Connect with us

ثقافة وفن

طقوس الكتابة

لطالما كان الشغف بالكتابة مثيراً للحماسةِ ومبعثاً للطاقةِ اللتين يحتاج إليهما الكاتب لكي يحول الأفكارَ والرؤى

لطالما كان الشغف بالكتابة مثيراً للحماسةِ ومبعثاً للطاقةِ اللتين يحتاج إليهما الكاتب لكي يحول الأفكارَ والرؤى التي تختمر في رأسه أو تلمع فجأة في مخيلته إلى عمل إبداعي يسترعي اهتمام القارئ وينفذ إلى وجدانهِ ليشبع حواسه، وأبقى اشتعاله على رغبة فتية ودؤوبة في معاودته ارتكاب ذلك الفعل وقد غمره شعور عارم بالسعادة، ودفع بصاحبها إلى الجدةٍ في البحث عما يصور به المعنى الذي يريد دون أن تستبين له منفعة أو تتراءى له فائدة، وبالرغم من يقينه بأن ما عدا البهجة والمتعة اللتين تعتريانه إبان الانغماس في عمله الكتابي وشعور غير مستقر بالتقدير فليس ثمة ما يمكن أن يظفر به إلا أن ذلك الولع الشفيف الذي أُلقي في روعه ثم لم يفتأ يتمدد في أوردته ويتجذر في أعماقه بأناة وإصرار ملفتين، مستحثاً إياه لأن يختلق أفكاراً ملهمةً تستطيع إشباعه، كان يدفع به دائماً لأن يدير ظهره إلى كل ما حوله ويركل كل ما له علاقة بالحياة خارج معمل الكتابة ليدلف إليه ويقضي به الساعات الطوال مسلطاً وقبي عينيه على شاشة حاسوبة أو محدقاً ببصره نحو الصفحات البيضاء، مطلقاً أخيلته في مفازات الكون دون أن يتسلل إليه السأم أو الضجر، بانتظار أن تومض فكرة ما فيهرع نحو دواته ليدونها قبل أن تتشظى وتتلاشى أو يصيغ تلك التي اختمرت في رأسه طويلاً لأنه التقط جملة مدهشة تستطيع أن تصفها بمثالية وهو ذاته الذي يمكث تحت وطأته ينظم الكلمات والصور متوخياً الدقة والصرامة يستبدل واحدة بأخرى لتظهر جُمَلهُ متقنة ومؤثرة ويتخلص من الكلمات الفائضة ليبدو النص شفافاً كالبلور النقي.

ولأن يستسلم لتلك الحالة الشعورية التي تنتابه وهو يعلم أن ترياقها هو ما ينبجس عن قلمه فيتألف وطن ما وتتشكل جغرافيا خاصة تبنى حولها جبال شاهقة تعزله عن حياته العادية يعيش داخلها إزاء الصور أو الشخوص التي يبتكرها فيمضي‫ جل يومه قبل أن تفتح بوابة العودة إلى عالمه الحقيقي فهو يعي أن ذلك سيفضي إلى إشباع شغفه ما سيورثه شعوراً بالارتياح.

يتساءل غابرييل ماركيز: «أي سرٍ هو هذا الذي يجعل مجرد الرغبة في رواية القصص تتحول إلى هوىً يمكن لكائن بشريٍ أن يموت من أجله، أن يموت جوعاً، أو برداً، أو من أي شيء آخر لمجرد عمل هذا الشيء الذي لا يمكن رؤيته أو لمسه».

نتناول تساؤله بشيء من الدهشة لكننا نعلم أن ما يعنيه يدعى الشغف، كما نعلم أنه هو ذاته الذي دفع بصاحب الرواية الذائعة الصيت «مائة عام من العزلة»، لأن يجمع العبوات البلاستيكية من أماكن وضيعة حتى يستأنف كتابة رواياته، وهو ذاته الذي نحى بفيودور دوستويفسكي لأن يبيع الفصل الذي ينهيه من رواياته حتى يكمل الذي يليه.

أدوات عملية ومعارف ومقاييس تمكن الكاتب من اكتشاف شغفه أولاً ومن ثم الإبقاء عليه متأججاً، وإصلاح العطب الذي قد يصيبه وإعادة جذوته مشتعلة وإذكاؤها إبان كل خبو، وهي ترتبط على نحو ما بتهيئة المناخ الذي يمكن من خلاله استحضار الموهبة واستدعاء الملكة وبالتالي ممارسة الفعل الكتابي بمزاج نشط وعقل يقظ فالفكرة المدهشة غالباً ما تكون حروناً ولذلك فهي تحتاج إلى مزاج لين ومغازلة رقيقة تستدرجها إلى ذهن الكاتب وجميع الصور المنسوجة في داخل الأعمال الأدبية كانت أفكارا استدعى استجلابها إلى مناخ معين عمل الكاتب على خلقه.

