لكننا غالباً ما نختزل مفهوم «الثقافة» في الإبداع الفني والأدبي فحسب. تقريباً كلمة «مثقف» صارت «أديب» أو «مفكِّر» بينما لو راجعت باب «ثَقَفَ» لدى ابن منظور، مثلاً، فستكتشف أن الجذر إنما يعود -ضمن معانٍ أخرى- إلى البراعة في شأن من الشؤون. والحقيقة اني لم أعد معنيّاً كثيراً بـ «الأنسقة الكبرى» في الثقافة العربية لسببين: الأول هو أنه لا اضطلاع عتيداً لي في الأمر، والثاني هو أن حياتي أصبحت صغيرة ومحدودة للغاية، وعمري قصيراً كأعمار باقي البشر، والتفاصيل كثيرة ومعقَّدة بأكثر مما يستطيع شخص مثلي.

• بماذا يمكن أن يتصالح المثقف مع الواقع؟

•• بالنسبة للمثقف العضوي التصالح مع الواقع مستحيل. ونحن في منطقة الخليج نعيش في مجتمعات استثنائية بكل معاني الكلمة (خاصة لجهة الغياب الكامل تقريباً لمؤسسات المجتمع المدني بعد إخفاق مشاريع الستينيات والسبعينيات الراديكاليَّة البديلة). تحضرني دوماً مقولة لماركس: «إن الناس هم من يصنعون التاريخ» (أي أنه ليس التاريخ من يصنع الناس).

• وصفت المُغنّي والممثل والراقص بأرقى الكائنات، ما تفسيرك للوصف؟ ألا يهزّ عرش بقيّة المبدعين؟

•• كلا، لم أكن أقصد أن أهز عرشاً أو أُفاضِلَ أو أُراتِب. فقط قصدت أن المغني والممثل والراقص يعبِّرون بأجسادهم مباشرة من دون الحاجة إلى وسيط كما هو الحال لدينا نحن معشر الكُتَّاب؛ فالوسيط يحول دوماً دون انخراط مباشر وطازج أكثر في تجربة الوجود والعالم.

• كيف تقرأ قسوة وحِدة اليساريين حتى على أنفسهم؟

•• للأسف ارتبطت تجربة اليسار تاريخيَّاً بالعنف. أما اليساريون العرب فهم أكثر سوءاً من المتدينين في غياب التفكير النقدي وإعادة التفكير في الذات والموضوع ومراجعتهما. ماركس نفسه قال: «كل ما أعرفه هو أنني لست ماركسيّاً»، ولكن اليساريين العرب فاجأونا بأنهم يعرفون ماركس والماركسيَّة أكثر من ماركس. وهذه هي النتيجة: لقد أصبحوا أسوأ من ستالين في التعذيب وأحقر من المترفين في القصور. اليسار العربي بحاجة إلى مراجعة ونقد ذاتي صارمين. أفهم اليسار بأنه موقف ونضال ضد القبح، والجور، والظلم، والعسف. بهذا المعنى فإنني أعتبر نفسي يسارياً دائماً وبلا احتمال للتراجع بغض النظر عن ممارسات اليسار.

• كيف تقرأ نصّ المثقف الموظف؟

•• أقرؤه باعتباره نصاً كتبه مثقف موظف، ومن الأفضل له ولنا أن يهتم بوظيفته.

• هل القراءة بأكثر من لُغة تعزز معرفة القارئ أم تؤزمه؟

•• كلاهما معاً. بالنسبة «للتعزيز» فالأمر أوضح من أن يُذكر، وهو ينطبق على الجميع: من البداهة أن إتقان لغة أجنبية يعزز مداركك ويثري معارفك. لكن في الوقت نفسه فإنه قد يدفعك إلى إجراءات مقارنات وبحث تباينات بين لغتك الأم ولغتك الأجنبية المكتسَبة كي تدرك أن اللغة ليست أداة تعبير فقط، بل هي منهجية تفكير.

• عربياً، هل من كاتب استثنائي؟

•• كثير من الكتاب العرب استثنائيون، وأكثر جدارة بالاحترام من بعض من فازوا بجائزة «نوبل» للآداب. لستُ من دعاة «نظرية المؤامرة» في كل شيء، ولكننا نتعرض لاضطهاد فعليٍّ جاوز الاضطهاد العسكري والسياسي والاقتصادي.

