ثقافة وفن

عبدالعزيز خوجة: لو لم أنجز من شعري إلا الأسفار لكفتني

الذي عرف، الشاعر الوزير السفير الدكتور عبدالعزيز خوجة، قبل ترجّله عن كرسي المسؤولية، وحظي بلقائه إثر التقاعد،

الذي عرف، الشاعر الوزير السفير الدكتور عبدالعزيز خوجة، قبل ترجّله عن كرسي المسؤولية، وحظي بلقائه إثر التقاعد، سيكتشف، أن معدن هذا الرَجُل الإنساني، لم ولن يتغير، فالبساطة، والتواضع، ودماثة الخُلق، واحترام الناس، أبرز خصائص شخصيته، فيما تتجلى أريحيته وذائقته الشاعرة العاشقة للجمال، والمُعبّرة عنه بالمنطق المُهذّب، وخلال دعوته لإحياء أمسية في أدبي منطقة الباحة، كانت الفُرصة مواتية، لإجراء هذا الحوار:

• متى كانت البداية مع الشعر؟

•• أعتقدُ أن الشاعر يولد شاعراً، ثم يبدأ باكتشاف شاعريته بالتدريج، من خلال تفاعله مع الموجودات، والمخلوقات الكونية، من شجر، وبشر، وكواكب، وسحب، وغابات، وكانت تستوقفني وأنا طالب، الزهرة، أو يشدني اكتمال البدر، وأبدأ أعلّق على جماليات ما أرى، وزملاء المدرسة يتضاحكون، وهذا الشعور بأن عندك حساسية خاصة تجاه الأشياء، مؤشر شاعري، إذ ترى في ما تنظر إليه ما لا يراه غيرك، وتكتشف ما لا يكتشفون، وقرأتُ سيرة أبو زيد الهلالي، وعنترة، وحفظتُ القصائد ورددتها، فعُرِفتُ بالشاعر بين أهلي وزملائي.

• ما النص الأول الذي خضت به التجربة؟

•• «بماذا أخط إليك جوابي، أبلوعتي أم بالعذابِ» وكنت في المرحلة المتوسطة، وتعرفت على المحرر في صحيفة (قُريش) علي مهدي الشنواح، وأسمعته القصيدة، فأخذها للأستاذ أحمد السباعي، فطلبني، وذهبتُ إليه، وسألني: القصيدةُ لك، فأجبته: نعم، فقال: هذه قصيدة موزونة على البحر المتقارب، وتكرّم بنشرها، ونصحني بحفظ الشعر العربي، لبناء الذائقة، وأكد أن الموهبة حاضرة لكنها تحتاج رفدا بالقراءة والاطلاع.

• هل الشعر موهبة أم صنعة؟

•• موهبة، والموهبة تنمو بالرعاية والاهتمام، وأنا عملتُ بنصيحة أبو نواس، التي مؤداها «احفظ ألف بيتٍ من الشعر، ثم انسها» فحفظت من المعلقات، ومن شعر شعراء صدر الإسلام، ثم الشعر الأموي والعباسي. والقراءة رافد كبير، إلا أن تجربة السفر والترحال، طالباً في بريطانيا، ثم سفيراً في عدد من البلدان، كل ذلك غذّى تجربتي، وأغناها، وأسهم في زيادة المحصول الشعري.

• مَن هم آباؤك شعرياً؟

•• لكل مرحلة من مراحل العمر، شعراؤها، وآباؤها، ربما تعجبنا القصائد أكثر، لكني تأثرتُ بمالك بن الريب، ولم أفهم المتنبي وأبو تمام إلا في العشرين من عمري، ونحن أبناء التراث أردنا أم لم نرد، ويظل للشعراء العاطفيين بصمة في الوجدان، خصوصاً الذين عاشوا معاناة.

• كيف أسهمتْ دراستك للكيمياء في ميلك الوجداني؟

•• الكيمياء هي الحياة، بكل تفاعلاتها، والشعر أداة التعبير عن تفاعلات النفس مع محيطها، وأنا أتعامل مع الشعر تعاملي مع الكيمياء، وهناك تناغم بين العلوم والفنون، وليس كل من يدرس العروض، ويتخصص في الأدب يغدو شاعراً، والعلوم تكشف جانباً من أسرار الكون.

• ماذا عن حس التصوّف في التجربة؟•• التراث الصوفي؛ فتح لي آفاقاً، وأمدني بأبعاد جديدة، ونقلني لعوالم أجمل، مليئة بالدهشة والتجدد، وأعد قراءتي للشعر الصوفي مثرياً وإيجابياً.

