ثقافة وفن

رياض نعسان: العرب جعلوا الثقافة والعلم ملكاً للبشرية

ربما لم يخطر ببال وزير الثقافة السوري الأسبق الدكتور رياض نعسان آغا، أن طالباً في المرحلة الثانوية، كان مغرماً،

ربما لم يخطر ببال وزير الثقافة السوري الأسبق الدكتور رياض نعسان آغا، أن طالباً في المرحلة الثانوية، كان مغرماً، ببرامجه الثقافية على القناة السعودية، لتتنامى علاقة وجدانية، أسهمت الميديا الحديثة، في إمكانية، التواصل، وأتاحت الفرصة، لننقل للقارئ الكريم، نموذجاً من المثقفين العرب، المؤصلين ثقافة وإبداعاً ومعرفةً وإنسانية، وإثر ما يقرب أربعين عاماً من الترقب، تم الحوار وهذا نصه:

• ماذا أخذت الوزارة والسفارة من المثقف، وماذا منحته؟

•• أعتقد أن تجربة العمل سفيراً أو وزيراً تبقى خصوصية وشخصية، ولا يمكن تعميم شكل ومضمون الاستجابة على المثقف عامة، بالنسبة لي كانت تجارب ممتازة، لاسيما أنني من بداية شبابي أعمل في الشأن العام، مدرساً ثم مديراً في التلفزيون السوري، ثم نائباً في البرلمان (مجلس الشعب السوري) ثم مستشاراً سياسياً لرئيس الجمهورية، وربما جاء تكليفي بالسفارة ثم الوزارة تطوراً طبيعياً لعملي السابق، فأما ما أخذه مني فهو التفرغ الذي عشته بضع سنوات من التسعينيات للكتابة الدرامية وإعداد وتقديم البرامج التلفزيونية الثقافية التي بدأت بها عملي مذ انتقلت من وزارة التربية إلى وزارة الإعلام منتصف السبعينيات، وقد أنجزت مئات الساعات المتلفزة في الثقافة، كما كتبت العديد من الأعمال الدرامية السورية والمصرية التاريخية والاجتماعية، وكانت هواية ثم صارت مهنة، وقد شغلتني السفارة والوزارة عن المتابعة بذات الغزارة التي كنت متفرغاً لها، لكنني في سنوات السفارة والوزارة عكفت على تأليف الكتب، وأصدرت نحو عشرين كتاباً وما زلت إلى اليوم أتابع تأليف الكتب. وأما ما منحني العمل في مواقع رسمية فهو مزيد من الخبرة السياسية والفكرية والتعمق في فهم عقل الدولة والتعرف الأقرب إلى قضايا الأمة، والتواصل مع الناس ومع الشعوب والأمم من خلال أنشطة دولية كبرى. وحين كنت وزيراً للثقافة وجاء دوري لرئاسة مجلس وزراء الثقافة العرب في الجامعة العربية أطلقت مع زملائي وزراء الثقافة العرب سلسلة من الحوارات الفكرية مع أمم وحكومات عدة، وكان ذلك رداً موضوعياً على دعوات صراع الحضارات. وأعتقد أن ما قمنا به كان مهماً جداً.

• هل يتأسف المثقف داخلك عن بعض خياراته؟

•• لم تكن أمامي خيارات واسعة، وعلى الصعيد السياسي، حافظت على خصوصيتي الفكرية، فلم أنتسب إلى حزب سياسي، ولم أكن عضواً في حزب البعث، على الرغم من أنني شغلت مواقع رسمية عدة، ولم تكن في سورية أحزاب لها قاعدة فكرية إيديولوجية سوى الحزب الشيوعي وحزب الإخوان المسلمين، وحزب القوميين السوريين، ولم أقترب من هذه الأحزاب، وبقيت مستقلاً ودخلت مجلس الشعب مستقلاً، وحتى حين عملت في هيئة التفاوض العليا في الرياض وجنيف، بقيت مستقلاً، وهذه الاستقلالية منحتني حرية التفكير وحرية الاختيار والموقف.

