كعادة الكبار حين يرحلون، يتركون الكثير مما هو قابل للتداول والمناقلة بين الأعين، والأذهان، ولم تكن بالمثيرة استعادة المغردين، شواهد شعريّة، للثائر بسيف الكتابة، والمعبّر بعشق عن صنعاء ومن يعشقها، و منذ عام تقريباً رثى الشاعر الكبير الأديب الدكتور عبدالعزيز المقالح، نفسه، بقصيدة (أعلنتُ يأسي) عبّر فيها عن كل ما يعتمل في روحه ومشاعره، وصاغ غنائيةً تمور بأسئلةٍ وجودية، وهذه هي آخر قصيدة لفقيد العرب من الماء إلى الماء؛
أنا هالكٌ حتماً
فما الداعي إلى تأجيل موتي
جسدي يشيخُ
ومثله لغتي وصوتي
ذهبَ الذين أحبهم
وفقدتُ أسئلتي ووقتي
أنا سائرٌ وسط القبورِ
أفرُّ من صمتي
لصمتي
أبكي
فتضحكُ من بكائي
دورُ العبادةِ والملاهي
وأمّدُ كفي للسماء
تقولُ: رفقاً يا إلهي
الخلقُ – كل الخلق –
من بشرٍ، ومن طيـرٍ
ومن شجرٍ
تكاثر حزنْهم
واليأسُ يأخذهم – صباحَ مساءَ –
من آهٍـ..لآهـ
حاولتُ ألاَّ أرتدي
يأسي
وأبدو مطمئناً
بين أعدائي وصحبي
لكنني لما رحلتُ
إلى دواخلهم
عرفتُ بأنهم مثلي
وأن اليأس ينهشُ
كل قلبِ.
أعلنتُ يأسي للجميع
وقلتُ إني لن اخبـي
هذا زمانٌ للتعاسة
والكآبة
لم يترك الشيطانُ فيهِ
مساحةً للضوء
أو وقتاً لتذكار المحبةِ
والصبابة
أيامهُ مغبرّةُ
وسماؤُه مغبرّةُ
ورياحه السوداء
تعصف بالرؤوس العاليات
وتزدري التاريخ
تهزأُ بالكتابة
أنا ليس لي وطنٌ
أفاخر باسمهِ
وأقول حين أراه:
فليحيا الوطن
وطني هو الكلماتُ
والذكرى
وبعضٌ من مرارات الشجنْ
باعوه للمستثمرين وللصوص
وللحروبِ
ومشت على أشلائهِ
زمرُ المناصب والمذاهب
والفتن
صنعاء…
يابيتاً قديماً
ساكناً في الروح
يا تاريخنا المجروح
والمرسوم في وجه النوافذ
والحجارة
أخشى عليك من القريب
ودونما سببٍ
أخاف عليك منكِ
ومن صراعات الإمارة