ثقافة وفن

عائشة المانع توثّقُ إشراقتها الباكرة بـ «حدّ الذاكرة»

للتواريخ الناصعة الحق في استنباتها وتوثيقها، كونها تكتظ بمشاهد وشواهد لا تنحصر في سيرة شخصيتها، ولا تقتصر على

للتواريخ الناصعة الحق في استنباتها وتوثيقها، كونها تكتظ بمشاهد وشواهد لا تنحصر في سيرة شخصيتها، ولا تقتصر على ذاتها، بل هي مسيرة إنسان في هذا الكيان، يعبّر عن مخاضات التحولات ومراحل التنمية، وإسهام المُبادرات من سيدات الوطن في إضاءة شموع الوعي، والاحتفاء بالإشراق في زمن لم يكن يكلّف نفسه عناء لعن الظلام.

وكتاب الرائدة الدكتورة عائشة بنت محمد المانع (حد الذاكرة) الصادر حديثاً عن دار جداول للنشر، يستعرض في نحو 300 صفحة ملونة من القطع المتوسط سيرة و مسيرة امرأة سعودية نبتت بحديقة المرحلة التنموية الأولى في المملكة، وطبعت بصمة إنجازها عبر مراحل تعليمها وعملها وأعمالها، لتتوالى شواهد عدة تثبت جدارة الإسهام التنموي والإداري والتعليمي والتنظيمي للمانع في تعزيز دور وحضور المرأة السعودية بكثير من الموضوعية وقليل من الذاتية.

يممت المانع وجهها شطر الأمام، مستشرفةً مستقبل البلاد، وحضارية النخبة النسائية في مجتمع التنامي المتسارع، مدونة فصولاً من حياة عصامية علها تُلهم وتُنير وتُشجع عقولاً نابهة من فلذات المستقبل؛ شاباً كان أو شابة، إذ ترى المانع أنه لم يُعد ثمة فرق، بعد أن قال الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان كلمتهما للتاريخ وللحضارة، والحق أن موقفهما سيغدو فيصلاً فائقاً وفارقاً في تاريخ المملكة العربية السعودية، من حيث دعم التنمية بمختلف مجالاتها، وتمكين الشباب، ومنح المرأة حقوقها كاملة غير منقوصة ومساندتها في شتى القطاعات، وتحديث الأنظمة وتقديم الوطن بصورته الحضارية الزاهية أمام العالم أجمع.

تستهل المانع كتابها بالإهداء لوالدها محمد المانع -رحمه الله-؛ الذي بدأ مشواره دارساً الإنجليزية والأوردية في الهند مع والده الذي أراده أن يدرس الطب، إلا أنه فضل أن يُجيب نداء قلبه الذي قاده إلى العمل مع الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه-، خلال رحلة التوحيد الخالدة حينما التقاه في جدة عام 1926م مترجماً في ديوان الملك ثم مؤسس ورئيس قسم الترجمة في الديوان ليغادر بعد تسع سنوات، وليستقر عقبها في الساحل الشرقي، حينما ألقت أرامكو بعتادها وآلاتها وحفاراتها، ومن هناك نشأ تاجراً ماهراً وناجحاً ومسهماً في تنمية الوطن وتحسين واقع الحياة فيه.

تذكر المانع أنها حين ولِدت كانت أمها قد فقدت قبل ولادتها ثلاثة أطفال، فنصحها بعض عُمّار الآمال بفأل الاسم فاختارت لها اسم (عائشة) لكي تعيش. تضيف: علمني أبي في سني عمري الأولى القراءة والكتابة وحفظ القرآن وبعض المعارف مثل الحساب واللغة الإنجليزية، إلى أن بلغت السادسة فابتعثني دون علمي ولا علم أمي وأخواتي وجدتي وأهلي إلى الإسكندرية للدراسة، وهناك أتممت دراستي إلى الثاني متوسط لأعود مضطرة على وقع خلافات السياسة بين المملكة ومصر، فواصلت ما تبقى من المتوسطة والثانوية ومطلع الجامعة في بيروت لأغادرها إلى أمريكا بعد اعتماد ابتعاثي من وزير المعارف، آنذاك، بأعجوبة ضمن قصة مشوقة، وهناك أتممت البكالوريوس والماجستير والدكتوراه عبر مراحل متقطعة عدت فيها إلى المملكة ثم استأنفت الدراسة لاحقاً، كما تشير إلى تجربتها كأول مديرة مدرسة في مدينة الدمام.