• أين نجحت الفلسفة مع السياسي وأين أخفقت؟

•• درست الفلسفة وأفادتني في تنمية التفكير وسعة الاطلاع على الفكر الإسلامي والعالمي، ولكنني بقيت مستقلاً في تفكيري، بوصفي مسلماً، والفلسفة عامة هي بحث خارج الأديان وأكثر الفلاسفة ملحدون، وبعضهم يؤمنون قبل الغرغرة في الحلقوم، لكن فلسفة السياسة علم وثقافة وفقه ومعرفة تفيد السياسي في رؤية أوسع للعالم وللمستقبل، وتجعله يفهم ما يدور حوله فيفهم ما وراء الكلمات والمواقف وما تحت السطور. وقد أفادني كثيراً اطلاعي على الفلسفة في عملي السياسي، وأحمد الله أنني دخلت إلى أعماقها ولم أتوقف عند شواطئها.

• رغم أنك إعلامي إلا أن ثقافتك مؤصّلة، ما الينابيع الأولى التي نهلت منها؟

•• من حسن حظي أني ولدت في بيت مثقف، والدي كان مدرساً للدين وللغة العربية، وهو من أبرز علماء جيله إسلامياً، وضيوف الوالد وصحبه من كبار المثقفين في محيطنا، وكنت أنصت لأحاديثهم، وقد بدأت القراءة مبكراً، وأصدرت مجلة ثقافية (كنت أطبعها على الجستنر) في المرحلة الإعدادية، سميتها (براعم تتفتح) وهي كانت بداية عملي في الصحافة من الصف الثامن الإعدادي، ثم أصدرت مجلة (أشبالنا) ومجلة (جيل النصر) حين بدأت عملي معلماً، وكنت قد بدأت الدراسة في جامعة دمشق، وكنت أطبع المجلة في حلب وأوزعها على مدراس محافظة إدلب. وقد حرصت في الجامعة ألا أكتفي بدراسة المقرر، بل كنت أدرس الموضوعات من المراجع الأصلية ومن أمهات الكتب. لقد أفادني ذلك كثيراً على صعيد معرفي، وكنت منذ صغري أقضي جل وقتي في مكتبة المركز الثقافي في إدلب.

• هل يغذي الإعلام الثقافة؟ أو العكس؟

•• بما أنني اخترت في عملي الإعلامي جانباً ثقافياً عميقاً، فقد زاد عملي في الإعلام معرفتي وقد حاورت كبار مثقفي ومبدعي الأمة، وصنعت برامج تاريخية وسياسية وأدبية في سلاسل شهيرة (الشعر والشعراء، شعراء العربية، سيرة الفتوحات، احتمالات، رجال من التاريخ، أمهات الكتب، دعوة إلى الحوار) وسوى ذلك كثير، كما أنني ألفت مسلسلات تغني المعرفة، مثل (ديوان العرب، طرفة بن العبد، النابغة الذبياني) وأعمالا كثيرة، وأعترف أنني بت آكل خبزي من ثقافتي.

• كيف ترى تحولات الإعلام، وما أثر الميديا والتواصل على المحتوى؟

•• اتسعت الساحة الإعلامية كثيراً بفضل التقدم التقني، صار بوسع أي شخص أن يصدر مدونته أو صحيفته وإذاعته وتلفزيونه من كمبيوتره أو هاتفه، وهناك للدعابة من يقول «عندما اخترع المسدس صار بوسع أي شخص جبان أن يواجه أشجع الرجال، وعندما اخترع (الفيس بوك) وأمثاله، صار بوسع أي جاهل أو غبي أن يتعالى وينتقد ويدلي بدلوه محاوراً كبار العلماء والمثقفين» المهم أن التكنولوجيا تفرض نفسها ولا أحد يستطيع رفضها أو مقاومتها، ولهذا التقدم سلبيات وإيجابيات، مثل أي اختراع بوسعك أن تستخدمه للخير أو للشر، لكن الخير بحمد الله أكثر وأعم، فقد باتت الميديا ساحة ثقافية مهمة جداً لنشر الثقافة والمعرفة، وتوسيع الحوار والتعارف بين البشر، وإنهاء حالة احتكار الأنظمة السياسية لوسائل الإعلام.

