عدّ النقاد الإهداء إحدى عتبات النص، ويتنوّع استقراء دلالة إهداء الكُتب، فالبعض يراه اختيارا لشخصيات قارئة ومسوّقة جيدة للمؤلفات. والبعض يذهب إلى أنه اعتناء من المؤلف بالقُراء للتحفيز والتشجيع، كما أن هناك من يصفه باستجداء مزيد قُراء، أو مصدر فخر للمُهدى إليه وتزكية للقارئ باعتباره صديق المؤلفين والكُتاب، وتزامناً مع انطلاقة معرض القاهرة للكتاب نفتح ملف قضية الإهداءات، ونستعرض بعضها؛ فالكاتب السفير تركي الدخيل أهدى كتابه (مذكرات سمين سابق) إلى الميزان الذي لطالما صعد عليه ليرصد حجم كتلة جسمه، وكتب الشاعر العراقي أدهم عادل إهداءً؛ إلى لا أحد، وأهدت الروائية المصرية ميرال الطحاوي روايتها «الخباء: إلى جسدها.. وتد خيمةٍ مصلوبةٍ في العراء».
وهنا استطلاع لعدد من الإهداءات وصور من التوقيعات الدّالة؛ ويؤكد الناقد أحمد بوقري أن الكتب المهداة له من الأصدقاء كثيرة وجلّها تقريباً من الإبداعات الشعرية والقصصية المحلية منذ الثمانينات من القرن الماضي، إذ كان المشهد الإبداعي أكثر تماسكاً وحميمية، وكان الأصدقاء يقرأون لبعضهم ويسألون عن الإصدارات ويسعون للحصول عليها إن لم تهد لهم.. وكشف بوقري عن تغيّر المشهد الأدبي الآن وتشظّيه إلى جزرٍ معزولة.
واستعاد أواخر الثمانينات وتزامن إصدار الشاعر الكبير علي الدميني -أقاله الله من عثرته المرضية- ديوانه الأول: (رياح المواقع)، فعدّه النقاد والقراء حدثاً أدبياً في حد ذاته واجتاحت الرغبة الجميع في اقتنائه والوصول إليه بكل الطرق. وأضاف: «من حظي الجميل أنني كنت صديقاً للشاعر وحين أهدانيه اعتززت كثيراً بكلمات الإهداء التي كانت لي بمثابة قوة دفع مشجعة نحو الكتابة الأجدّ والأعمق.. والأكثر التزاماً قال لي فيه؛
(أحمد.. ما نقوله الآن واقفين.. نرجو أن يبقى مستمراً كالنصل في الأفق..)، وأكد أنه ما زال يذكر الإهداء ويعتز به.
فيما يرى الببلوغرافي خالد اليوسف إهداء الكتاب من المؤلف من أجمل الأفعال وأقربها إلى القلب، موضحاً أنه لن ينسى الكتب التي أهديت له في مراحل حياته، خصوصاً مرحلة ما قبل الكتابة والتأليف، كونها تمنحه شهادة عظيمة من المؤلف. الذي عبر له عن مكانته، لديه. وخلّدت ذكرى اللقاء بالكاتب مباشرة ومعرفته به، وعدّه أعلى وسام يفاخر به كل كاتب وباحث ومؤلف، ويرى أن أثمن إهداء وتوقيع تلقاه من الرائدين عبدالعزيز الرفاعي، وعبدالكريم الجهيمان.
وعدّ الشاعر هاشم الجحدلي من أندر وأهم الإهداءات في مكتبته كتب عدة عزيزة وغالية، ومن أجملها وأندرها «كتاب المدن» للشاعر الكبير أدونيس برفقة لوحات تشكيلية للمبدع زياد دلول، وطُبع من هذا الديوان نسخ محدودة ومرقمة، وضمّ قصائد أدونيس عن وفي المدن من صنعاء إلى نيويورك. ويذهب المستشار الثقافي الدكتور عبدالله الكعيد إلى أن
أغلى إهداء تلقّاه من الزميل الراحل اللواء الدكتور فهد بن أحمد الشعلان (رحمه الله) على مؤلفه «إدارة الأزمات» الأسس، المراحل، الآليات، إثر صدور الطبعة الأولى في معرض الرياض الدولي للكتاب.
فيما عدّ الناقد الدكتور عبدالله الحيدري الإهداءات التي تلقاها من مؤلفيها موقعة أكثر من أن تعد، وتشكل جزءًا من مكتبته، ويعتز بها أيما اعتزاز، ومنها كتب الأساتذة الدكتور عبدالكريم الأسعد الذي أهداه بعض كتبه ومنها: «الحاشية العصرية على شرح شذور الذهب»، والدكتور مرزوق بن تنباك الذي أهداه عام 1407هـ كتابه «الفصحى ونظرية الفكر العامي»، والدكتور محمود الربداوي الذي أهداه عام 1410هـ كتابه «اللغة العربية لغير المختصين»، والدكتور فهد العرابي الحارثي الذي أهداه عام 1411هـ كتابه «وقت للعار»، إضافةً لإهداءات يحيى السماوي، وعبدالرحمن العبيّد، وعلي النعمي، ومنصور الحازمي، وأحمد الضبيب، وعبدالعزيز المانع، ومحمد الربيّع، وعبدالعزيز الفيصل، وعلي حسن العبّادي، وأحمد الصالح «مسافر»، وعبدالله الزيد، ومحمد العوين.
ويؤكد عامل المعرفة الدكتور أحمد العرفج أن أعز إهداء تلقاه من أحمد عبدالغفور عطار «ذكرياتي في الصحافة» والذي زوده به الكاتب القدير عبدالرحمن المعمّر.
فيما يؤكد القاص إبراهيم مضواح أن لإهداء أستاذه الشاعر محمد الزيداني ديوانه عميق التقدير، كونه الأستاذ المثال الذي تشرّف بالتتلمذ عليه في المرحلتين المتوسطة والثانوية، وتأثر به كثيراً: في عنايته باللغة، وتحليه بالأدب، وتقديره للمعرفة، وتقديسه لرسالة المعلم، واحترامه للطالب.