• متى تقرأ؟ وما العمل الذي يمكنه تعليقك به لساعات وأيام؟

•• أقرأ في كل يوم (على الرغم من أن هذا لا يعني أحياناً أكثر من المراجعات الثقافية السريعة). لكن عليَّ الاعتراف أني لم أعد قارئاً نهماً. وأظن أن التقدم في العمر يفرض على المرء الانتقائية والتمهل في القراءة بدلاً من القراءة الكثيرة التي كان يقترفها المرء حين كان في مقتبل العمر.

• لماذا يشعر قارئك أن الأنثى حاضرة غائبة في كتاباتك؟

•• ربما لأنها حاضرة غائبة في نفس الوقت في حياتي الشخصيَّة، ولا أعرف كيف أذهب في الإيضاح إلى ما هو أبعد من ذلك.

• أين التقيت طلال مدّاح؟ وما سرّ العلاقة الوجدانية بأبي عبدالله؟

•• لم ألتقِ طلال مداح شخصياً قط. وبالمناسبة، قبل مدة كنت في جدَّة. وقد أمعنت في التمشي في أزقة «البلد» هناك طمعاً في أن أكون أمر بنفس الأنحاء التي تمشّى فيها طلال. منذ صباي أغرمت بطلال في اللوعة، في حنجرته الملأى بالشجن، في «الرَّاء» حين ينطق بها بطريقة حسيَّة وحُزنيَّة. قبل حوالي سنتين أنجزت فيلماً روائياً قصيراً، وفيه أعدت اللقطة التي يخر فيها طلال شهيداً على المسرح أربع مرات. حين اتخذت هذا القرار كنت أرى إلى طلال مداح بوصفه تلاشياً نبيلاً، فعلاً من أفعال الإبداع الاستثنائي في الحياة وفي الموت. تقريباً لا أستطيع أن أصف الأمر كما ينبغي. لم أعد أنظر إلى طلال مداح بوصفه مبدعاً كبيراً (مع إنه كذلك بالطبع). صرت أراه بوصفه نديماً في الليل الطويل والحزن الكثيف، وهذا يكفيني منه. سأقول لك: في السنوات القليلة الفائتة اختطف الموت بعض أعز أصدقائي واحداً تلو الآخر بحيث بالكاد أستوعب الموت كي يصعقني مرة أخرى. حين أعود إلى شقتي كنت أشغِّل بطريقة أوتوماتيكية تقريباً أغنية «زمان الصمت»؛ فأشعر أن طلال (هو الميت بدوره) يفهمني ويتعاطف معي تماماً (ولا أعتقد أن أحداً من الأحياء عزَّاني في فقداناتي كما فعل طلال). سأكتفي بالقول إن علاقتي بطلال مداح علاقة شجنيَّة ووجدانيَّة إلى أقصى الحدود.

• ماذا تعني لك العائلة؟

•• يقول جان جينيه: «العائلة هي الخليَّة/‏ الزنزانة الإجرامية الأولى». وفيما يخصني تعني العائلة أقصى ضروب كل ما هو سيئ، وغير أخلاقي، وغير إنساني. العائلة تعني لي الهواء الفاسد، والماء الحامض، والطعام الغادر، وكافة ضروب الشناعة.

• ما صحة «نحتمي بالكتابة من الجنون»؟

•• قد يكون هذا صحيحاً للبعض (ولأسباب وجيهة للغاية). لكن بالنسبة لي الكتابة هي المجاهرة بالجنون والقبض عليه كما يفعل مفضوح بفضيحة، وليس الاحتماء منه أو التستُّر عليه.

Continue Reading

ثقافة وفن

ياسر مدخلي: المسرح يعاني.. ومقاولوه يبحثون عن مكاسبهم

للكاتب المسرحي مدير الإدارة التنفيذية لـ«ديوانية القلم الذهبي» ياسر مدخلي حضوره الإبداعي، والإداري. أنشأ مبادرة

للكاتب المسرحي مدير الإدارة التنفيذية لـ«ديوانية القلم الذهبي» ياسر مدخلي حضوره الإبداعي، والإداري. أنشأ مبادرة «مسرح كيف» الأولى من نوعها في قطاع المسرح منذ 25 عاماً، وحقق خلالها العديد من الجوائز، ونالت أعماله اهتماماً من الباحثين الأكاديميين داخل المملكة وخارجها. وهنا نحاور تجربة لها رؤية وخبرة، حول شؤون وشجون «أبو الفنون»، فإلى نصّ الحوار:

