عرفنا شخصيات ثقافية، حضورها بهجة قلب، ودفء مشاعر، وتقارب أفكار، وينابيع طاقات إيجابية، فيما غيابها يربك توازن الوعي، ويثير أسئلة الفقد، وتبعات الغياب، ومحاورة الأسباب، ومعاتبة الأصحاب.
البعض من المثقفين يملأ فضاء مسؤولياته بشغف، ويحدد مشروعه سلفاً، ويبعث بالأمل في مستقبل أجمل رسائل التحفيز وترديد «ربما صحّت الأجسامُ بالعلل» لتمتد مساحة السؤال بافتقاده، ويتسع أكثر من منجزاته، وأطول من قامته، باحثاً عن مكان منذ قليّل حارث مكان، ووارث زمان.
طبيعي جداً أن يقلق إنسان على أخيه وصديقه الإنسان، إلا أن قلق الأشياء من حولنا علينا أو على بعضنا، مستكثر أو مستغرب، أو مستحدث، ولا أُبالغ إن قلتُ إن العارض الصحي الذي تسبب في تغييب (العرّاب) فهد ردة الحارثي عن معشوقه (المسرح) أثار قلق وتساؤل وحيرة (أبو الفنون)، وله عذره؛ فهذا الأستاذ يصاحبه قبل الآخرين ويماسيه، وينقله معه بين أضلاعه من جمعية لمنزل، ومن إقامة إلى سفر.
ندرك نحن النائلون إذن الاقتراب من عوالم مُشيد (بيت العزّ) فحوى القصة منذ 1987م، العام الذي افتتن فيه رائد ورشة الطائف المسرحية بعوالم الدراما، فوظّف إمكانات الكاتب والمؤلف والصحفي والمخرج لخدمة الفن، والارتحال بـ(عصف) على (القافلة المشدودة) في خطام (حالة قلق) ولم يمر بعاصمة لم تحفظ اسمه حد (التشابك) ولا بمهرجان لم يضع حول اسمه علامة (تنصيص).
وطيلة عام مضى كان الأنيق في نصه وشخصه، يتلقى دعوات التكريم، من عمّان إلى القاهرة، ومن مسقط إلى الكويت، ويُزفّ بين أحضان عشاق (أبو الفنون) محتفين بالمنجزات، ومحفزين للمزيد من العطاء، لترسم الأقدار مساراً لم يخطر ربما بالبال، فيشكو (أبو ردة) من تعب في الكويت، ليؤجل الزيارة للطبيب، إلى وقت عودته للمملكة، ما تسبب في إدخاله العناية المركزة، ولنغدو؛ مرددين بلسان واحد، يا من شيّدت لنا (الفنار) لا تتركنا في (سِفْر الهوامش).