ربما تأتي الجوائزُ في وقتها، وأحيانا تجيء قبل وقتها، وكثيراً ما تأتي إثر فوات أوانها، وإن رفد عميق جوهرها، بريق ظاهرها، وليست كل جائزة في عين بعض المُصطفين للفوز بها أولوية، أو هاجس يترقّب متى تطرق كفوف النوال بابه، فالمشاعر الذاتية لا مكان لها في المشاريع الكبرى.
إلا أن جائزة بمكانة جائزة الأمير الشاعر عبدالله الفيصل، التي أعلن مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة رئيس مجلس أمناء أكاديمية الشعر العربي الأمير خالد الفيصل، فوز الشاعر الموسوعي محمد العلي بجائزة التجربة الشعرية للموسم الرابع، تؤكد عناية دولتنا، وقيادات الفكر والإبداع بالمشاريع الثقافية الجادة، وتولي عناية خاصة بالرموز الوطنية المتفانية في إنجاز إبداعها طيلة عقود اعتورتها إشكالات، وتقاسمت التحديات مع الرموز مشوارهم، في مسارات شرسة.
انتصرت الجائزة، للتجربة الحداثية، في المملكة، ولريادة ولموسوعية «أبو عادل» الذي اعتنى بالقصيدة، وبالفكر الفلسفي الخلاق، وأسهم في تجذير الوعي، وبث التنوير في كل فضاء متاح، دون مواربة، أو ليونة مع ظروف كل مرحلة، فصاحب «لا ماء في الماء» راهن على حرفه النقيّ، وجُملته الرشيقة، ومفردته الناصعة، ودلالات كلماته، المنفتحة على التأويل.
احتفى مثقفون بهذا الفوز المستحق، والالتفاتة الكريمة، لريادة محمد العلي، المنصرف بفطرته عن التكريمات والمناسبات، كونه يرى أن العمل يستلزم الاستمرار، والاستمرار يعني احترام القارئ، واحترام القراء يفرض على الكاتب جدية الطرح، وجودته، واتقان العمل، كون ما يبقى أهم بكثير مما يُنال، ويظل أكبر رموز الحداثة السعودية والخليجية والإنسانية، مولعاً بالمعاني وإن أجاد المباني إلا أنها ليست كل شيء، يقولُ العلي «تأكد لي؛ أن البحث عن المعنى أول اشتياقات الإنسان الروحية، فالوصول إلى معنى الوجود الإنساني، وإلى معارفه، وتصوراته، وقيمه، ومواقفه، وحاجاته الروحية، والبدنية، هو هدف الإنسان الأول.. لأنه بهذا الوصول إلى بلورة معنى الأشياء يصل إلى الاطمئنان الروحي، ويتخلص من الطرح المجهول والتخبط في التفسير».