• لماذا أنشأت «مسرح كيف»؟

•• «كيف» سؤال عن الطريقة، والبحث المستمر، وتحقيق الجودة مقابل الكم، و«كيف» تمثّل أسلوب التجربة الذي أصبح سمة هذا الكيان الذي أثبت حضوره كفريق يعمل بشكل مؤسسي ويمتلك حوكمة متفوقة، إضافة إلى أن «كيف» تعبّر عن المنهج العلمي وراء التجارب التي جذبت الجمهور، ولفتت اهتمام المتخصصين. وطيلة الأعوام الماضية حققنا استدامة ثقافية نوعية، ونقدم اليوم مخرجاتنا بجرأة ورصانة كقوالب مبتكرة نقترحها على جمهور المسرح المحلي ومتطلعين إلى جمهور وصناع المسرح العالمي.

• ماذا أنتج؟ وما تأثيره؟

•• نفذنا من خلال «مسرح كيف» وبدعم ذاتي، عدداً من الدورات التدريبية التي صقلت العديد من المواهب المسرحية في مجالات مثل الكتابة والتمثيل والإنتاج، وأنتجنا كل الأعمال التي وطدت العلاقة مع الجمهور، ومن خلال هذه العروض قدمنا تجارب علمية منهجية، وكمخرج وباحث توصلنا لفهم أعمق للجمهور.

• ماذا يعني فهم الجمهور؟ وهل المسرحي بمعزل عنه؟ •• إن ما يعانيه المسرح في العالم اليوم هو أن المبدع والمنتج يعتمدان في تصميم وصناعة المسرح على ذائقتهما، وقناعتهما، وتوقعاتهما، بعيداً عن دراسة المتلقي المستهدف ومتجاهلاً لدراسة السوق، وحتى نستطيع حل هذه الإشكالية علينا أن ندرك بفهم شامل المنطقة المشتركة بين صانع العرض ومستهلكه، لنقدم عرضاً مسرحياً قابلاً للتلقي وناجحاً مع الجمهور وجاذباً باستمرار ومحققاً للتأثير المسرحي، وبإشراك الجمهور استطعنا أن نوظّف مسرحنا لخدمة المجتمع.

• لماذا لديك حساسية من المسرح التجاري، وتطلق على من يتبناه «مقاول»؟

•• أعتقد أن من أدوار المسرح مساعدة الجمهور على الشعور بالسعادة والتفاؤل والأمل والاستمتاع بالجمال، وأيضاً اكتساب الجمهور عدة قيم؛ منها التعايش والتقبّل والولاء والتكاتف بين أفراد المجتمع. والمقاولون الذين يعملون في المسرح يبحثون عن مصلحتهم التجارية ومكاسبهم فحسب، ولا يقدمون دوراً ثقافياً أو حضارياً يسهم في تشكيل إرث فني إبداعي في هذا المجال، لذلك أجد أن موقفي ضد مقاولات المسرح هو بسبب تغييب جزء كبير من المسرحيين الذين توقفوا بشكل أو بآخر عن تقديم أعمال مسرحية ذات قيمة إبداعية عالية، ما جعل المسرح دون أثر اجتماعي، كما تفعل مباراة كرة قدم مثلاً.

• ما رؤيتك للكتابة المسرحية؟

•• أؤمن بأهمية تكوين الشخصية الإبداعية للكاتب. دائماً أحاول من خلال كتاباتي أن أقدم أسلوباً يحفّز القارئ على النقاش ويتيح له مساحة لطرح التساؤلات، ورغم أن المسرح العربي متعدد الثقافات والمرجعيات والحاجات، إلا أنه يشترك في القيم والقضايا الإنسانية وشغفنا بالحكايات، لذلك يكون طرح القضايا المشتركة بحاجة ماسة إلى لغة يمكنها التعبير عن مساحة أكبر وزمن أطول لتتلاءم هذه النصوص وهذه الأعمال. وأعتقد أنني أجتهد في تقديم أعمالي بأسلوبي الخاص الذي يتمكن من خلاله النص أن يصل إلى أبعد من البيئة التي أعيش فيها.

• من يقف وراء أسماء أعمالك؟ هل هي عفوية، أم أن للعنوان نصيباً من الاشتغال على العمل؟

•• طبعي التأني في إخراج وتنقيح النص والكتابة، مراحل لا تتوقف على مسوّدة واحدة أو اثنتين لأنني دائم الكتابة والتحرير والتعديل على النصوص. واختيار اسم النص دائماً ما يشغلني، ليكون معبراً بشكل جيد ومشوقاً أيضاً، وأنا في الدورات التدريبية في الكتابة أؤكد على أهمية العنوان لتحفيز المخرج والمنتج والقارئ لبدء التواصل مع النص، لذلك أعتقد أنه جزء من أسلوب الكاتب وشخصيته، ومن الذكاء أن نختار اسماً مميزاً لأنه بطاقة عبور باتجاه الآخر، وعتبة أولى للحكاية وأداة تسويقية مؤثرة.

