بدعم من هيئة الأدب والنشر والترجمة نقلت أكاديمية الشعر العربي في جامعة الطائف قافلة النخيل من الأحساء إلى أبها في ثالث جولاتها الشعرية بعد الطائف ومكة المكرمة بمشاركة الشعراء جاسم الصحيح، وعبد الله الخضير، وناجي حرابة، والشاعرتين تهاني الصبيح، وحوراء الهميلي، وسط حضور كبير من الشعراء والأدباء والمثقفين في منطقة عسير، إضافة إلى عشاق الشّعر ومتذوقيه. الأمسية الشعرية بدأها الشاعر ناجي حرابة بقراءة قصائد «أبها، عناقيد من خابيةِ الوطن، لأنَّكِ، دمُ الشّعر» ومنها:
لا شأنَ ليْ بالخوَاتيمِ
ما دُمتُ أَسْري على جُدَدِ النَّصِّ نَصِّ الشُّهودِ
لأُمْسكَ حبلاً من الضّوءِ
من قَمرٍ قدْ تدلَّى على القلبِ
يَجذبُني للسّماءْ
تلاه الشاعر عبد الله الخضير الذي قرأ قصائد «قُبْلة مكفوفة، راهبة صدنايا، بين غيب الجسد.. واتساع العمر، صلاة في حالةِ سُكْر، جنون الشيخوخة، قصيدة صلاة في ممشى الضباب» ومنها:
يا جنوبَ الفخرِ
يا ذاكرةَ الغيمِ ومأوى الشّعراءِ
قد رسمناكِ على صفحةِ كُرّاسِ الرّسوماتِ
حقولاً في تباشيرِ
الكتابْ
وكتبنا لكِ في نظْمِ القوافي
دفتراً للعشقِ، للوردِ،
لقاماتِ السّنابلْ
فازرعينا.. فوقَ شتلاتِ
المنازلْ
نتباهى بالضّبابْ
واحملينا مطراً مثل عسيريٍّ على هامتِهِ
جُودٌ وترحيبٌ بألفٍ
(مرحباً ألفْ)
فيما قرأت الشاعرة تهاني الصبيح قصائد «سدرة وخضاب، اقصص لنا الرؤيا، كرم السنابل، سفرٌ من التأويل» ومنها:
أنا المجازُ إذا ما جُملةٌ كشفتْ
سحرَ الكنايةِ في أبعادِ مفردةِ !
أنا البديعُ فساتيني مطرّزةٌ
بالسّجعِ بالضِدّ والتجنيسُ زخرفتي
أنا العروضُ وروحي نفْخُ دوزنةٍ
من القصائدِ والأوتارِ والنُّوَتِ
أسيرُ للنحوِ – علّ النحو يعربني
فعلاً تجذّرَ من نبضي وأوردتي
شاعر الأمسية الرابع جاسم الصحيح قرأ قصائد «أبها.. موعدٌ مع الغيب، احتفالية الحب والحياة»، وقصيدة «الشعر كائن الدهشة» ومنها:
وإنْ راودتُكُمْ في المحبَّةِ رشوةٌ
من الفنِّ تُغري من تُحِبُّونَ، فارتشُوا
ولا تكتموا ما للهوى من وشايةٍ
ألا إنَّما مِسكُ الصبابةِ أنْ تَشُوا
ورَوُّوا الجِرارَ الظامئاتِ إلى المُنى
فصلصالُكُمْ – مهما تقوَّى – مُهَشَّشُ
ولا تتركوا الأغصانَ يذبلُ طَلعُها
فما زال في البستانِ تينٌ ومشمشُ
لكلِّ هوًى أسرارُهُ وامتحانُهُ
ولا غِشَّ.. أسرارُ الهوى لا تُغَشَّشُ!!
وختمت رحلة «قافلة النخيل» في أبها الشاعرة حوراء الهميلي بقصائد «فستان الهوى العشبي، فتنة الفيروز، فأرسلنا إليها روحنا»، ومنها هذه الأبيات:
أنثى
بآلافِ القصائدِ حبلى
تَعِبَ المخاضُ
وليس تنجبُ طفلا
ما ضمَّت الأرحامُ
نطفةَ فكرةٍ
إلا وخلَّقت القصائدَ ثكلى
حين انتبذتُ إلى المجازِ
أهزُّهُ
ثغرُ الرجاءِ
على يديَّ تدلى
«عكاظ» استطلعت بعد نهاية الأمسية الآراء حول قافلة النخيل، حيث أكد الدكتور معيض عطية القرني أنّ قافلة النخيل في أبها كانت نقلة نوعية على مستوى الملتقيات الأدبية من نواحٍ عدة لعل من أبرزها: تنوع الأسماء الأدبية من الجنسين وحضور قامات شعرية وفَت بأفق انتظار الجمهور الغفير الذي حضر وطرب، وكان للتنوع الذي رافق القافلة على مستوى التقديم الذي لم يقل عنها شاعرية، والمؤثرات المصاحبة للأمسية أثر ظاهر في اكتمال حسنها، وأضاف: ساهم حسن التنظيم في الاستقبال والمكان في تخليص الأمسية من رتابة الأمسيات، وجعل قافلة النخيل ليلة من الليالي الخالدة في ذاكرة عشاق أبها الشعر والجمال.
أما القاص والإعلامي حسن آل عامر فقد رأى أنّ فكرة فعالية «قافلة النخيل» وأسلوب تنفيذها نجحت إلى حد كبير في العودة المفرحة لجمهور الأدب سواء من المبدعين أو المتذوقين، حيث شاهدنا المقاعد ممتلئة في جميع المحطات التي توقفت فيها هذه القافلة الشعرية المميزة. وأضاف: المهم بعد هذه التجربة، التي أرى أنها نجحت إلى حد كبير، هو الاستفادة منها في تطوير آليات تنظيم الفعاليات الثقافية وخاصة الوصول بالدعوات لكلّ مثقف أو مهتم أو متذوق بشخصه – قدر المستطاع – ومع إدراكي لصعوبة المهمة والجهد المضاعف الذي سيبذله المنظمون لتكوين قاعدة بيانات كبيرة إلاّ أنّ الإصرار على النجاح وإيصال رسائل التقدير لأوسع شريحة ممكنة هو أهم وسيلة لتجاوز التحديات التي قد تسهم في ضعف الحضور والتفاعل مع أيّ منشط ثقافي أو اجتماعي، فمشكلة بعض الفعاليات الثقافية هي ضعف الأداء التنظيمي وعدم الاجتهاد في ابتكار وسائل الترغيب في الحضور.
وأشار آل عامر إلى مكانة الضيوف المشاركين وأهمية اختيارهم بعناية، وأن تكون القيمة الإبداعية هي المقياس الوحيد للاختيار دون أي حسابات أخرى، وعندها سيكون متذوقو الأدب والشعر خاصة في الموعد. آل عامر أكّد أنّ ما حدث مع شعراء الأحساء الذين أحيوا هذه القافلة الإبداعية دليل على أنّ هذه النخبة الشعرية السعودية كوّنت قاعدة جماهيرية جيدة داخل المملكة وخارجها.
آل عامر ذكر أنه تابع شخصياً العديد من مخرجات الشراكة الناجحة التي تكونت بين هيئة الأدب والنشر والترجمة وأكاديمية الشعر العربي ورأى أنّ هذه الشراكة اختطّت مساراً خاصاً ولافتاً في آليات التخطيط والتنظيم للفعاليات الثقافية، لدرجة أستطيع أن أصفها بالشراكة الناجحة التي تحتاج إلى تطوير مستمر وعدم الركون لما حدث من نجاحات سابقة.