• ما مدى رضاك عن تجربتك الشعرية؟

•• لو لم أنجز سوى الأسفار، لكفتني، فمجموعة (سِفْر الرؤيا) هي عبارة عن قصيدة متصلة، تنتظم فيها قصائد شعرية: «سفر الأنا»، و«سفر المناجاة»، و«سفر الخلاص». واستشعرتُ كثيراً من الرضا عنها.

• ما أثر المرأة في شعرك؟•• المرأة أثّرت في تجربتي الحياتية والشعرية، وهي الأساس، في كل شيء، ولذا قلتُ لها «ذهبت على أنفاسها كبدي، أفديك من أنثى إلى الأبد».

• أين يقف النقد من تجربتك؟•• موقف النقد الفني ضروري، لتطور التجربة، وإن كان النقدُ جارحاً أو قاسياً أو سلبياً، كل ناقد يتناول عملاً يضيف له، وينبه صاحبه على ما لم يدر بذهنه، فالشاعر لا يكتشف جماليات نصه، ولا مواطن الضعف، إلا من خلال ناقد متمكن، والناقد الموضوعي أخبر من كاتب القصيدة، بها؛ وبقدر خلفيته الثقافية يخلق نصاً موازياً بالنقد.

• كيف رأيت العواصم التي عملتَ بها؟

•• المدن مثل النساء، هناك جميلات نعشقهن من أوّل نظرة، ولكل مدينة روح تلامسك بشيء من أنفاسها، عشقتُ بريطانيا أيام الدراسة، ثم إن الزملاء السفراء يقولون، حظك طيّب، لأن الخارجية اختارت لك أجمل البلدان، وموسكو بانوراما من الإيحاء الجمالي والإبداعي، المستثير للعين والسمع والوجدان، والمغرب جمال طبيعة وإنسان، وذائقة شعراء، وفضاء فلاسفة ومفكرين، ولبنان بلد مكثّف الجمال والفن والقصائد والأدب، وبصمة لبنان في شعري واضحة، وتأثيرها عميق.

• ما دلالة دعوة الشاعر لإحياء أمسية، وأنت اليوم في أدبي الباحة؟•• بالطبع ليست كل الدعوات مُغرية بالتلبية، والشاعر عندما يُدعى من منطقة بقامة الباحة يفرح فرح الطفل بالهدية، وأشكر الباحة؛ أميراً، وكيل إمارة، ومسؤولين، ومجتمعاً، وأثمّن لرئيس النادي الأدبي الصديق الشاعر حسن الزهراني، الدعوة، وممتن للحضور الجميل الذي شرفني، بالاستماع لشعري، ولمقدم الأمسية الزميل سعد زهير، وتظل الباحة شاعرة أولى منذ الشاعر الشنفرى، إلى الشاعر علي الدميني.

• بصراحة، هل تراجع اهتمام النُقّاد بشعرك إثر تقاعدك؟ •• المنصب يضرُّبالشاعر، سواء بالغ الناقد في الإطراء غير المستحق، أو تهيّب التناول خوفاً من مركز الشاعر وموقعه الوظيفي، وبالخروج للتقاعد أرى أن الكتابة عن الشاعر ستكون موضوعية.

• ماذا أضاف غناء نصوصك لك؟•• أسهمت في انتشار اسمي؛ خصوصاً أنه غنّى لي محمد عبده، وعبادي الجوهر، ووديع الصافي، وصباح فخري، وآخرون من مصر والمغرب، وأنا سعيد بغناء قصائدي.

• هل ما زلتَ تصحو باكراً وتقرأ؟•• نعم؛ فأنا قارئ نهم، ولا أُحب الترهل.

• أنجزت مشروع القنوات التلفزيونية، كيف ترى غياب القناة الثقافية؟ •• إلغاء القناة الثقافية مُحزن، وهي مطلب كل المفكرين والمبدعين والمثقفين والأدباء والفنانين والشعراء، والإعلاميين، كون الوطن يتميز بتراث ثقافي ممتد تاريخاً وجغرافياً، ماضياً وحاضراً، ولدينا الكثير من المبدعين والفنانين والشعراء والأدباء.

• انطباعكم عن معرض الكتاب؟ •• معرض الكتاب غدا مضرب مثل ومقصد الناشرين، وإثر خروجي من الوزارة، أصبحتُ أتابع الأخبار الطيبة عن بُعد.

Trending

Exit mobile version