• لماذا تميل للتمرُّد على القواعد وتتفنن في كسرها؟

•• ليس تمرُّداً، وإنما محاولة لصياغة التجربة التي أبحث فيها عن شكل يخدم أهدافها، فهذه التجارب هي التي تجعلني أعيد اختبار القواعد، وأبدأ في ابتكار أسلوب مواكب للتغيير الطارئ على المبدع والمتلقي، لذلك فإن كسر القواعد لم يكن هدفاً بذاته وإنما هو وسيلة لمساعدتي على اختبار قواعد جديدة بالبحث العلمي، ولي مع «مسرح كيف»، تجربة مسرحية تختبر فرضية أو تساؤلاً محدداً، والمسرح الذي لا يقدم تجربة مسرح بائد.

• كيف وجدت «الكوميديا الارتجالية التفاعلية»؟

•• كانت تجربة «صادق النمك» قائمة على الارتجال، ولم يكن الهدف من الارتجال تقديم ممثل بارع، بل كانت الفكرة كيف نستطيع جعل الجمهور ممثلاً جيداً بإتاحة الفرصة للمشاركة، وهذا ينطلق من كون التفاعل أصبح هوس المتلقي، من خلال تطبيقات التواصل الاجتماعي التي تمنحه فرصة التعبير عن الإعجاب وإعادة النشر ومشاركة المحتوى، والمتلقي اليوم يصنع المحتوى.

والمسرح يواجه تحدياً مع التطبيقات والهواتف الذكية التي ترافق الإنسان في كل مكان وتعوضه عن التعامل مع الإنتاج التقليدي للإعلام والثقافة، وبالذات المحتوى الدرامي الذي يطرح في المنصات المختلفة، لذلك صنعت قالب «الكوميديا الارتجالية التفاعلية» كي نستفيد من فكرة التفاعل التي يهتم بها المجتمع، والارتجال ابن اللحظة التي تقدم جوهر الإنسان وتعبّر عن شيء ما في داخله، لذلك كانت فرصة لإطلاق مشاعر الناس ومواقفهم من خلال دور يقدمونه داخل العرض، وكانت كل المداخلات تعبّر عن قبول الجمهور، ومحاولة التداخل تجاوزت عدد الفرص الموجودة في العرض.

• بماذا تواجه النقد؟ وما موقفك من النقاد؟

•• ‏أعتقد أن النقد إحدى الركائز لنمو أي إنتاج إبداعي، ومهمة النقد تبدأ بالملاحظة ثم تحاول التوجيه والتوثيق وتقدم القراءة للإبداع، ثم يصبح الناقد أيقونة، عندما يكسب ثقة المبدعين والجمهور، وتقف حركة النقد وإنتاجه على مسوؤلية الحارس الذي يحقق الأمان الإبداعي، ومن خلاله يتم إبراز التجارب الجديدة، وإيقاف المهازل التي ربما تنحدر بالفن والأدب والفكر، لكن النقد اليوم للأسف غاب أو -على أحسن تقدير- انحدر بسبب تعنت النقاد وشراسة أساليبهم، وعدم مواكبتها المشهد الإبداعي، فحاجتنا للنقد لا تقل عن حاجتنا إلى وجود المبدعين، لأن النقد حالة متوازية ومتجدده تشجع المميز وتقوم المتعثر وتحاكم السيئ.

• ما موقفك من المهرجانات الكثيرة؟ أم أنك لا تدعى إليها؟

•• الكثرة أو القلّة ليس لها تأثير جوهري، فالمضمون هو الغاية وليس المهرجان نفسه، وتنوع المهرجانات مهم وكثرتها مهمة، ولكن إذا كانت مضامين هذه المهرجانات متشابهة، وضعيفة، أو كانت تدار بأساليب تقليدية أو متحيزة، أو لديها أجندة تؤثر على هدفها الإبداعي فأعتقد بأنها تؤثر سلباً على العمل الفني، لذلك وجود المهرجانات مهم، والتنوع أهم ويجب ألا نغفل أهمية اعتماد واختيار تحكيم وإدارة المهرجانات بطريقة مهنية وفق معايير واضحة وشفافة لتحقق تكافؤ الفرص وتعزز التنافسية بين المبدعين وتبرز التجارب المهمة والأسماء التي تستحق الاحتفاء.