الشغف بنوعيه المتناغم والاستحواذي يستطيع المضي بصاحبه بعيداً في ابتكار ما يشبع نهمه ويسكت جوعه ويجذب الجموع المتدفقة من الصور إلى مخيلته طائعة ومسلمة.

بيد أن ذلك الشغف عادةً ما يملي على الكاتب طقوساً معينةً يجب أن تتهيأ وهي بمثابة المناخ الذي تنمو فيه أجنحة الخيال وتشتد لتتمكن من التحليق فتتدفق الجمل لحظة الخلق واشتعال الإبداع.

وقد زخرت سير الأدباء بالكثير من الطقوس أو «العادات الكتابية» كما يدعوها الروائي العراقي محسن الرملي أثارت غرابة بعضها دهشة القارئ وحيرته فتساءل عن مدى تأثيرها على نتاج الكاتب وإبداعه.

بيد أن انضباطاً في المواعيد التي يضربها الكاتب لينغمس في دواته يمثل ما يمكن وصفه بالمثابرة والجدة وهما الأمران اللذان يعول عليهما في إنتاجه لعمل متقن.

وقد يرتبط الشغف وهذه الجدة والمثابرة وما يلزم للجمع بينهما بما يمكن وصفه بالطقوس أو العادات الكتابية والمناخ الذي توفره لخلق عمل إبداعي، ولذلك كانت سير الأدباء زاخرة بكثير من العادات التي تثير الدهشة وتسترعي التوقف إزاءها لتأملها.

منها ما روي عن الكاتب الروائي الأمريكي آرنست همنغواي الذي اعتاد أن يبدأ الكتابة في حجرة نومه إلى أن تسترعي شخوص روايته انتباهه فيصعد حينها إلى برج مربع أعده في حديقة منزله مصطحباً الكثير من أقلام الرصاص ومرتدياً حذاءً يكبر مقاس قدمه ويستمر في الكتابة لساعات واقفاً على قدميه فإذا أحس بتدفق أفكاره جلس واستخدم الآلة الكاتبة، وفي روايته «وداعاً للسلاح» أعاد كتابة الصفحة الأخيرة تسعاً وثلاثين مرة حتى شعر بالرضا عنها في مثال على الجدة والمثابرة اللتين يجب أن يتحلى بهما المبدع، ويتفق همنغواي مع مواطنه الروائي دان بروان صاحب الرواية الشهيرة «شفرة دافينشي» في اختيارهما ساعات الفجر الأولى للبدء في الكتابة، فقد ذكر براون في أحد لقاءاته الصحفية «أنه اعتاد بدء الكتابة في الرابعة فجراً فإن تأخر قليلاً شعر بأنه قد فاتته أوقات ثمينة جداً للإنتاج، أوقات لاتعوض» وربما دل ذلك على ارتباط وطيد بين الطقس وتوقيت الكتابة، لكن غرابة بروان تتجلى إبان كتابته فقد كان يضع أمامه ساعة زجاجية ويكتب لساعة كاملة ثم يمضي الساعة التي تليها في ممارسة الرياضة لتنشيط الدورة الدموية يتخللها رياضة غريبة دعاها الوقوف على الرأس والتي يرى أنها تعينه على إدراك حبكة مثيرة ومترابطة وتمكنه من حل الصعوبات التي تواجهها بيد أن ذلك لا يتعارض مع جدته التي تظهر بجلاء في وصفه كتابة الرواية بصناعة حلوى القيقب السكرية التي تستلزم استقطار المئات من أغصان القيقب ومن ثم غلي عصارتها الصرفة وتبخير مائها حتى الحصول على كتلة صغيرة تحتوي خلاصتها، وهو تعبير مثالي على الجدة والمثابرة اللذين يذكيهما الشغف كما هو اعتياده مراجعة أعماله أكثر من مرة بعد الانتهاء منها وهو ما يتوافق مع ما كان يفعله الروائي المصري نجيب محفوظ معللاً إياه بأن «المراجعة تكشف الفرق بين التصور الأولي وما أنتجه وبين الطموح وماتحقق» ولا شك أن قراءة العمل بعد الانتهاء منه تقلل من تحيز الكاتب إلى ما كتبه وتمنحه قدرا كبيرا من الحياد يستطيع من خلاله تقييم عمله بعين الفاحص ما ينعكس على جودته واتقانه، بيد أن ثمة ما لايقل غرابةً عن الرياضة التي كان يمارسها براون وهو ما كان يفعله الكاتب النرويجي هنريك إبسن الذي اعتاد أن يضع عقرباً في قنينة على المنضدة أمامه وهو يكتب، لكنه يفوق بالطبع ما اعتاده الكاتب والشاعر الإيرلندي جيمس جويس الذي كان يستلقي على معدته ويكتب بأقلام زرقاء كبيرة وهو مرتدٍ معطفاً أبيض اللون، وبالرغم من أن ضعف بصره قد يفسر استخدامه أقلاماً كبيرة فيجلو دهشتنا لكنها ستبقى عالقةً بمعطفه وإن أنحسرت قليلاً إزاء طقس آخر اعتاده الروائي الفرنسي أونوريه بلزاك الذي كان يشرب ما يفوق الأربعين كوباً من القهوة ويبدأ الكتابة في الواحدة ليلاً ثم يستمر لإثنتي عشرة ساعة متواصلةً وهو مكب على أوراقه ومع أن تلك الساعات الطوال أنتجت قرابة الواحد وتسعين رواية وما يربو عن المائة وثلاثين قصة قصيرة وهو إنتاج ضخم جداً إلا أن ما ندين به لشغفه وانضباطه وموهبته يعزوه هو إلى أكواب القهوة، لكن دهشتنا ستتسع مرة أخرى حيال الألماني فريدريك شيلر الذي كان يضع التفاح الفاسد في درج مكتبه ويتناوله أثناء الكتابة معتقداً أن ذلك يمنحه الإلهام.

