Connect with us

ثقافة وفن

المشهد الثقافي.. آمال المثقفين.. ومتغيرات المرحلة

كانت والدتي تقول لي: (أنت شيبة مع الشيبان وجاهل مع الجُهّال)، تقصد بذلك أنني أندمج سريعاً ودون عوائق مع كبار السن

كانت والدتي تقول لي: (أنت شيبة مع الشيبان وجاهل مع الجُهّال)، تقصد بذلك أنني أندمج سريعاً ودون عوائق مع كبار السن والأطفال على السواء. ربما جيلي من مواليد الثمانينات يمتلكون غالباً هذه القدرة على التواؤم بسهولة مع مختلف الأجيال، أو على الأقل يُدركون تلك الفروقات ويستطيعون التعامل معها بسبب الفترة التي عاشوا فيها؛ فالثمانينات شكّلت مرحلة عجيبة في حشد الثنائيات، كانت مرحلة تتسم بالصراع بين تلك الثنائيات: القديم والجديد، المحافظة والحداثة، ما قبل الطفرة وما بعدها، بيوت الحجر أو الطين والبيوت المسلّحة الحديثة ذات الأسمنت والحديد. الكثير جداً من تلك الثنائيات التي طبعت تلك المرحلة بطابع المخاض الزمني الذي أفرز ما بعده.

حسناً.. بعيداً عن كل هذا.. يعتمل اليوم هاجسٌ جاد لدى كثير من المثقفين عن واقع الثقافة ومآلاتها، يطرحون بعض مخاوفهم مثل: تحول الثقافة إلى سلعة استهلاكية هي الأخرى يتحكم فيها رأس المال؛ ليوجهها كيفما اتفق. في البداية لابد من إدراك أن أي منعطف زمني، كالذي نعيشه حالياً، لابد أن يحمل معه التغيير العميق في بنية كل شيء، والثقافة ليست استثناءً من هذا، إلا أن هناك ما ستخسره الثقافة فعلياً، وهناك ما ستكسبه، كأي مجال آخر. التغيير في جغرافيا الفعل الثقافي سيكون سلباً وإيجاباً على السواء.

لا شك أن المعنى الثقافي قد اتسع كثيراً عمّا كان في الماضي حين لم تكن الثقافة سوى (المنبر) و(المطبوعة) فقط. الثقافة كانت محصورة في الأندية الأدبية والصفحات القليلة في المطبوعات، وربما بعض الصوالين الثقافية الموزعة هنا وهناك، ولاحقاً منتديات الإنترنت كصدى لتلك النوافذ، وبالتالي.. فهناك جيل، وربما أجيال من المثقفين كانوا نتاج هذا الخط المؤطر المحدود، وقد تشكّلوا إدراكياً على ما يمكن أن نسمّيه (الثقافة الصلبة)، وهي التي تحمل العمق المعرفي والإدراكي وتتجه بشكل جاد لإحداث تغيير نهضوي وفكري وثقافي أعمق في بنية العقل الاجتماعي. صحيح لم يكن هناك أي مشروع فعلي وجاهز، ولكن كان هناك الكثير من الآمال المطروحة علناً من تلك النخبة، التي تسببت لاحقاً في أشكال من الصراعات الفكرية والأيديولوجية ربما امتدت لأعماق المجتمع، واتخذت أشكالاً عديدة ليس مجال الحديث عنها الآن، ولكن ذاكرتنا لا تزال تحمل حكاياتها.

اليوم أصبح المعنى الثقافي أكثر امتداداً، حيث شمل تحديد وتأطير روح الهوية، فأصبحت هناك العديد من الأشياء التي كانت مهملة فيما مضى باتت تدخل عملياً ضمن تعريف الفعل الثقافي ومجالاته، مثل: الأزياء، والطهي، والعمارة، والرقص الشعبي…إلخ. هذا التوسع المفاجئ للمشهد الثقافي السعودي استلزم معه أن تدخل العديد من المفاهيم الجديدة، ومنها الاستثمار في الثقافة، ومن طبيعة أي استثمار أنه يتجه إلى السهل والجذاب والأكثر انتشاراً، وكنتيجة طبيعية حصل التشظي المفاجئ للبنية الثقافية التقليدية، فأصبح هناك الـ(Soft culture) أي الثقافة الخفيفة الناعمة والسريعة، وبالتالي سهولة الانتشار والامتداد؛ أي أنها تجاوزت رسمية المنبر والمطبوعة لتصبح فعاليات مجتمعية تأخذ شكلها الجذاب والمرِح الذي يعمل على ذات الرسالة نفسها (روح الهوية)، إلا أنه يتوجه إلى شرائح أوسع تتجاوز أيضاً شريحة المثقفين الذين كانوا يشكلون فيما مضى ما يسمى بـ(الانتلجنسيا) أي الطبقة المثقفة في المجتمع.

