ارتدى بنطاله، التقط قميصه، ووضع قبعته بشكلٍ مائل، صار يشبه كثيرا مجسّم الخيال الذي يحرس المزرعة من خراب أسراب الطيور..
شمّ عبير الريحان، أزال حشائش صغيرة، ترك الورد لم يقترب منه!
عاد إلى فناء البيت، وسحب كرسيه الخشبي الذي يتشابه في مشيته، الأوراق أمامه والقلم الرصاص يتهادى، يتراقص بين أصبعيه، المكان لا يحتاج أغنية لفيروز ولا لصوت الأرض فتغريد البلابل يضج بسلّمٍ موسيقي حتّى ذاك الببغاء سيمو بتقليده يكمل مشهد الكلام والغناء…
أولّ الدرجِ لم يعجبه فمحاه، أكمل الثانية الثالثة، عند التاسعة توقّف متأملا!
بداخله كلام يضجّ تفكيره قائلا:
لو رسمته بشكل دائري يصبح أجمل أم أجعله مستقيما وتحته أضع مخزنًا للأشياء المهملة.
بعد تفكير قرر أن الدائرة أنسب، أدخل سبابته كالعادة في خرم فنجان قهوته بعد أن رشف مذاقها، تاركا رغوتها تتمدد بين شفتيه، كأنه مخنوق بحبل..
قذف بالورق، ولديه الكثير من الأرق، فتبعثرت فوق الكرسي، انزلقت، تشبّث بطرف الأرض، فسقط!
وسيمو يقول: تبا لهذا الحياة من سقوط إلى هاوية
محاولا أن يلملم بعضه ملتقطا بندقيته، أطلقها في الهواء دون دخان زندها!
ردّ سيمو: كان غيرك أشطر… المهم حاول أن يزيل قطع الزجاج، والورق الذي شوهته القهوة التي تقاطرت، جلس على الأرض مندهشا يناظر سلّمه والدرج، فرك عينيه جيدا، فرد الورق وهو يضحك ويقول: معقولة!
فرد سيمو: معقولة تبعد عني معقولة أهون عليك…
وضع لوحة السلّم على الطاولة برفق، قاذفا بقايا المهملات التي أحدثها بسقوطه، التفت إلى الورد، اقترب خائفا يترقب، أخيرا.. أمامه والوردة متفتحة زاهية بألوانها، حاول بعد ترددٍ أن يلمسها شكّته، لاح في ذاكرته
ورأيت الأيدي تمد سراع
كل كف ذراعها مفتول
إن شوكي وسيلة لدفاعي
عن حياتي وللنجاة سبيل
نزع قبعته والدماء تتخلل الزجاج المهشمٍ ووخز الورد، عاد منكسرا حزينا رمى جسمه على الكرسي هوى به مرّة ثانية، ترك الشمس تسطع في جبينه، حاول أن ينهض دون جدوى، أخرج وردة بصعوبة من دفتره الممزّق بعض أجزائه، تناثرت على وجهه قرب لوحته التي أصبحت مزارا لروحه، عندها فرّ سيمو من سجنه ووقف على رأسه يغنّي:
احبك لو تكون حاضــر..
احبك لو تكـون هاجر