ما يثبت أن طقوس الكتابة رغم غرابة بعضها هي منفى اختياري يرحل إليه الكاتب طواعيةً وكلما ضيقت الحياة عليه خناقها وطوقته رتابتها فر منها إلى حالة عقلية متبدلة يستطيع من خلالها إنتاج عمل مميز وربما كانت لدى هذه الطقوس القدرة على خلق كاتب ناجح ومبدع يستشعر أثرها حين يحدد ويختار مناخاً يرى أنه يعينه على الوصول إلى مستوى مرضٍ ومرة تلو أخرى يتحول إلى طقس يواظب على ممارسته فيرتبط بقدرته على مزاولة الإبداع.

Continue Reading

ثقافة وفن

بحضور وزير الثقافة.. «روائع الأوركسترا السعودية» تتألق في طوكيو

بحضور وزير الثقافة رئيس مجلس إدارة هيئة الموسيقى الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان، اختتمت هيئة الموسيقى حفلة «روائع

بحضور وزير الثقافة رئيس مجلس إدارة هيئة الموسيقى الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان، اختتمت هيئة الموسيقى حفلة «روائع الأوركسترا السعودية» في جولتها الخامسة بمسرح «طوكيو أوبرا سيتي» بالعاصمة اليابانية طوكيو، وذلك بمشاركة 100 موسيقي ومؤدٍ من الأوركسترا والكورال الوطني السعودي، وبحضور عدد من المسؤولين ورجال الأعمال والإعلام، وحضور جماهيري كبير.

وأشار الرئيس التنفيذي لهيئة الموسيقى باول باسيفيكو، في كلمة خلال الحفلة، إلى النجاحات الكبيرة التي حققتها المشاركات السابقة لروائع الأوركسترا السعودية في العواصم العالمية، عازيًا ما تحقق خلال حفلات روائع الأوركسترا السعودية إلى دعم وزير الثقافة رئيس مجلس إدارة هيئة الموسيقى.

وعدّ «روائع الأوركسترا السعودية» إحدى الخطوات التي تسهم في نقل التراث الغنائي السعودي وما يزخر به من تنوع إلى العالم عبر المشاركات الدولية المتعددة وبكوادر سعودية مؤهلة ومدربة على أعلى مستوى، مشيرًا إلى سعي الهيئة للارتقاء بالموسيقى السعودية نحو آفاق جديدة، ودورها في التبادل الثقافي، مما يسهم في تعزيز التواصل الإنساني، ومد جسور التفاهم بين شعوب العالم عبر الموسيقى.

وقد بدأت «الأوركسترا الإمبراطورية اليابانية – بوغاكو ريو أو» بأداء لموسيقى البلاط الإمبراطوري الياباني، وهي موسيقى عريقة في الثقافة اليابانية، توارثتها الأجيال منذ 1300 عام وحتى اليوم.