الخلاصة في فهم ما يجري في أعماق المشهد الثقافي في المملكة أن علينا استيعاب منطق التغيير دون توجس أو قلق. الذي حصل فعلياً -في أعماقه- هو أن الثقافة تحولت من الشكل الرعوي إلى أشكال الإنتاج المختلفة؛ بمعنى أن الدولة وبالدعم في أشكال ونماذج كثيرة؛ ومنها الصندوق الثقافي، والدعم السخي لمقاهي (الشريك الأدبي) وكذلك الجوائز الثقافية، رأت أن تهيئ الساحة لقابليات الاستثمار في القطاع الثقافي، وهذا في تصوري على المدى البعيد أكثر نفعاً بكثير من الشكل الرعوي الذي كان يرعى الثقافة باعتبارها شأناً تنموياً داخلياً. إن الفرق شاسع جداً بين مجال يتم (تشغيله) باستمرار، وبين مجال يشكّل نفسه بنفسه وينمو ذاتياً وتحكمه قواعد المنافسة كأي سوق.

القلق والتوجس الذي يبديه بعض المثقفين من تحول البنية الثقافية السعودية من (صلبة) إلى (ناعمة) له مبرراته المنطقية التي تُفهم في سياق الرغبة والأمل في إحداث نهضة عقلية ومعرفية وثقافية عامة في البلاد، إلا أن تلك النهضة لا يمكن أن تتشكل فجأة بمجرد قيام الفعل الثقافي بدوره، وإنما تتشكل عبر عملية تراكمية طويلة الأمد، وباشتراك عوامل كثيرة جداً، وليست الثقافة سوى جزء بسيط فيها مهما كانت منتشرة ومدعومة؛ وبالتالي.. فإن ما يجري من تحول في شكل الفعل الثقافي من ذلك الشكل المكثف الدسم الذي يتوجه بشكل مباشر لأفكار المجتمع.. إلى شكل حديث خفيف وأكثر نعومة وقابلية للتسويق.. له ما بعده من تراكم وزيادة في الاتساع وفي الأثر غير المباشر لتوسيع رسالية الثقافة، والتي تعني (روح الهوية). أي أن آمال المثقفين المؤمنين بفكرة (الثقافة الصلبة) ستتحقق ولكن على مدى زمني أطول بكثير كنتيجة منطقية لتراكم التطور الإدراكي الذي ينمو حالياً بالاشتراك مع حزمة عوامل مؤثرة عديدة في الذهنية المجتمعية. هذا البناء من أسفل قاعدة المجتمع هو الأكثر جدوى وأثراً، ولكن في نفس الوقت ينبغي الحفاظ على مكتسبات الفعل الثقافي الذي تراكم خلال عقود مضت؛ بحيث تسير سننية المرحلة الزمنية الراهنة في طريقها، وتتوسع أكثر، ولكن مع الاستمرار في صيانة الإرث والمكتسب الثقافي الذي وصل إليه مشهد الثقافة في المملكة. وبالتالي على وزارة الثقافة أن تتجنب الوقوع في عملية بتر الثقافة عن امتدادها التراكمي (الصلب) بل عليها الاستفادة من تلك القاعدة وذلك الامتداد بأشكال وبرامج ومبادرات عديدة. وأخيراً.. في تصوري فإن المزاوجة في العمل الثقافي بين الشكلين القديم والجديد، في اتجاهات متعددة، هي عملية ليست صعبة، لكن ربما تحتاج لرسم استراتيجيات أكثر عملية لصياغة تضاريس المشهد الثقافي من جديد، وبطريقة توفيقية بين السياقين معاً، ودون الحاجة لأن يصبح المثقف مضطراً لأنْ يحمل مشاعر التوجس والقلق من ملامح مرحلة ثقافية لم يعهد أدواتها من قبل، فيتوارى وينزوي، وبالتالي تُهدر الطاقات المعرفية والفكرية تحت وطأة الإهمال والتهميش، وتتخلى عن دورها المفترض في أي مجتمع، فتُحرم البلاد من المساهمة الفكرية والثقافية الجادة في التنمية وتشكيل المستقبل.

