ثقافة وفن

جوائز تتطلع للبراءة من التسييس والأدلجة والرشاوى

يُجمع النقاد والمثقفون على أهمية الجوائز الثقافية والإبداعية، كونها تعزز معنويات الكاتب، وترفد حضوره، وترفع

يُجمع النقاد والمثقفون على أهمية الجوائز الثقافية والإبداعية، كونها تعزز معنويات الكاتب، وترفد حضوره، وترفع أسهمه، وتحقق الحد الأدنى من حياة مادية كريمة، وتلفت نظر دور النشر والمترجمين لكتابه، إلا أن اتهام الجوائز بالتسييس وأدلجتها وانحيازها للبعض لحسابات خاصة قائمة، ويتجدد توجيهها إثر إعلان أسماء الفائزين بجائزة عربية أو عالمية، بما في ذلك جائزة نوبل التي لم تنجُ من إطلاق التهم خصوصاً من عالمنا العربي، وربما أسهمت محدودية أعداد الفائزين بها عربياً في تنقص البعض من الجائزة ومن القائمين عليها والواقفين خلفها.

ويؤكد الأمين العام لجائزة عيسى لخدمة الإنسانية الشاعر البحريني علي خليفة، أن الجوائز ليست بدعة، موضحاً أن في فرنسا لوحدها أكثر من ألف جائزة ترعاها الدولة ومؤسسات أخرى، وعدّها دولة عريقة في منح الجوائز وتطوير الأدوات خصوصاً أساليب التحكيم التي ترفع من قيمتها، وأكد أهمية تطوير الجوائز وخلق أدوات تحكيمية راقية، تبعد عنها أي أنواع القصور أو النقد أو الاتهامات، كونها أداة رفعة للوطن نفسه، كما ترفع من قيمة الإبداع وتجذب قراء جدداً باستمرار.

فيما يرى رئيس لجنة تحكيم جائزة «البوكر العربية» الشاعر شوقي بزيع أن سؤال الجوائز مزمن، ويتزامن تكرار طرحه، بمواسم نيل الجوائز، وأوضح أن الجوائز بحسب مانحيها لها مساران؛ أحدهما الجوائز الممنوحة من الدول والحكومات، والثاني جوائز يمنحها أشخاص، وعدّ معايير جوائز الحكومات والدول غير إبداعية غالباً، وإن تخللها بعض الإبداع، إلا أنها عُرضة للتأثر والتأثير الأيديولوجي، فترجّح كفة المتقاطع مع خط المانح، مستعيداً عام 1988، وطلب رؤساء تحرير صحف عربية تجهيز ملفات صحفية عن (أدونيس) باعتباره الأقرب للفوز بنوبل، فذهبت الجائزة للروائي نجيب محفوظ، وكشف بزيع تدخل بعض الجهات المانحة لحجب الجائزة برغم رفع لجنة التحكيم اسم الفائز بها، وتحفظ بزيع على تعميم فكرة استمزاج الحكومات لميول الفائزين وتغليب استنسابية ذات طابع سياسي أو أيديولوجي. وأضاف: بالطبع تربأ بعض الجوائز عن إقحام رأي أو مشاعر ذاتية في معيار التحكيم الموضوعي، مشيراً إلى أن مانحي الجوائز غير الحكومية يكرمون أنفسهم أو آبائهم أو أمهاتهم بمنح جائزة باسمهم، وعدهم من متذوقي الإبداع ومثمني الفنون، ويرى معاييرها أكثر موضوعية، وإن لم تخلُ من مراعاة الدولة التي تحتضنها، ويذهب إلى أن جوائز الأشخاص ليست مثالية المنح، فأحياناً يختار المانح من يتبع أسلوبه في الكتابة، أو من يمدحه ويثني عليه في كتابة نقدية أو كتاب، أو يؤمل التفاته إلى مؤلفاته ما يحيل بعضها إلى (رشاوى) كما قال. وأضاف بزيع: أن بعض المحكمين يتبنون (الشللية) في التحكيم، فلا يمنحون الجائزة لشاعر إن كانوا شعراء لفرط الغيرة والحساسية الشخصية، وعدّ بزيع الجوائز ظاهرة إيجابية ونوعاً من شد الأزر للكاتب وإشعاره بأنه ليس منسياً وإن عطاءه مثمناً، ويستحق التكريم، لافتاً إلى أن عدم منح الجوائز لبعض الأسماء لا يعني أن الفائزين أفضل منهم.

