الليلُ من ليلاهُ خالي
شأنَ النهارِ من الرجالِ
البردُ، والظلماءُ، والصمتُ المُجلجلُ في الجبالِ
وقبائلُ (الهومو) تُقاد إلى الرُّقاد بلا نضالِ
وتفضّلُ النومَ الطويلَ طُوًى على القُبلِ الطوالِ
كان الفتى الحجريُّ عن شغُل الصبابةِ في انشغالِ
ما قضّ مضجعه سوى كابوسِ إطعام العيالِ
يا لَلسُّهاد.. خواءُ قلب دالهٍ، وخلوُّ بالِ
من مالئ الحدقين أشواقًا، ومن خلٍّ مُمالي
ما كان أحوجَ ذلك الليلَ البهيمَ إلى اشتعالِ
(فان غوخ) أينك عنه، تُضرمُه بأنجمكَ اللآلي؟
*
النارُ تلعبُ في الجوار، ولم يكدْ أحدٌ يُبالي
كان الطعامُ النيئُ يُؤكل، والطهاةُ بلا خيالِ
وحرائقُ الغابات أنكرَها فمٌ بالصيد سالي
حتى تعثّر بالحريقِ وذاقَ مشويَّ الغزالِ
وتلقّفَ البشريُّ طعمَ النارِ فاكهةِ الليالي
غشيتْهُ وانسربتْ إلى عينيه في كل ابتهالِ
وتكشّفتْ جرّاءَ دهشته بها حجُبُ الجمالِ
ما عاد بالألوانِ مهووسًا، سوى بالبرتقالي
لكأنَّ ألسنةَ اللظى أعمالُ (بيكاسو) و(دالي)
*
النارُ طوّلتِ النهارَ، وسيّلتْ ثلج الوصالِ
وتعلّقَ البشريُّ بالبشريِّ من بعد انعزالِ
أصغى إليه بمقلةٍ حرّى، وصالى ما يُصالي
وتدفّقتْ كالنهْرِ من ثغريهما لُغةُ الأوالي
بالدفءِ والضوضاءِ مترفةً، وبالضوء المُسالِ
نهضا وقد أغرتْهما سحَرًا مُراقصةُ الظلالِ
بالمَغْرةِ الحمراءِ والصفراءِ مطليٌّ وطالي
لم يسْكرا قبل المواقد سكرةَ الضحك المُغالي
ضحكا على شكليهما ضحكَ الرمادِ على الرمالِ
وتبادلا حيلَ النجاةِ وفنَّ تركيب النصالِ
للصيد كانا يستعدّانِ القنا، لا للقتالِ
*
نصفُ الروائحِ لم يُجرَّبْ قبل ذلك الاحتفالِ
لا عطرَ غيرُ الماء، ما أزكاهُ من بخْسٍ وغالي
لكنّ ربّاتِ البخور معطّراتٌ بالمُحالِ
فجرًا بعيداتُ المُنى، ليلًا بعيداتُ المنالِ
حول المواقد يبْتلين شعائر الغزَل البوالي
لحرارةُ الأشواقِ أختُ حرارةِ الحِزَمِ الجِزالِ
لا شوقَ أشبهُ بالْتماعِ النارِ في الطرْفِ المُجالِ
طَرْفٍ إذا رمقَ الفتاةَ كأنه نادى: تعالي
*
مطر ٌعلى الأرض، الكهوف بعيدةٌ، والرعدُ عالي
للعرسِ أن ينهارَ يومئذ بزخّاتٍ قِلالِ
يا مطفئَ الأفراحِ ليتكَ كنتَ مِطفأةَ النَّكالِ
لُعِنَ الغرامُ، مفطّرُ الأكبادِ، من داءٍ عُضالِ
للنارِ ما للعاشقِينَ المتعبين من انفعالِ
والحبُّ محضُ حشاشةٍ ظمأى إلى محضِ ابتلالِ
– يا نارُ هل تتزوجين الماءَ؟
– ما خطرتْ ببالي
– يا بنتَ عمّ الماءِ يخطبُكِ ابنُ عمّكِ بالحلالِ