وأنهت الأوركسترا والكورال الوطني السعودي الفقرة الثانية من الحفلة بأداء مُتناغم لميدلي الإنمي باللحن السعودي، كما استفتحت الفقرة التالية بعزف موسيقى افتتاحية العلا من تأليف عمر خيرت.

وبتعاون احتفى بالثقافتين ومزج موسيقى الحضارتين اختتمت الحفلة بأداء مشترك للأوركسترا السعودية مع أكاديمية أوركسترا جامعة طوكيو للموسيقى والفنان الياباني هوتاي وبقيادة المايسترو هاني فرحات، عبر عدد من الأعمال الموسيقية بتوزيع محمد عشي ورامي باصحيح.

وتعد هذه الحفلة المحطة الخامسة لروائع الأوركسترا السعودية في العاصمة اليابانية طوكيو، بعد النجاحات التي حققتها في أربع محطات سابقة، كانت تتألق في كل جولة بدايةً من باريس بقاعة دو شاتليه، وعلى المسرح الوطني بمكسيكو سيتي، وعلى مسرح دار الأوبرا متروبوليتان في مركز لينكون بمدينة نيويورك، وفي لندن بمسرح سنترل هول وستمنستر.

وتعتزم هيئة الموسيقى استمرارية تقديم عروض حفلات “روائع الأوركسترا السعودية” في عدة محطات بهدف تعريف المجتمع العالمي بروائع الموسيقى السعودية، وتعزيزًا للتبادل الثقافي الدولي والتعاون المشترك لتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030 التي تتقاطع مع مستهدفات هيئة الموسيقى.

Continue Reading

ثقافة وفن

الشاعر علي عكور: مؤسف أن يتصدَّر المشهد الأدبي الأقل قيمة !

الحديث مع الشاعر علي عكور في الكتابة الإبداعية حديث ممتع، وممتدّ، له آراؤه الخاصة التي يتمثلها في كتابته الأدبية،

الحديث مع الشاعر علي عكور في الكتابة الإبداعية حديث ممتع، وممتدّ، له آراؤه الخاصة التي يتمثلها في كتابته الأدبية، يعتد كثيراً بتجربته، ويرى أنّه قادر على الاختلاف؛ لأنّ مفاهيمه للكتابة تتغيّر مع الوقت.

لم يولد -كما قال- وإلى جواره من يمتهن أو يحترف الكتابة، ولم يكن الوسط الذي نشأ فيه يُعنى كثيراً بالأدب أو الثقافة بعمومها، ما يتذكره علي أنّه في أواسط عقده الثاني وقع على نسخةٍ من كتاب (المنجد) للويس معلوف، لا يعلم كيف وصلت إليه هذه النسخة العتيقة من الكتاب، لكنه شُغِف بها وبالعوالم التي تَفَتَّحت أمامه في هذا المعجم.

وجد الشاعر علي عكور نفسه ينجذب كالممسوس إلى الأدب بكل ما فيه من سحر وغموض وجلال، لكنّ الشعر العربي أخذه حتى من ألف ليلة وليلة؛ الذي انجذب إلى الشعر المبثوث في ثنايا الكتاب أكثر من السرد رغم عجائبيته وسحره!

الكثير من رحلة الشاعر علي عكور مع الأدب والكتابة الإبداعية في هذا الحوار:

‏ • حدّثنا عن علاقتك بالشعر والأدب بشكل عام.. كيف بدأت؟

•• بدايةً أودّ القول، أنه لم يكن في محيطي من يمتهن أو يحترف الكتابة، ولم يكن الوسط الذي نشأتُ فيه يُعنى كثيراً بالأدب أو الثقافة بعمومها. أتذكر أنني في أواسط العقد الثاني من عمري وقعتُ على نسخةٍ من كتاب (المنجد) للويس معلوف. لست أعرف كيف وصلت إلينا هذه النسخة العتيقة من الكتاب، لكنني شُغِفتُ بها وبالعوالم التي تَفَتَّحت أمامي بعد الاطلاع على هذا المعجم. وشيئاً فشيئاً، وجدت أنني أنجذب كالممسوس إلى هذا العالم الرحب، بكل ما فيه من سحر وغموض وجلال. وأثناء تجوالي في عوالم الأدب أُخِذْتُ بالشعرِ العربي وبإيقاعيّة الجملة الشعرية فيه. حتى عندما وقع بين يديّ كتاب (ألف ليلة وليلة)، لم أنجذب إلى السرد رغم عجائبيته وسحره، بقدر ما انجذبتُ إلى الشعر المبثوث في ثنايا الكتاب. وأتذكر أنني كنت أتجاوز الصفحات وأقلّبها بحثاً عن بيتٍ أو بيتينِ من الشعر.