• ما الذي دفعك إلى الاستقالة من مجلس إدارة جمعية المسرح والفنون الأدائية؟

•• بدأت عملي في مجلس إدارة جمعية المسرح والفنون الأدائية المهنية منذ ثلاثة أعوام ونصف تقريباً، وكنت مع زملائي الأعزاء بقيادة رئيس مجلس الإدارة الفنان القدير ناصر القصبي نعمل على تأسيس أرض صلبة انطلاقاً من الحوكمة بصياغة عدد ضخم من السياسات الداخلية واللوائح والأدلة والتشريعات وتنظيم مهمات للجمعية بإستراتيجية واضحة تعنى بالجانب المهني، وترتقي بالممارسين، وتعزز الثقافة والوعي في قطاع المسرح والفنون الادائية، وانتهيت من كل المهمات التي كُلفت بها ولم يعد لوجودي ارتباط واضح يستحق بقائي، وللأعزاء في المجلس كل التقدير على فترة أعتبرها تاريخية لتأسيس منظمة مهنية تحافظ على المبدعين وترعى مصالحهم وتنمي أعمالهم وتحمي حقوقهم.

• ما القرار الذي تحتاج إليه جمعية المسرح لتقدم أثراً ملموساً في الميدان؟

•• كون الجمعية اليوم ذات شخصية اعتبارية وتخصص مهني، نتوقع من المسرحيين الكثير، وأتمنى أن تقوم بدورها، في ضبط ممارسة المهن المسرحية وتتيح الفرصة المشجعة للممارسين في قطاع المسرح وقطاع الفنون الأدائية، وهو جهد كبير بحاجة إلى أن يكون للجمعية موارد مالية مستدامة، وأن تركز مهماتها وأعمالها على الجانب المهني، والزملاء الكرام في مجلس الإدارة يقومون بجهد عظيم، في المهمات التي ما زالوا يعملون عليها، وسواء كنت في المجلس أو كنت خارج المجلس، وسواء كنا أعضاء اليوم في الجمعية أو خارج الجمعية، يجب أن يكون لنا دور نقوم به بدافع وطني ليكون مسرحنا قائماً وقوياً ومنتجاً ومؤثراً ومواكباً للرؤية الطموحة التي تحققها البلاد.

• ألا تبالغ بوصف المسرح بالناضج في ظل النقص الحاد في البنية التحتية وغياب لائحة المهن الفنية؟

•• لدينا مسرحيون، وليس لديهم مسرح، هذه حقيقة، إلا أن هذا لا يجعلنا ننكر ببساطة ما قام به المسرحيون خلال العقود الماضية، وحققوا حضوراً قوياً ومهماً في المحافل الدولية، وعندما تمكنوا من تقديم أعمالهم أقبل عليهم الجمهور، وبالأثر والأرقام حقق المسرحيون دوراً كبيراً في الجنادرية، ومسرح الأمانة، ومهرجانات المناطق والجامعات، والعروض المذهلة في بوليفارد رياض سيتي بدعم هيئة الترفيه، وفي المقابل جمهورنا متعطش ويكاد حضور المسرح يفاجئ الجميع في كثير من الأعمال، إلا أن الإستراتيجية التي تلغي وجود القطاع الخاص، أو لا تشجعه على الاستثمار، خطة ناقصة، وإن لم تُعِق المسرحيين عن مزاولة شغفهم والمساهمة في تشكيل حراك مسرحي ينافس محلياً ودولياً.

• متى يستعيد «أبو الفنون» في بلادنا كامل عافيته؟

•• عندما يقترب صانع القرار من المبدع، ويلبي احتاجاته، ويؤمّن له الأدوات الكافية، من التشريعات والحقوق والواجبات والبنى التحتية البسيطة والمعقدة سيستطيع النجاح في الوصول إلى الجمهور ويؤثر فيه.

فالمسرحيون هم العتبة الأولى لدعم الحركة المسرحية، وتجسير العلاقة بين الأجيال، وتنمية الفرق ومنحها صفة اعتبارية ستجعلنا أمام سوق مغرٍ يجذب رؤوس الأموال ويحرك المياه الراكدة في قطاع بكر لم يتجرأ المستثمر على اكتشاف الفرص الربحية التي تنتظره والمسرح السعودي قادر برغم ما يعتريه من ظروف، فهو حاضر في منصات التتويج، وفي أبحاث الدراسات العليا، وفي المهرجانات المختلفة، ويقدم اليوم بلغات عديدة.

