ثقافة وفن

حمام الثالثة فجراً

هذه الذكرى السنوية الرابعة على ترك زوجتي وحبيبتي لي؛ منذ أن انتشر بجسدي داء البرص الذي جعل مني غولاً -على حد زعمها-

هذه الذكرى السنوية الرابعة على ترك زوجتي وحبيبتي لي؛ منذ أن انتشر بجسدي داء البرص الذي جعل مني غولاً -على حد زعمها- خاصة حين أكون عارياً إلا من شغفي لها ولنظراتها الجميلة التي ساقتني لخطبتها ذلك اليوم حين التقيتها برفقة والدها في ممشى حديقة الحي الشعبي؛ لقاء غيّر مجرى حياتي ودفعني لممارسة الجنون الذي لم أكن أعرفه حينها، ففي كل حياتي السابقة لم أفكر يوماً أن أطارد رجلاً مسناً يقود سيارة عتيقة إلا ذلك اليوم، حيث كان تلفت ابنته المتكرر وأحياناً ضجرها من شدة الحر الذي كان يدفعها لرفع جزء من نقابها الأسود سبباً كافياً بالنسبة لي لأن أجازف بجفاف عمري الذي كنت أقضي عليه بترديد الأغاني في حمام الثالثة فجراً.

صحيح أن مشيها كان متزناً، لكنها لم تكن تعلم أن اتجاه الريح حينها لم يكن في صالح حشمتها؛ وصحيح أنها لم تبدِ من زينتها أي شيء للآخرين، وصحيح أيضاً أن سيرها في ذلك الممشى كان من الواضح أنه للترويح عن نفسها، حيث لم ألحظ أي سمنة طالت جسدها؛ لكن شيئاً لا يمت لكل ذلك بأي صلة حرضني على السير خلف والدها أثناء عودتها معه لأتثبت من مقر منزلهم الذي لم تكن له أي علامة غير حاوية النفايات التي كتب عليها بطلاء أزرق الاتحاد بطل الدوري.

وليقيني بأن فتاة جميلة كهذه لا تطيل البقاء في بيت أهلها كثيراً، كان لزاماً علي أن أستعجل في إقناع أمي للذهاب إلى خطبتها وبالفعل؛ فقد كانت كذبة أنها قريبة لأحد زملاء العمل كفيلة بإقناع أمي التي تعيش في برجها العاجي منذ رحيل والدي وزواجها مؤخراً بتاجر الخردوات الذي يسيطر على ذلك السوق بأكمله، ولا أعلم كيف هي الأخرى جلبت لنفسها ذلك العجوز، ولم أفكر يوماً في سؤالها عن ذلك، خاصة بعد أن أقنعتني يومها بأنني كبرت وأن عليّ البقاء بمفردي في منزل والدي الذي لم يترك لي غير سيارة عتيقة ومنزل متواضع والكثير الكثير من الصبر وفنون التعامل مع التحولات الحياتية الصامتة. تمت الخطبة وأمضيت بعدها ثلاثة أشهر قبل الزواج وأنا أعيش أجمل أيامي التي مضت بسرعة البرق وأنا ممسك بهاتفي الجوال أتحدث مع زوجة المستقبل التي ما أن أكملت معها عامي الأول حتى ذهبت لأهلها وطلبت مني الطلاق؛ لأنها كما أسلفت أضحت لا تطيق رؤيتي بعد أن انتشر في جسدي داء البرص الذي حوّل جسدي إلى لوحة تشبه في ملامحها خريطة العالم، خاصة أن بشرتي الداكنة ظهرت بشكل أبشع عندما اختلطت ببياض البرص الشنيع .

اليوم وفي الذكرى السنوية الرابعة على الفراق، لا زلت أتشبث بالكثير من ذكريات السنة اليتيمة التي قضيتها معها، أفسر جاهداً مصير كلمات الحب والشوق التي قالتها لي يومها وأبحث في وعودها التي كان من بينها وعدها الذي لا أنساه أبداً حين قالت لي بالحرف الواحد: لا تأكل هم هذا المرض حبيبي فمهما حاول أن يشوّهك ستظل جميلاً داخلي حيث روحك التي أحببت. ولا أدري فعلاً كيف ذاب كل ذلك بل ولا أدري لماذا ذاب ونحن لا زلنا في بداية الطريق حينها، كل ما أعلمه اليوم هو شيء ربما أدعي أنني أعلمه حيث لا أنسى قول أحد أساتذتي لي ذات يوم أن التحولات الصامتة في حياة كل منا تدفعها الأنانية في المقام الأول.

في كل الأحوال؛ انا أحتفل اليوم باللاشيء وأعدُ أيامي بلا قيود تكبلها وأظن في قرارة نفسي بأنني ملكت حريتي التي اكتشفت بأنها هي جوهر التحول الإنساني الصامت الذي لا نعلم عنه ولا عن ركضه بنا نحو معركة مكافحة اللاحياة بالحياة وفي المقابل فأنا حزين على عقوبة السجن المؤبد التي تعرضت لها حبيبتي بعد أن أضحت إحدى مشهورات منصات التواصل الاجتماعي!

Trending

Exit mobile version