Continue Reading

ثقافة وفن

«سينماء».. مرجعية حيّة للذاكرة السعودية

في مشهدٍ سينمائي آخذٍ في التشكّل بثقة وعمق، فاجأتنا هيئة الأفلام ممثلة في الأرشيف الوطني للأفلام بإطلاق مبادرة#سينماء،

في مشهدٍ سينمائي آخذٍ في التشكّل بثقة وعمق، فاجأتنا هيئة الأفلام ممثلة في الأرشيف الوطني للأفلام بإطلاق مبادرة#سينماء، بوصفها مشروعًا نوعيًا يُعيد تعريف العلاقة بين السينما والذاكرة، بين الصورة والوعي، وبين النقد والإنتاج الفني في المملكة، وذلك على هامش الدورة الحادية عشرة لمهرجان أفلام السعودية.

«سينماء»، لن تكون مبادرة أرشيفية فحسب، بل رؤية متكاملة تسعى إلى ترسيخ المحتوى المعرفي السينمائي والثقافي من خلال أدوات دقيقة وشاملة؛ إذ تتضمن منصة إلكترونية غنية توثّق المنجزات، وتجمع الحوارات، وتعرض تجارب السينمائيين، كما تشمل مكتبة من ثلاثين كتابًا، من بينها كتاب الزميلة سهى الوعل (كلمتين ونص سينما)، الذي في رأيي يتوج خلاصة مواكبة إعلامية متواترة للإنتاج السينمائي، ويوثق جزءًا من مسيرة النقد السينمائي في المملكة.

أبرز ما يميز المبادرة هو بناء مرجعية حيّة للذاكرة السينمائية السعودية، تُتيح لصُنّاع الأفلام، والنقاد، والباحثين، ومحبي السينما، مساحةً للتأمل، وإعادة القراءة، والمشاركة.

«سينماء» ليست تكديسًا لمواد أرشيفية، بل محاولة واعية لتوليد المعنى، ولتدوين المرحلة، وتحفيز الخطاب النقدي؛ ليواكب تسارع الإنتاج السينمائي المحلي، ومساحة مفتوحة للرؤى والأسئلة والتجريب… خطوة نحو تكريس الثقافة السينمائية ليس بوصفها ترفًا بصريًّا، بل مجالٌ للمعرفة والتحوّل المجتمعي.

إنها بدايةٌ واعدةٌ؛ لأن من يُدرك قيمة الصورة يُدرك كيف يحفظ ذاكرته، وكيف يُعيد تشكيلها في المستقبل.

أخبار ذات صلة

Continue Reading

ثقافة وفن

الجينات تكشف سر استمتاع البعض بالموسيقى

أكدت دراسة علمية فنلندية، أن التفاعل العاطفي العميق مع الموسيقى ليس مجرد تفضيل شخصي، بل يرتبط بجينات محددة تميز

أكدت دراسة علمية فنلندية، أن التفاعل العاطفي العميق مع الموسيقى ليس مجرد تفضيل شخصي، بل يرتبط بجينات محددة تميز بعض الأفراد عن غيرهم. وأوضحت الدراسة، أن من يمتلكون هذه الجينات يظهرون تجاوباً عصبياً أكبر عند سماع الألحان، ما يفسّر سبب استمتاعهم العالي بالموسيقى. كما بين الباحثون، أن هذه الجينات تلعب دوراً في تحفيز مناطق معينة من الدماغ مسؤولة عن العاطفة والذاكرة والتواصل. هذا الاكتشاف يمنح بعداً بيولوجياً جديداً لفهم علاقة الإنسان بالموسيقى، ويكشف أن ذوقنا الفني قد يكون محفوراً في حمضنا النووي منذ الولادة.

أخبار ذات صلة

Continue Reading

ثقافة وفن

ريهام عبدالغفور: التنمّر يزعج أولادي «بِيتأذوا»

أبدت الفنانة المصرية ريهام عبدالغفور، استياءها من موجة التنمّر التي طالتها بعد ظهورها في مقطع فيديو على «تيك توك»

أبدت الفنانة المصرية ريهام عبدالغفور، استياءها من موجة التنمّر التي طالتها بعد ظهورها في مقطع فيديو على «تيك توك» إلى جانب طفلة شاركتها التمثيل في مسلسل «ظلم المصطبة»؛ إذ وجّه بعض المعلقين انتقادات ساخرة حول مظهرها وسنّها، ما دفعها للرد قائلة: «مشاعري مش مهمة قد مشاعر أولادي». وأضافت، أن تأثير هذه الكلمات يطال أسرتها، ويؤذي أبناءها نفسياً، مطالبة بقدر من الاحترام في النقاشات العامة. وأكدت ريهام، أنها لا تمانع النقد الفني، لكنها ترفض التنمر القائم على الشكل والعمر. موقفها أثار تعاطف جمهور واسع، وفتح باب النقاش مجدداً حول التعليقات المسيئة على منصات التواصل الاجتماعي.

أخبار ذات صلة

Continue Reading

Trending

جميع الحقوق محفوظة لدى أخبار السعودية © 2022 .