ويذهب الناقد العراقي أسعد الجبوري إلى أنه لا يختلف اثنان على أن الجوائز في عالم الفنون والآداب قصدية ولها أهداف مرسومة بدقة متناهية،إذ عادةً ما تأخذ بعين الاعتبار ضرورة أن تكون تغطية لسمعة نظام ديكتاتوري أو عنصري أو إنها تشرعن لهذه المؤسسة أو تلك بالتسلل إلى الجماعات الأدبية بهدف فرض أيديولوجيا أو سياسة بعينها، خصوصاً إذا ما كانت مرتبطة باسم شخصية من المشاهير كجائزة نوبل.

وأوضح أن تجربته الشخصية مع الجوائز سيئة ومبهمة.إذ تم ترشيحه عام 2013 لجائزة نوبل للآداب وانتهى بالصمت المطبق دون تلقي ردّ واضح. ودُعي للاشتراك في جائز بوكر للرواية العربية، وسرعان ما انتهت بأمر غامض، كون مسؤولة في إدارة الجائزة أقدمت على إخفاء النسخ المقررة من روايته، ولم توزعها على أعضاء لجنة القراءة. وأما الأخيرة، فكانت التجربة تتعلق بالسرقة العلنية، إذ تم استبعاد روايته الفائزة بالمرتبة الأولى ومنحها لأحد أصدقاء رئيس لجنة تلك الجائزة!

ويرى الجبوري أن الجوائز أقنعة لخرق التكتلات الأدبية والسيطرة على اتجاهات الكتابة وتسييسها بالاتجاه المطلوب. وعد بعض الجوائز أمراضاً لزرع خلايا العقل من أجل تبرير أفكار دينية أو فلسفات وجودية أو سلوكيات جنسية كالمثلية أو العدمية أو الفاشية، وتخديراً لتمرير سياسات ومزادات لشراء الذمم وتضخيم أدوار أو نفخ، وتكريس لمدارس واقعية أو بنيوية أو سلفية أو سريالية أو رومانسية أو رمزية، وتصعيداً لأسماء وشخصيات بعينها، بعيداً عن أهمية نتاجات التأليف وبراعة الخلق الإبداعي في الكتابة أو في الرسم أو في السينما والمسرح والدراما.

وأكد الجبوري أن الجوائز خلقت مؤلفات ونتاجات خاصة بها، فظهرت أعمال روائية أو شعرية أو سينمائية مكتوبة خصيصاً لخزائن مال تلك الجوائز. فبدأ عصر الكتابة للجوائز بظهور الكتابة على مقاساتها، والتأليف على أنماط تفكير القائمين عليها، لتغدو كارثة الكتابة بعينها. وتحفظ الجبوري على الانتشار المريع للجوائز الورقية إثر المالية، ومنها الشهادات التي توزعها مواقع أنترنيتية أو صفحات فيسبوكية للنفخ بالطبول، لافتاً إلى أن الأعمال الأدبية الخالدة كُتبت في يوم لم تكنْ ثمة جوائز.

فيما أوضحت الناقدة الدكتورة شيرين العدوى أنها كانت تستشعر في وقت مضى أن الجوائز مسيّسة. إلا أن انطباعها في الوقت الحالي تغير بحكم ما تتمتع به الجوائز من لجان تحكيم تتمتع بالشفافية والنزاهة.

Trending

Exit mobile version