تروي الدكتورة المانع فصول تجربتها، قائلةً: انطلقت من العمل مديرة لمكتب الإشراف النسائي بالمنطقة الشرقية التابع لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية، آنذاك، وقبلها في أرامكو في الفصول الصيفية، ثم تجربتي في القطاع الخاص مع شريكات حين أسسنا عام 1985م شركة استهدفت ثلاثة مجالات نسائية؛ تدريب الفتيات على استخدام الحاسب الآلي الذي لم يكن معروفاً للكثيرين آنذاك، وتدريب اليد العاملة السعودية عبر مصنع نسائي بالكامل، وتطوير الفكر البحثي عبر مركز دراسات تقوده عقول نسائية مؤهلة منهجياً، فضلاً عن رسالتي للدكتوراه ومعايشتي لمجتمعي وإلمامي بشؤونه وشجونه، أقول هذه المحطات والحالات رسّخت لدي فكرة أن واقع المرأة يعاني من بؤس تنظيمي واجتماعي رهيب، ولهذا أمضيت زهرة عمري في سبيل إصلاح حالها وتمكينها والإسهام في تحسين واقعها، وعلى امتداد هذه الرحلة واجهت الكثير من الصراعات. لقد كرست جلَّ وقتي، ورصدت كل ما ملكت يدي من ثروة، في سبيل تحقيق رسالتي المتمثلة في دعم تعليم وعمل المرأة وتمكينها ومناصرة حقوقها، فأسست وقفاً تعليمياً للمحتاجين من الطالبات لمواصلة تحصيلهن العلمي العالي، وقبلها أسست كلية طبية، تحقيقاً لحلم والدي، وقد أردتُ لها أن تكون مثالاً يحتذى، في نشر ثقافة الوعي بأهمية المهن الصحية والتدريب المهني وتخريج أجيال من الفنيين الصحيين المحترفين، وسوف تصبح تلك الكلية جامعة للعلوم الطبية قريباً بحول الله.

كما تناولت المانع تجربتها المثيرة مع نساء البادية في رمال الربع الخالي، حينما أقامت هناك أياماً وليالي أثناء إعدادها لرسالة الدكتوراه.

يقدم كتاب «حد الذاكرة» للدكتورة عائشة المانع رؤية عميقة حيال فهم أهم اللحظات التي أسهمت في بناء شخصيتها ومسيرتها الحافلة، كما أنه إضافة قيمة لمن يسعى للاستفادة من تجارب الآخرين في تحقيق أهدافهم الشخصية والمهنية.

المانع من مواليد مدينة الخبر، وحازت شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع من جامعة كولورادو في الولايات المتحدة الأمريكية، وتعمل حالياً مديرة معهد المانع الصحي منذ عام 2000، والمديرة لمركز التدريب المستمر لموظفي مجموعة مستشفيات المانع العامة.

ونالت عضوية مجلس إدارة مجموعة مستشفيات المانع العامة ومديرة الخدمات المساندة للمجموعة منذ عام 1990 إلى اليوم، والمدير التنفيذي لشركة باحث للبحوث والعلوم الطبية، وعميدة كلية محمد المانع للعلوم الطبية.

وهي نائب رئيس لجنة المعاهد الصحية الأهلية بالمملكة بالغرفة التجارية بالرياض من عام 2007، وعضو مجلس إدارة منتدى سيدات الأعمال بالمنطقة الشرقية من عام 2000. ورئيسة اللجنة النسائية الأولى بالغرفة التجارية بالمنطقة الشرقية عام 2004، وعملت مديرة إشراف لدى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بالمنطقة الشرقية من عام 1973 إلى عام 1985، ونشرت العديد من الدراسات والبحوث؛ منها رسالة الدكتوراه بعنوان (الخطة الخمسية وأثرها على وضع المرأة بالمملكة)، دراسة عن مراكز الخدمات الصحية الأولية بالمنطقة الشرقية لمنظمة اليونيسيف التابعة للأمم المتحدة، ودراسة بحثية عن فرص عمل المرأة في الشركات الدوائية، ودراسة اقتصادية عن واقع نشاط سيدات الأعمال بمدينة الرياض عام 1986، ومؤلفة كتاب «المرأة السعودية بين الماضي والمستقبل» عام 2004.

Trending

Exit mobile version