• لمن تدين بالفضل في الكتابة؟

•• أودّ أن أدين بالفضل إلى أحدٍ ما، لكنني حين أمَرّر بداياتي على الذاكرة، لا أتذكّر أحداً بذاته، آمن بي أو رأى في ما أقوم به بدايات واعدة لمشروع ما. كل ما هنالك أنني كنتُ أتلقى ثناءً عابراً إذا كتبتُ شيئاً جيداً. على أنني لا أقلّل من هذا الثناء، فقد كان ذا أثرٍ كبير في دافعيتي، وديمومة شغفي بالكتابة. هذا فيما يخص البدايات، أما الآن فأنا أدين بالفضل لأسرتي ولزوجتي خاصة، فهي داعم كبير لي على طول هذا الطريق، وتتحمل عن طيب خاطر الأعباء التي يُخلّفها انشغالي بالكتابة وهمومها.

• شاعر كان تأثيره كبيراً عليك.

•• لا يمكن تتبّع الأثر بسهولة في هذا الشأن؛ لأنه غالباً يكونُ قارّاً في اللاوعي. لكن إذا كان السياب يرى أنه تأثر بأبي تمام والشاعرة الإنجليزية إديث سيتول وأنه مزيج منهما، فأنا أرى أنني تأثرت كثيراً بسعدي يوسف ومحمود درويش، وأشعر أنهما يلتقيان بطريقة ما، في الكثرة الكاثرة مما أكتب.

• كيف للشاعر أن يكتب قصيدته وفق رهان المستقبل وليس للحظة التي يعيش فيها؟

•• في الغالب لا توجد كتابة لا يمكن تجاوزها. وما يُعبّر عنك الآن قد تجد أنه لا يُعبّر عنك غداً. أعتقد أن الرهان الحقيقي هو أن نكتب شيئاً يستطيع أن يصمد أمام عجلة الزمن. ربما إحدى الحيل التي يمكن أن نمارسها هي أن نكتب نصوصاً أكثر تجريداً وانعتاقاً من قيود الزمان والمكان، وأن نتخفّف من الكتابة تحت تأثير اللحظة الراهنة والحدث المُعاش.

• الملاحظ أنّ هناك إصدارات متشابهة في الشعر والقصة لشعراء وكتاب قصّة، وإن تعددت عناوينها، لكنّ التجربة لم تختلف.. ما تأثير هذا على الإبداع والقارئ كذلك؟

•• صحيح، هذا أمر ملاحظ. هناك من يصدر عشرة دواوين، وعند قراءتها لا تجد اختلافاً بينها، لا من حيث الثيمات ولا من حيث طريقة التناول، لتفاجأ أن هذه الدواوين العشرة هي في الحقيقة ديوان واحد طويل. الكاتب أو الشاعر الذي لا يتجدد يخاطر بمقروئيته ويخسر رهانه الشخصي. إما أن تقول شيئاً جديداً أو شيئاً مألوفاً بطريقة جديدة، لكن لا تقل الشيء نفسه بالطريقة نفسها، حتى لا تعطي فكرة أنك لا تأخذ مشروعك بما يستحق من جدية واهتمام.

• تنادي بأهمية تصدّر الأدب الجاد والأصيل المنصات.. أولاً: من يحدد ماهية الأدب الجاد؟ ثانياً: هل المرحلة تساعد في أن يتصدّر الأدب أيّاً كان المنصات التي كثرت وكثر مستخدموها والمؤثرون فيها؟

•• النقّاد والقرّاء النوعيّون، هم من يحددون ماهيّة الأدب الجاد ويُعلون من قيمته. مؤسف أن يتصدر المشهد الأدبي الأقل قيمة، بينما يبقى الأدب الأصيل في الهامش. في الأخير نحن مسؤولون عن تصدير ثقافتنا، وما نتداوله ونجعل له الصدارة في منصاتنا ومشهدنا، هو ما سيُعبّر عنّا وسيكون عنواننا في النهاية. وبالتالي لنا أن نتساءل بصدق: هل ما صُدِّرَ ويُصَدّر الآن، يُعبّر عن حقيقة وواقع الأدب والثقافة في بلادنا؟

• لديك مشكلة مع المألوف والسائد، وتطالب بسيادة الأدب الفريد والمختلف.. هل لدينا اليوم ذائقة خاصة يمكنها إشباع الذائقة العامة؟

•• يمكن الاتفاق في البدء أن تغيير شروط الكتابة هو في المقابل تغيير لشروط التلقي، وأن كل كتابة أصيلة ومختلفة ستصنع قارئاً مختلفاً. كل كتابة جادّة ستصنع قارئها، وهذا هو الرهان الحقيقي. أما المألوف والسائد فإنّ القارئ مصابٌ بتخمة منه. كل كتابة في المألوف والسائد هي ابنٌ بارٌّ للذاكرة لا للمخيّلة؛ الذاكرة بوصفها مستودعاً لكل ما قرَّ واستقرّ فيها وأخذ مكانه المكين. والمخيّلة بوصفها انفتاحاً على المتجدّد واللانهائي.