• ماذا عن اهتماماتك الأخرى؟

•• كل اهتماماتي وهواياتي تتضاءل أمام المسرح، لا شك أني أحب الرسم والتصوير وكتابة الشعر والخط، ومن يزور مكتبي يُفاجأ بأن هناك زاوية للرسم، وأخرى للنحت، وعلى طاولتي لوحات للخط، ومسوّدات عديدة للمسرح، وبعض القصائد هنا وهناك. المسرح دفعني لاكتساب هوايات عدة، وتعلم الموسيقى، والاهتمام بالتخطيط الهندسي، والتعمق في فنون الإدارة والمشاريع، والتعرف على تجهيزات الإضاءة والخدع البصرية.

• هل ينجح الفنان في إدارة العمل الثقافي؟

•• إدارة العمل الثقافي شاقة، لأنها تقدم خدماتها لمبدعين يمتلكون القدرة على ممارسة أعمالهم بشكل مستقل، وهذا يصعّب الأمر من ناحية، فكيف تجذب شخصاً قادراً على الاستغناء عنك؟ وفي المقابل كيف تحقق تطلعات الأفراد بمختلف أذواقهم واتجاهاتهم وطموحاتهم؟ نجاح الإدارة الثقافية يحتاج نكران الذات، فالمدير يجب أن يستفيد من تجاربه وخبراته في الميدان الثقافي، ولكن عليه ألا يسمح لذائقته أن تؤثر على صناعة قراره، وأن يتجنب التحيز لمن يحبهم ويحب أعمالهم، وفي المقابل عليه أن يقدم الخدمة بعدالة حتى مع من يختلف معهم أو ربما كانوا خصوماً له في يوم من الأيام.

• ألا تخشى على ياسر «الكاتب» من «الإداري»؟

•• علينا أن نخشى من «الكاتب» على «الإداري» وليس العكس، فعندما تؤثر الذائقة والمصالح على القرار تسقط المهنية، وأعتقد أن نفقد كاتباً فهذه خسارة لفرد، لكن خسارة إداري ستجعل القطاع كله يعاني وتختل موازين الإبداع ونفقد ثقة المبدع في المجال.

• أين المسرحيون من «ديوانية القلم الذهبي»؟ هل يتنكر ياسر لرفاق الدرب؟

•• موجودون، لكن يجب أن نضمن التنوع والفرصة للجميع، ومهما تنكر المثقف للآخر، فلا أحد يقدر على إلغاء أحد، و«ديوانية القلم الذهبي» ليست لأصدقائي ورفاق الدرب كما تقول، لكنها على مسافة عادلة من الجميع، وأسعدني أن الديوانية انفردت بالاحتفاء باليوم العالمي للمسرح، وجمعت أصغر ممثل مبتدئ بأكبر فنان قدير، وكان لقاء رائعاً وإيجابياً، وأدهشتني الطاقة الإيجابية في المسرحيين الحاضرين بتنوع أعمالهم وأساليبهم وتخصصاتهم، وكانوا سبباً في نجاح ذلك اللقاء، ولم يتوقف بعضهم عن زيارة الديوانية والمشاركة في اللقاءات اليومية بين المثقفين.

• ماذا منحتك إدارتك للديوانية؟ وماذا اختزلت منك؟

•• فرصة مذهلة للتعرف على عدد كبير من القطاعات المختلفة، والاهتمام بها جميعاً على حد سواء، وقراءة المشهد الثقافي بعمق أكثر، والنظر من زوايا جديدة والوقوف على مسافة واحدة من كل القطاعات.

«ديوانية القلم الذهبي» تجبرني يومياً على البحث عن المثقفين لأنهم الفئة المستهدفة باختلاف مشاربهم واهتماماتهم، ولكني أجد أنها تستحق أن أمنحها الأولوية أنا وكل زملائي العاملين في خدمة هذه المبادرة بإشراف ودعم المستشار تركي آل الشيخ، لأنها مشروع مختلف تماماً وفريد من نوعه من حيث الشكل والفكرة والمضمون.

وحتى نكون منصفين فإن التجربة في بدايتها، ويجب ألا يغرينا الثناء، وإذا كانت الديوانية نجحت في وقت قياسي فمسؤوليتي وزملائي المحافظة على النجاح خدمة للإبداع الوطني، وتقديراً لثقة من اختارنا وامتثالاً لتوجيهاته.

