ثقافة وفن

النخوة تودّع الشاعر محمد الدحيمي بـ«تكفى»

بيت «تكفى» سيخلّد صاحبه لعقود متتالية نظراً لكونه من السهل الممتنع.أسهم الوجع في بناء قصيدة الدحيمي، وكان لسان

بيت «تكفى» سيخلّد صاحبه لعقود متتالية نظراً لكونه من السهل الممتنع.

أسهم الوجع في بناء قصيدة الدحيمي، وكان لسان حال ومقال البسطاء من الناس لم يكن بعيداً من معاناة الراحل أمل دنقل؛ خصوصا في مجموعته (مقتل القمر) تلبسته حالة الكوميديا السوداء لتتقاطع مع توجسه واستشعاره الأليم بالانهيار. رحل شاعر النخوة والانتخاء؛ الشاعر محمد الدحيمي إثر معاناة طويلة مع المرض، وبما أنه شاعر قيم ومبادئ، تلبسته قبل الرحيل حالة قلق على الأخلاق انعكست على مفرداته المعتقة في نهر الوجع؛ ودفعه صدقه النفسي والفني للتنديد بكل ظواهر ومظاهر الزيف، وقاوم ظروفه القاهرة التي اضطرته للشكوى ومناشدة كل صاحب فزعة؛ بقوله (تكفى ترا تكفى تهز الرجاجيل؛ ولولا ظروف الوقت ما قلت تكفى) ولعل هذا البيت سيخلّد صاحبه لعقود متتالية نظراً لكونه من السهل الممتنع.

أسهم الوجع في بناء قصيدة الدحيمي، وكان لسان حال ومقال البسطاء من الناس والمعذبين في الأرض؛ وعُرِف بحساسيته الفنيّة ما ترك أثراً في بناء نصه الشعري لغوياً وأسلوبياً وجمالياً، وتقاطع مع نزار قباني في تذليل القصيدة وتبسيطها بتبنيها العادي واليومي بلغة بيضاء ولعل أقرب النصوص التي لوّح بها مودعاً؛ ناديتهم وانا على سدة الباب 
وابطيت اناديهم ولا جاوبوني. رحل شاعر تراجيديا العذاب، متحسساً من استفحال القبح واتساع ميادين الادعاء؛ ولم يكن بعيداً من معاناة الراحل أمل دنقل؛ خصوصا في مجموعته (مقتل القمر). ومن دلائل نبوغه أنسنة الجراح، إذ قال: أهلّي بالجروح اللي غدا صدري لها مدهال؛ واقلّطها بروحٍ من رداة الحظ مقهورة.

ويعد الدحيمي من جيل حداثة النصّ الشعري الشعبي، وتجلت تجديديته في اللغة مروراً بالبناء الفني والرمزية؛ وليس انتهاءً بالذائقة المعززة حضوره الجماهيري، الموطد صلته بالشعبي المُفصّح في لقطات موزاييكية، ومنمنمات تقترب في التقاطاتها من المشاهد السينمائية.

طغت على مفردته نبرة الحزن الدفين؛ والحفاوة بالكادحين، والقلق من الآتي وحضرت شعرية الخوف ذات الأبعاد النفسية؛ بحكم ما يعانيه في الواقع المعيش، وتلبسته حالة الكوميديا السوداء لتتقاطع مع توجسه واستشعاره الأليم بالانهيار، دون امتلاك قدرة موضوعية ليحدث ردة الفعل التي تنفس عنه.

ارتبط شعر الدحيمي بالعذابات المتجددة؛ حد فقدان الأمل؛ واليأس من تبسم الأيام؛ وعد نفسه بستانا كثير الأشجار إلا أن ثماره لا تطيب؛ (والله يجيرك شفت رزقي مثل بستان ٍ كبير؛ في مغرسه طيّب.. ولا ادري ليه.. ماطاب الجَني). ولم يكن فقيد النخوة بعيداً عن متاعب شعراء سبقوه عبر عصور الشعر؛ ومن شواهد ملهاته ومأساته قوله؛ (لا غدا ربحي خساره.. ليه ادوّر راسمال؛ دام من سبع السنابل ماحصل لي سنبله).

Trending

Exit mobile version