• إلى ماذا تعزو انتشارك عربياً في الثمانينيات؟

•• أعتقد أن حاجة محطات التلفزة العربية آنذاك لبرامج ثقافية منحتني فرصة الانتشار، كانت قنوات تلفزيونية عدة تطلب مني من مطلع الثمانينيات إلى منتصف التسعينيات أن أخصها ببرامج فكرية وثقافية مثل تلفزيون أبوظبي وتلفزيون دبي وتلفزيون ليبيا، وعملياً بدأ بعض المنتجين يطلبون مني برامج عالية السوية ويوزعونها، وأحمد الله أنها كانت تبث في كل الدول العربية، بما فيها المملكة، ويعاد بثها مرات.

• هل حظ المثقف العربي محكوم بالظروف والمصادفات؟

•• نعم، الظرف العام يحكم الناس جميعاً وليس المثقف فقط، كلنا نخضع للظروف قاسية كانت أو رحيمة، أحياناً نتغلب عليها، أحياناً تصرعنا، والمصادفات تلعب دوراً مهماً في المصير.

• لماذا اختفت الفعاليات الثقافية العربية التبادلية بين الدول والنخب؟

•• للأسف تغيرت آليات التفاعل التي انطلقت بقوة مطلع التسعينيات، وكنت بدأتها فضائياً مع الزميل الإعلامي التونسي الراحل نجيب خطاب في أول بث فضائي مشترك بين دمشق وتونس عبر القمر العربي، ولكن التغيرات السياسية والخلافات العربية عطلت هذا التفاعل، وأدعو إلى متابعته لأن الإعلام يعمق الصلات بين أطراف الأمة.

• بماذا أسهم العرب في عصر النهضة الأوروبية؟

•• أهم ما فعله العرب هو جعل الثقافة والعلم ملكاً للبشرية كلها، لقد قاموا في العصر الأموي بحملة ترجمة واسعة لعلوم وآداب الإغريق والسريان والفرس والهند والصين، ولم يكونوا مجرد ناقلين، فقد أضافوا الكثير وصححوا المعلومات حسب التطور المعرفي، كما فعل ابن سينا مثلاً بكتب أبقراط وجالينوس وبقي كتابه (القانون) يدرس سبعة قرون في أوربا حتى سمته أمير الطب، وقد صحح لابن سينا ابن النفيس الدمشقي مكتشف الدورة الدموية الصغرى، وتوالى ظهور علماء المسلمين الذين كانوا الأوائل في كثير من العلوم مثل علم البصريات ابن الهيثم وعلم الصيدلة ابن طفيل، وعلم الاجتماع ابن خلدون وعلم المثلثات ثابت بن قرة وعلم الكيمياء جابر بن حيان وعلم الروبوت الجزري وبرع في الفلسفة ابن رشد وفي اللوغاريتم الفارابي وابن حمزة المغربي، وهكذا نجد أكثر من مائة عالم عربي ومسلم أسسوا علوماً جديدة أسهمت في النهضة الأوروبية التي تابعت في البحث والاكتشاف.

• ماذا يعني لك انجرار البعض وراء الشعارات الحالمة دون حسبان للعواقب؟

•• لنقل الأهداف بالتحديد وليس شعارات الأحلام، شعبنا يحلم بالحرية والكرامة والاستقلال، ولكنها أهداف مشروعة، ولابد من التضحيات لتحقيقها، والتاريخ حراك مستمر وتغيير حتمي، ولا توجد شعارات حالمة وأخرى نائمة، هناك شعارات عادلة وأخرى ظالمة، وهناك حراك يمكن أن يحقق أهدافه، وآخر توقفه الصعوبات، المهم أن التاريخ لا يحسم من الجولة الأولى.

• أين أنت اليوم، وكيف تقاوم الغربة والاغتراب؟

••أحمد الله أنني أعيش في بلد عربي (دولة الإمارات العربية) ولا أشعر بالغربة إطلاقاً، مع أنني أعيش قضية شعبنا السوري ومآسيه بكل تفاصيلها.

Trending

Exit mobile version