• ما دور ومهمات «ديوانية القلم الذهبي»؟

•• كما أُعلن سابقاً؛ «ديوانية القلم الذهبي» ملتقى يومي للأدباء والمثقفين، تحتوي على أكثر من 2000 كتاب متنوعة التخصصات، ومعتزل للكتابة، وخلوة للقراءة، وصالة للضيافة اليومية، وجلسات خارجية، وفي كل يوم يتعرف الزوار على بعضهم ويخلقون حواراتهم المهنية، وأصبحنا نساعد الجميع على اللقاء بناشرين لطباعة الروايات والكتب المختلفة، ومنتجين لمناقشة مشاريع سينما ومسلسلات، ومخرجين يبحثون عن نصوص مسرحية وسيناريوهات.

• لماذا يتم توجيه دعوات لشعراء وكُتّاب بصفة دورية؟

•• الدعوة فقط للقاء الأسبوعي تقديراً للأدباء والمثقفين، وتعريفهم على بيئة تجمعهم يومياً، وخلق أجواء محفزة على الإبداع والحوارات الإثرائية عن تجاربهم ووجهات نظرهم.

• ماذا يتمخض عن هذه اللقاءات؟ •• أتمنى أن ننجح في جعلها فرصة نوعية لالتقاء أجيال مختلفة ومبدعين من قطاعات عدة يمارسون بكل حرية حواراً حضارياً لتشكيل موقف من الحالة الإبداعية وظروفها وتطلعاتهم تجاهها، وخلق طاقة إيجابية اعتزازاً بالأمل الذي صنعته السعودية للعالم عموماً والوطن خصوصاً، وهذه الأجواء نجحت في توطيد علاقات مليئة بالود وتقبل الاختلافات واحتفاء بالواعدين وتقدير للرموز وتشجيع للأفكار لتخرج إلى النور.

أخبار ذات صلة

Continue Reading

ثقافة وفن

المكتبات العامة ضرورة وليست رفاهية

المكتبات العامة ليست مجرد بناء يحوي كتباً وأرفف بداخله، لا! المكتبة روح تُضّفي على المدينة التي توجد فيها حلاوةً

المكتبات العامة ليست مجرد بناء يحوي كتباً وأرفف بداخله، لا! المكتبة روح تُضّفي على المدينة التي توجد فيها حلاوةً وجمالاً ولسكان المدينة ثقافةً وعلماً.

على سبيل المثال، تعد مكتبة الملك فهد العامة بجدة، مقرّاً علميّاً يقصده كل راغبٍ للعلم، سواءً كان قارئاً أو طالباً أو باحثاً أو مؤلفاً وتعد مكاناً مناسباً للتشجيع على كتابة البحوث والمؤلفات العلمية التي تُساعد على الرقي بالمجتمع ورفع مكانته بين الأمم.

المكتبة أيضاً ليست مكاناً للقراءة وحسب، بل بإمكانها أن تكون مركزاً للتوعية والتدريب عبر إقامة الدورات في مختلف المجالات بداخلها، ويمكن للمكتبات أيضاً إعارة الكتب بحيث تنتقل الفائدة لخارج حدودها، يمكن أيضاً أن تكون مساعدةً في تنشئة الأطفال تنشئةً صحيحة عبر إقامة برامج مخصصةٍ لهم وتوفير كتب تعليمية تناسبهم، وكذلك الحال لسائر أطياف المجتمع.

لنضرب مثلاً آخر بالولايات المتحدة الأمريكية، فيها أكثر من ستة عشر ألف مكتبة عامة، تتوزع في ولاياتها ومدنها وأحيائها وتساهم في الاثراء المعرفي والعلمي للشعب الأمريكي.

قد يكون بناء المكتبات في كل مدينة امراً مُكلفاً ولكن هناك في رأيي حلول أقل تكلفة وتؤدي ذات الغرض، منها:

أولاً: تشجيع المحلات التجارية، المقاهي خصوصاً، على وضع كتب بداخلها يقرأ منها من يرتادها.

ثانياً: تشجيع المجمعات التجارية بتخصيص محل أو محلات عدة كمكتبة عامة.

يمكن كتشجيع إنشاء جوائز مناطقية لأفضل مكتبة داخل المقاهي والمراكز التجارية.

حتى تقوم المكتبات ويتم تشغيلها بشكل مستمر تحتاج بالتأكيد لمصدر دخل لتشغيلها، يمكن توفير هذا المصدر في رأيي عبر:

أولاً: توفير عضويات مدفوعة لها خصائص إضافية.