• ماذا يعني لك فوزك بالمركز الأول في مسابقة التأليف المسرحي في مسار الشعر؟ وماذا تعني لك كتابة الشعر المسرحي؟

•• سعدت كثيراً بالفوز، سيما أن المسرحية تتحدث عن شخصية أحبها كثيراً: شخصية ابن عربي؛ تلك الشخصية التي عشت معها طيلة ثلاثة أشهر (وهي مدة كتابة العمل)، تجربة روحية وروحانية بالغة الرهافة، فقد استدعت الكتابة عن ابن عربي، العودة إلى قراءة سيرته وأجزاء من أعماله التي حملت جوهر فكره وعمق تجربته الصوفية. وبالانتقال إلى الجزء الثاني من السؤال، أقول إن كتابة الشعر المسرحي عمّقت من مفهومي للشعر وإيماني به وبقدرته على التحرك في مناطق جديدة، يمكن استثمارها على نحو جيد ومثرٍ، إذا ما تعاملنا معها بجدية.

• أما زلت تبحث عن دار نشر تطبع لك ديوانك الجديد دون مقابل مادي تدفعه؟

•• استطعت التواصل مع أكثر من دار، وقد رحبوا بالديوان والتعاون من أجله. لا ضير في كون دور النشر تبحث عن الربح، فهذا من حقها، وهذه هي طبيعة عملها. كل ما أنادي به أن تكون هناك جهة حكومية تشرف عليها وزارة الثقافة، تقوم بطبع الأعمال الجادة التي تعبّر عن حقيقة الأدب السعودي وواقعه.

• جاسم الصحيح قال عنك إنك لست شاعراً عابراً، وإنما شاعر ذو موهبة كبرى تتجاوز المألوف والسائد.. ماذا تعني لك هذه الشهادة؟•• جاسم اسم كبير في المشهد الثقافي وتجربة مرجعية في الشعرية العربية الحديثة، وأن تأتي الشهادة من قامة كقامة جاسم الصحيح لا شك أنها شهادة تدعو للابتهاج والنشوة، إضافة إلى ما تلقيه عليّ من عبء ومسؤولية كبيرة.

• كيف يكون المؤلف الجاد والرصين رأس مال لدور النشر؟

•• تمهيداً للإجابة عن السؤال، لا بد من القول إن الرساميل الرمزية أحياناً تكون أهم وأكثر مردوداً من القيمة المادية. بالنسبة لدور النشر، يُعد الكاتب الجاد رأس مال رمزياً مهمّاً؛ لأنه يبني لها سمعة في الوسط الثقافي. إذا أرادت دور النشر أن تستثمر في سمعتها، فإن أسرع طريقة هي استقطاب كتاب أصحاب مشاريع جادة، مقابل أن تطبع لهم بمبالغ رمزية على الأقل.

• كتبتَ الشعر بأشكاله الثلاثة ومع ذلك ما زلت ترى أنّ الوزن ليس شيئاً جوهرياً في القصيدة.. ما البديل من وجهة نظرك؟

•• نعم الوزن ليس شيئاً جوهريّاً في الشعر. ونحن حين نقول الوزن نقصد بطبيعة الحال الأوزان التي أقرها الخليل بن أحمد. الحقيقة أن الأوزان جزء من الإيقاع، أو بمعنى آخر، هي إحدى إمكانات الإيقاع وليس الإمكانية الوحيدة، وما دامت إحدى تجليات الإيقاع وليس التجلي الوحيد، فمعنى ذلك أن الإيقاع أعم وأشمل وأقدم. وعليه فإن الإيقاع هو الجوهري وليس الوزن. والإيقاع يمكن أن يتحقق في قصيدة النثر مثلاً، عبر حركة الأصوات داخل الجملة الشعرية. وهناك حادثة دالة وكاشفة أنهم حتى في القديم كانوا يدركون أن الشعر بما فيه من إيقاع يوجد أيضاً خارج أوزان الخليل، إذ يُروى أن عبدالرحمن بن حسان بن ثابت دخل على أبيه وهو يبكي، وكان حينها طفلاً، فقال له: ما يبكيك؟ فقال: لسعني طائر، فقال: صفه، فقال: كأنه ملتف في بردي حبرة. فصاح حسان: قال ابني الشعر ورب الكعبة. هذه القصة المروية في كتب الأدب تكشف بجلاء أن الشعر أوسع من مجرد الوزن والتفاعيل.

