بأعمال مختلفة مزجت بين الفن والمعرفة الرقمية، نثر مجموعة فنانين مشاركاتهم في معرض «من الأرض» الذي يقيمه مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء)، حيث تتواجد الطبيعة بكافة عناصرها من أجل مقاومة ما يدور حولها من متغيرات، فهناك ما هو مرتبط بالصحراء وأخرى بتضاريس المملكة العربية السعودية للكشف عن العلاقة بين الأرض والظواهر الطبيعية، وعلى الرغم أن ذلك يشكّل تحديًا حقيقيًا إلا أن الفنان عبيد الصافي تمكّن من رسم نموذج ثلاثي الأبعاد داخل عمل تركيبي فنّي مرتبط بالصحراء لتجسيد ظاهرة «الخلوج» وهوت صوت الناقة الباكية مستعينًا بتقنيات وأدوات الذكاء الاصطناعي.
يستند الصافي في عمله إلى بحث عميق في تاريخ الفنّ الأصيل فلجأ إلى استخدام رموز من الصحراء أهمها الناقة، فبادر إلى تحويل الظاهرة الصوتية لها إلى عنصر ملموس، ليجعل الذكاء الاصطناعي سمة غلبت على ثنايا عمله الفني، موضحًا «لطالما بحثت عن كل ما هو حديث برؤية فنّية معاصرة فما يشغلني دومًا صوت الناقة عندما تبكي لذلك بحثت عن ما يسمى بظاهر الخلوج، وهي صوت الناقة التي تعيش حالة حزن شديد عندما تفقد وليدها، فيبدو صوتها يجوب بالصحراء القاحلة وهذا استوجب توظيف العديد من التقنيات التي أفرزت منحوته فنية مطبوعة بتقنية ثلاثية الأبعاد»، مضيفًا أن الصحراء مخزن للكنوز وليست فراغا كما يعتقد البعض، باعتبار أن الرمال ترتبط بعلاقة وثيقة مع المدن والصناعات ومن هنا انبثقت فكرته للعمل الفنّي الذي يتسم بمقاربة عملية علمية بجماليات ماهو مرئي ليصبح محسوسا، بحسب وصفه.
حتمية التعبير لم تتوقف على عمل فني دون آخر، فهناك ألوان متعددة برؤى تصويرية، فالفنّان عبد الله العمودي رسم ملامح مفهوم الهوية بفيلم متحرك، حيث يتجول روبوت داخل غابة ويتفاعل مع المناظر الطبيعية، محاولًا توثيق علاقاته مع المحيط من حوله، لاسيما أن شخصية الروبوت تمثّل شخصية الفنان وتجربته مع الثقافة، فالفيلم يبوح عن أسرار عدة مرتبطة بالهوية والتراث، إذ تتفاعل الشخصية مع الأرض والبيئة، وتدعو إلى التعميق بالهوية الثقافية والجذور الراسخة لها.
وفي أروقة المعرض الذي يتوقف الزائر داخله طويلًا تتجذر الأعمال الفنية بعلاقتها مع الأرض سواء في التأمل بعناصر وما يحيطها أو القائمين عليها، فهناك أعمال من تراكيب خشبية تكتسي بألوان الأرض متداخلة تقدم لمحة عن الحياة المعاصر وكيف بات النظام البيئي ذا تأثير مباشر على الحياة البشرية وواقع التطوير، فالعديد من الأعمال حاولت الحفاظ على ذاكرة الأرض وإعادة تصورها، في حين التقط البعض تفاصيل الظواهر الطبيعية بمحاذاة الزهور والأشجار وغيرها من مكونات تقوم بدور الوسيط في علاقتنا بالبيئة التي نعيش بها، وذلك بحسب العديد من المشاركين في المعرض الذي يستمر إلى شهر أغسطس 2023.
وضمن سلسلة المشاركات والتراكيب منها مرئية وأخرى تشكيلية جميعها تكتسي بطابع المواد المستوحاة من البيئة، كما تستهلهم الذكريات الماضية وتتطرق لبناء المستقبل، للحفاظ على التراث والأرض سويًا، فيما تعمقت لوحات تشكيلية حول امتزاج الأرض والأشخاص، كما لأشجار النخيل نصيب وافر، ففي منحوتة «كرب النخيل» رسالة تدور حول مفهوم الاستدامة والعطاء، وصولًا إلى لوحات تبوح عن قيم مختلفة للأرض بوصفها مصدرا للإلهام وصانعة مستقبل أكثر إشراقًا.