ثانياً: توفير خدمات الطباعة والنسخ والمساحات المغلقة المدفوعة.

ثالثاً: تأجير جزء من مساحة المكتبة لعمل تجاري.

رابعاً: إقامة دورات متنوعة مدفوعة.

أخيراً، وجود المكتبات في نظري أمرٌ مهم في أي مجتمع لرُقيه وعلو شأنه وتحضُّره وأتمنى أن يكون هناك تعاون مباشر بين رجال الأعمال وبلديات المناطق لإنشاء مئات المكتبات في أرجاء السعودية في الأعوام القادمة.

أخبار ذات صلة

Continue Reading

ثقافة وفن

هيثم حسين يستعيد من منفاه الأمل بـ«حين يمشي الجبل»

أصدر الكاتب السوري هيثم حسين، عمله الأحدث «حين يمشي الجبل» عن دار رامينا في لندن. والعمل عبارة عن مجموعة قصصيّة،

أصدر الكاتب السوري هيثم حسين، عمله الأحدث «حين يمشي الجبل» عن دار رامينا في لندن. والعمل عبارة عن مجموعة قصصيّة، يستعيد بها الكاتب من منفاه الهويّة بالأمل في مستقبل آمن، وتظل الرواية بالنسبة للكاتب الذي عرفه القرّاء عبر فضاء الرواية والسيرة والنقد (حياة)، فيما القصة عنده عوالم صغيرة.

وتضمّ المجموعة 24 نصاً قصصياً قصيراً عن عوالم داخلية مثقلة بالمنفى، تتقاطع فيها اللغة مع الذاكرة، والظلّ مع المعنى، والمنزل المؤقّت مع سؤال الانتماء للأبدي والدائم.

وتؤسّس مجموعة «حين يمشي الجبل» لحقبة زمنية، لتغدو وثيقة أدبية يمكن قراءتها باعتبارها أداةً للكشف والانمحاء، وللصمت بوصفه لغة. ويشكّل عنوان الكتاب «حين يمشي الجبل» مفتاحاً تأويلياً يختزل تجربة التحدّي والعبور واللاعودة، وزعزعة اليقينيّات، حيث الجبل، رمز الثبات، يتحوّل إلى كائن يتقدّم، يهرب، يتكلّم، يمشي ويشهد.

تُفتتح المجموعة بقصة «نافذة لا تُغلق»، التي تحوّل شقّةً لندنيّةً إلى فضاء للتماهي بين الحقيقيّ والمتخيّل، وتختم بـ«ظلّي العائد من الكتاب»، في بنية تحتفي بالكتابة كفعل مقاومة، وبينهما، تتوزّع القصص على محاور متداخلة، تحضر فيها صور الجبال التي تمشي، والمكتبات التي تُمحى، والهواتف التي تُسرق لتكشف هشاشة الهوية الرقمية، وشخصيات مثل الغجريّ الذي يحمل بقجته، والشاعر الذي قرّر أن يصمت، والمترجم الذي أضاع اسمه بين اللغات.

وفي قصة «قاموس شخصي»، يعيد حسين بناء علاقته بالكلمات بوصفها بقايا أماكن وشظايا لغات، بينما ترسم قصة «جسور لندن» لوحة غرائبية لمدينة تُفقد جسورها واحداً تلو الآخر، بوصفها استعارة لسقوط المعنى في المدن المنفية، وتقع في 196 صفحة من القطع الوسط.

وهيثم حسين: روائيّ كرديّ سوريّ، من مواليد عام 1978، مقيم في لندن، عضو جمعية المؤلفين في بريطانيا، مؤسّس ومدير موقع الرواية نت. ترجمت أعماله إلى الإنجليزيّة والفرنسيّة والتشيكيّة والكرديّة..

من أعماله الروائية والنقدية: «آرام سليل الأوجاع المكابرة»، «رهائن الخطيئة»، «إبرة الرعب»، «عشبة ضارّة في الفردوس»، «قد لا يبقى أحد»، «العنصريّ في غربته»، «كريستال أفريقيّ»، «الرواية بين التلغيم والتلغيز»، «الرواية والحياة»، «الروائيّ يقرع طبول الحرب»، «الشخصيّة الروائيّة.. مسبار الكشف والانطلاق»، «لماذا يجب أن تكون روائياً؟!».

أخبار ذات صلة

Continue Reading

Trending

جميع الحقوق محفوظة لدى أخبار السعودية © 2022 .