• أنت تقول: لا شيء يسعدني ككتابة الشعر الجيّد.. ما مواصفات الشعر الجيّد؟

•• لا أملك ولا يحق لي ربما الحديث عن الشعر الجيد بإطلاق؛ لأن في هذا ادعاءً كبيراً، لكن يمكن الحديث عما أراه أنا أنه شعر جيد؛ أي في حدود رؤيتي فقط. كل شاعر يكتب الشعر بناءً على ما يعتقد أنه شعر، وعليه فإن الشعر الجيد -كما أراه- خرق لنمطية اللغة وبحث جاد عن اللامرئي في المرئي، ومن مواصفات النص الجيد أن يتقاطع فيه الفكري بالوجداني، وأن يكون نتاج الحالة البرزخية بين الوعي واللاوعي. طبعاً إضافة إلى ضرورة أن يتخلص من المقولات السابقة، وأن يعمل في تضاد مع الذاكرة والثقافة؛ لأنهما يفرضان السائد والمألوف وكل ما هو قارّ في الذهن.

• العودة الملاحظة للشذرات كتابة وطباعة.. إلام تعيدها؟

•• الشذرة في رأيي هي رأس الشعرية. حَشْد كل هذا العالم بمستوياته وتناقضاته ورؤاه في بضع كلمات أمر بالغ الصعوبة على مستوى التكنيك، لكنه مثير وممتع حين تدخله كمساحة للتجريب وتحدي إمكانياتك. أيضاً جزء من اهتمامي بالشذرة يعود إلى افتتاني بالمشهدية وتأمل الفضاءات البصرية واستنطاقها. إضافةً إلى ما في الشذرة من تداخل أجناسي يزيدها ثراءً وغنى. وعلى مستوى آخر أعتقد أن الشذرة بحجمها وبنيتها أكثر تمثيلاً لحياتنا المعاصرة التي أشبه ما تكون بلقطات متتابعة ومنفصلة في فضاء بصري، يجمعها سياق عام. وأخيراً لا أنسى أن منصة (إكس) بما كانت تفرضه من قيود تقنية قد أسست لتجربتي في الكتابة الشذرية وصقلتها.

• الشاعر أحمد السيد عطيف اختلف معك في شكل القصيدة، ورأى أنّ الشكل لا يجعل الكلام جميلاً ومؤثراً.. فيما ترى أنت أنّ الكتابة على نمط القصيدة القديمة تقليد وليس إبداعاً.. هل المشكلة في الشّكل أم في أشياء أخرى؟

•• نعم، كان الحديث في هذه الجزئية عن القصيدة العمودية، وعن كتابتها بصياغة تقليدية مغرقة في القدامة. النقد الحديث على عكس القديم، لا يفصل بين الشكل والمضمون، ولكتابة نص حديث لا بد من تحديث الشكل؛ لأننا لا يمكن أن نتحدث عن مضمون ما بمعزل عن الشكل، إذ إن الشكل يخلق مضمونه أيضاً. طبعاً لا أقصد بتحديث الشكل استبدال القصيدة العمودية بشكل آخر، بل أقصد التحديث من داخل الشكل نفسه. تجديد الصياغة وتحديث الجملة الشعرية ذاتها لتكون قادرة على التعبير عن الرؤى الجديدة.

• لماذا ترى أنّ كتابة قصيدة النثر أصعب من كتابة قصيدة عمودية أو تفعيلة؟

•• السبب في رأيي أن النص العمودي والنص التفعيلي لديهما قوالب إيقاعية جاهزة تجعل من مهمة الخلق الشعري مهمة أقل صعوبة. بينما في قصيدة النثر أنت تعمل في منطقة أقرب ما تكون إلى الشكل الهلامي. قصيدة النثر ملامحها أقل حدة ووضوحاً من الشكلين السابقين، وعليه فإن كتابتها تحمل صعوبة أكبر؛ لأن لكل نصٍّ قالبه الخاص الذي عليك أن تخلقه من العدم.

• كيف يمكن للشاعر أن يكون رائعاً؟

•• يكون كذلك إذا كان أصيلاً؛ أي معبراً عن صوته الخاص، ولحظته الراهنة، ومنغمساً بالكامل في تفاصيل عالمه، طبعاً دون أن يفقد قدرته على الاتصال بالوجود والكون.

