أرجع باحثون أكاديميون في تاريخ المملكة العربية السعودية الإنساني والثقافي والاجتماعي، أسباب قلّة البحوث الأكاديمية الجادة والرصينة إلى ندرة الوثائق التاريخية، واحتكارها من قبل أسر معينة في مناطق مختلفة، إلاّ أنّ هذا الاحتكار ليس السبب الوحيد كما يرى الباحث والأكاديمي في جامعة الملك خالد علي عوض آل قطب، فهو جزء من ضمن أجزاء أخرى تعيق الكتابة التاريخية الجادة، والمختلفة، ففضلاً عن ضآلة أعداد الباحثين المتميزين، وكون أكثر الباحثين ذوي نمطٍ بحثي تقليدي فإن قلة المصادر التاريخية أو عدم تنوعها يأتي كعامل مضاف أسهم هو وما سبقه من العوامل في هشاشة العديد من الدراسات التاريخية؛ سواءً من حيث موضوعاتها، أو من حيث أصولها المنهجية، ومحتوياتها المعرفية. وأضاف آل قطب، هناك بالفعل نقص في الوثائق التاريخية رغم وجود العديد من المراكز والمكتبات في وطننا، التي أسهمت بشكل كبير في حفظ تاريخنا الوطني، ومد الباحثين والمؤرخين بمصادر دراساتهم على أنواعها المختلفة، سواءً كانت هذه المصادر وثائق أو مخطوطات أو غيرها، ولعل من أهم هذه المراكز دارة الملك عبدالعزيز، ومركز الملك فيصل للبحوث، ومكتبة جامعة الملك سعود، ومكتبة الجامعة الإسلامية، وغيرها من المراكز والمكتبات في وطننا، وإذا كانت هذه المراكز والمكتبات أعانت الباحثين في دراساتهم، وفي توفير ما يحتاجونه من مصادر، فإن هذا لا يعني بطبيعة الحال أن كل الوثائق متوفرة، فثمة وثائق ومخطوطات لم ترَ النور لكونها ما زالت مودعة في مكتبات خاصة أو لدى بعض الأهالي لا ينال حظه منها سوى الأرضة وعوادي الدهر!
وأوضح آل قطب أنّ بعض الأسر تضنّ بما لديها من مخطوطات ووثائق إما لأنها تنظر إليها بوصفها ميراثاً عائلياً، لا ينبغي التصرف فيه، أو ربما لأنها متوجسة من أن تكون هذه المخطوطات أو الوثائق تقدم معلومات من شأنها أن تسبب إشكالات اجتماعية أو فكرية أو دينية معينة، وهذه النظرة -بلا شك- غير دقيقة، ولا ينبغي أن تكون موجودة.
وأكد آل قطب أن هناك ما هو أشنع من ذلك، يتمثل في أن ثمة بعض المؤرخين الكبار يضنّون أيضاً بما لديهم، ربما لأنهم يرون أن هذه المخطوطات أو الوثائق لم يحصلوا عليها إلا بمشقة كبيرة، وهذا ما يجعلهم يتلكأون في بذلها بسهولة لزوّارهم من الباحثين والمؤرخين، والتمس آل قطب العذر لهذا الصنف من المؤرخين إن كان هذا المؤرخ أو ذاك ممن يملك هذه الوثائق يعلم علم اليقين أنّ ذخائر مكتبته ونفائسها قد تذهب إلى باحث مغمور لا يحفل كثيراً بهذه الذخائر أو النفائس، وإنما يتعامل معها على أنها قنطرة عبور للوصول إلى شهادته التي يتطلع إلى تحقيقها بغض النظر عن قيمة ما حازه من علمٍ ومعرفة، لأنّ بذل العلم عند من لا يحفل به هو في صميمه إهانة بالغة للعلم نفسه!
فيما رأى الأكاديمي والباحث في جامعة جازان علي الصميلي أنّ الوثائق المحلية تمثل المادة الرئيسة للتاريخ المحلي على وجه الخصوص، ولا شك أنّ هذه الوثائق موزعة ما بين المراكز العلمية وبعض الأسر والبيوت المحلية المستنيرة التي أدركت منذ فترة مبكرة أهمية هذه الوثائق، وقد قامت كثير من الأسر العلمية والمؤرخين وبعض المستنيرين بجمع كثير منها عندما كان أصحابها يدركون أهميتها ومنهم الشيخ محمد بن أحمد العقيلي المؤرخ الفذ ومؤرخ جازان الأول، والشيخ هاشم النعمي وعلامة الجزيرة العربية الشيخ حمد الجاسر وغيرهم. وأضاف: قام هؤلاء المؤرخون الفضلاء بإنجاز الكثير من المؤلفات التاريخية عن التاريخ المحلي مستعينين بهذه الوثائق والروايات الشفهية، إلا أنه بعد وفاتهم اختفت هذه الوثائق. واستشهد الصميلي بمعاناته في بحثه عن تاريخ إمارة الأدارسة في جازان وذهابه لكثير من الأسر العلمية التي كان يظن أنّ لديهم بعض هذه الوثائق إلا أن الإجابة المجمع عليها عند كثير منهم أن الوثائق سُلّمت للعقيلي وهو من أوقف مكتبته لجامعة الملك سعود ومع البحث في المكتبة وجدت الكتب ولكنني لم أجد الوثائق في المكتبة ولا لدى ورثته.
الصميلي أكد أنّ هذا يؤدي لفقدان مصادر مهمة في التاريخ سواء في منطقة جازان أو في غيرها من مناطق المملكة الأخرى.
وطالب الصميلي المراكز العلمية، وعلى رأسها دارة الملك عبدالعزيز، بالبحث عن هذه الوثائق ولو بالشراء ووضعها في مكانها الذي يخدم الباحثين؛ لأن ضياع هذه الوثائق يفقدنا الكثير من تاريخنا المحلي.