• النصوص القصيرة التفعيلية التي كتبتها وترغب في نشرها مرفقة برسوم إبداعية.. ماذا عنها؟

•• هي أربعون نصّاً، تحمل خلاصة تجربتي في كتابة الشذرة الشعرية، وهو تنويعٌ على تجربتي الشعرية عموماً. تعاونت في هذا المشروع مع الرسامة السورية القديرة راما الدقاق. والعمل الآن في مرحلته الأخيرة، وسيُنشر خلال الشهرين القادمين.

Continue Reading

ثقافة وفن

رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «بـراغ»

أصدر رئيس مركز الجواهري الثقافي، رواء الجصاني، كتاباً توثيقياً عن (شخصيات وشؤون ثقافية عراقية في ذاكرة وتاريخ

أصدر رئيس مركز الجواهري الثقافي، رواء الجصاني، كتاباً توثيقياً عن (شخصيات وشؤون ثقافية عراقية في ذاكرة وتاريخ براغ) طيلة 65 عاماً، وتضمن التوثيق 22 عنواناً فرعياً.

وسلّط المصدر الببلوغرافي الضوء على إقامة خال الجصاني الشاعر العربي محمد مهدي الجواهري، في التشيك قرابة 30 عاماً (1961-1991)؛ منها سبعة متصلة (1961-1968)، و كتب الجواهري خلال إقامته في (براغ) نحو 30 قصيدة ومقطوعة؛ عشر منها، وفيها، عن التشيك وجمال وعطاء بلدهم الذي أطال من عمر الجواهري كما يثبت ذلك في قصيدته:

أطلتِ الشوطَ من عمري، اطالَ الله من عمركْ

ولا بلّغتُ بالشرّ، ولا بالسوءِ من خبـركْ..

ألا يا مزهرَ الخلدِ تغنى الدهرُ في وتركْ.

واحتفظ المثقفون التشيك، باعتزاز بذكرى إقامة الجواهري معهم، وهم يدركون تميّزه الشعري، إضافة لكونه رمزاً عراقياً وعربياً، وإنسانياً، وجسراً وطيداً بين ثقافتي البلدين، وتم وضع نصب (معلم) تذكاري له جوار شقته التي عاش فيها أزيد من ربع قرن بمنطقة براغ السادسة.

كما تناول الكتاب، الفنان والمفكر الرائد محمود صبري، ذو العطاءات التشكيلية وصاحب نظرية (واقعية الكم) الذي أقام في براغ فناناً ومفكراً وطنياً، وباحثاً إنسانياً نصف قرن (1963-2013).. وكذلك الباحث والكاتب والمترجم القدير مصطفى عبود الذي أقام بها من أواخر السبعينيات إلى 1985. والكاتب والصحفي شمران الياسري (أبو كاطع) منذ النصف الثاني من السبعينيات إلى عام 1981.. والكاتب والروائي يحيى بابان – جيان، من منتصف الستينيات إلى عام 2023. والفنان الكردي العراقي البارز قادر ديلان؛ الذي أقام وعمل في براغ لنحو عقدين إلى وفاته عام 1999. والباحث الجدير فالح عبد الجبار من عام 1979 إلى 1981.. وبشرى برتو، وذنون أيوب، وفاروق رضاعة، وفيصل السامر، ونوري عبد الرزاق، ومجيد الونداوي، ومهدي الحافظ..

واستعاد الجصاني مسيرة إذاعة براغ العربية، ومن أسهموا فيها، ومنهم: أحمد كريم، وأناهيد بوغوصيان، وحسين العامل، وزاهد محمد، وصادق الصايغ، وعادل مصري، وفائزة حلمي، ومفيد الجزائري، وموسى أسـد، ونضال وصفي طاهر.

كما تناول الجصاني المجلات الثقافية التي صدرت، وكذلك المتخصصة في شؤون سياسية واقتصادية، والسفراء، والدبلوماسيين، وأمسيات شعرية، وندوات أدبية وفكرية، ومعارض فنيّة، وحفلات موسيقية، ومؤلفات وتراجم، وأفلام ومخرجين، ومترجمين ومحررين، وكتب ومكتبات، ومحطات إعلامية، ومركز الجواهري، الذي أطلقه رواء الجصاني والدكتور محمد حسين الأعرجي، والمستعرب التشيكي (يارومير هايسكي)، وبدأ نشاطاته في منتصف عام 2002: و(بابيلون للإعلام والنشر)، كما تناول الكتاب باحثين وأكاديميين وعلماء.

Continue Reading

Trending

جميع الحقوق محفوظة لدى أخبار السعودية © 2022 .