يُعدّ الشاعر الكاتب أحمد السيّد عطيف، ضمن قائمة الأسماء التنويرية عربياً، روحاً وبوحاً، ونصاً وشخصاً، اهتواه الشِّعر فكتب نصوصا خالدة تغنى بها بإعجاب وغبطة وحسد مجايلوه وسابقوه ولاحقوه، زادته الثقافة بساطة، ومنحه الوعي بسطةً في الأفق، وسِعةً في الصدر، ولأنه ابن الأرض، يقضي معظم وقته في (طُوره) مستلهماً ومستنبتاً المزيد من الشجيرات العطريّة والمعاني النديّة، أشركني بثقة في طرح كتابه (تغطية العالم) فثبتت في القلب منه مودةً، كما ثبتت في الراحتين الأصابعُ؛ اقترحتُ عليه إطلالةً رمضانية، فكان نص الحوار:
• هل يتطور الشعر إلى فكر وفلسفة؟
•• كلا.. قد تدخل الفلسفة والفكر إلى الشعر بغلالة شعرية في شروطها الدنيا، مثلما الحال عند إيليا أبي ماضي، أو بعض خطرات المتنبي، وأكثر منه المعري، وسعيد عقل أحيانا. إلا أن الأفكار المجردة المنظومة بلا لباس شعري هي أكاذيب فجة ولعب مجاني بالكلام، وهو ما نراه في موجة جديدة الآن. هذه أسهل الطرق لأشباه الشعراء.
• لماذا يتحفظ البعض على تناولك لتفسيرات ونقاش قضايا فكرية؟
•• كثير من الناس لديهم حساسية دينية، ولدية أزمة دائمة في محاولة إثبات أنه مسلم، ولم يفرق له أحد بين الدين والفقه، وبين الله تعالى وبين عباده وبين السلف، ولا يفرق بين الآية وبين تفاسير المفسرين. يا أخي لا يوجد كتاب تعرض للظلم في ثقافتنا عبر القرون كما هو القرآن الكريم. نحن نعتبره هو الأساس وهو الحاكم على غيره.
• ما موقعك الشعري بين مجايليك اليوم؟
•• مواقع الشعراء يحددها الزمن، يحددها ما يبقى منهم بعد رحيلهم في وجدان الناس. أنا أعتز بتجربتي جدا، ولا أبحث لها عن ضوء أكثر مما فيها.
• ماذا عن مشروعك المحدد سلفاً؟
•• ما زال في البال.. أنا غفلت قليلا وتكاسلت، لكني بعد إصابتي بالذبحة الصدرية قبل شهور حمدت الله أن منحني الفرصة لأكمل بحثا يتعلق بإعادة تعريف الإحصان من داخل لغة القرآن، وكتابا آخر هو مجموعة مقالات نشرتها في صحفنا السعودية تتضمن إعادة النظر في تعريفات قديمة لألفاظ قرآنية كالمحكم والمتشابه، والأهلة، والأرض المباركة، وجغرافية قصة موسى، وكل ذلك من خلال لغة القرآن المبين.
• كيف تصف الواقع الثقافي بنظرة موضوعية؟
•• نحن نعيش مرحلة تغيير شاملة، ما زالت في البدء، وبالتأكيد ستنعكس على الثقافة، المرحلة الثقافية القديمة انتهت، وواقعها اليوم هو هامش كل شيء، أما المرحلة الجديدة فتحتاج وقتا لفهمها والانخراط فيها.. التغييرات الثقافية العميقة لا تنتج غرسها إلا بعد جيل على الأقل.
• هل تخاف من قول كل ما يعتمل في وعيك؟
•• طبعا أخاف..أخاف لأن هناك فقرات فضفاضة في الأنظمة يمكن أن يدخل الآخرون بها عليك ليضروك. أعطيك مثالا: هناك فقرة في نظام الجرائم المعلوماتية تنص على عقوبة سجن لا تزيد على خمس سنوات أو غرامة لا تزيد على 3 ملايين ريال لإنتاج كل ما من شأنه المساس بالنظام العام أو القيم الدينية أو الآداب العامة… إلخ. إن كلمة المساس كلمة لا حدود لها، وكلمة القيم كذلك، وعبارة القيم الدينية كذلك.. شخصيا انتهت قبل شهور في المحاكم قضية ضدي بتهم منها أني أنكر كتب التفسير! مع أن مكتبتي فيها أكثر من 10 كتب تفسير.. هذه التهم يرصدها أناس من هؤلاء ويتقدمون بها لمكتب المفتي ومن ثم للمحاكم!
وبالمناسبة، ما قاله ولي العهد حول الاجتهاد والحديث يجب أن يدخل في المقررات وفي القوانين.
هؤلاء الذين يتحفظون ويترصدون ويتهمون يجدون في بعض فقرات النظام الفضفاضة ما يسمح لهم بأن يضروا الناس.. أنا أستحي أن أقول هذا لكن «الكلام يجر الكلام»، ولا بد لحرية الاجتهاد ونقد الأقوال من غطاء قانوني بحدود معقولة. بدون ذلك فالمرء يخاف.
• إلى أين يذهب الفكر والفلسفة بالمتعلق بهما؟
•• إلى مزيد من البحث، لا توقف ولا غاية، الاستمرار هو الغاية.
• ماذا بقي من صحوة التسعينات؟
•• بقي صمت وتوجس وانتظار. ما اختفى تقريبا هو المظهر والصوت المنظم لكن الفكرة باقية، أفضل ما يمكن عمله هو ضخ أنظمة وقوانين تجعل فرصة عودة تلك الأفكار صعبة.
• بماذا يمكن استنبات المواهب؟
•• بالحرية المنظمة، غايات استراتيجية، وتنشيط قدرات المدارس.
• ماذا خسرت بطرح كتابك تغطية العالم؟
•• هي خسارات اجتماعية.. لكن كل الخسارات انتهت بعهدنا الجديد. أعتز بأني قلت شيئا في وقت صعب. وكثيرون فعلوا ذلك، أنا أقلهم.
• ماذا بعد الشعر، الفكر، التفسير؟
•• أنا ابن اللغة، واللغة هي الشعر وهي الفكر وهي التفسير. اللغة أداتي وأنا أداتها.
• ما سر الافتتان بالزراعة من خلال الطور؟
•• الزراعة عملية شراكة في الخلق، اشتباك مع الكون. تخيل إذا يمدك الله بالماء والبذر والتراب، ثم بحركة الأرض والشمس لتتخلق بسببك شجرة، تستظل برعايتك، وتستعين بك، ثم حين تكبر يبعث الله لك طيورا تغني لك وتشاركك البهجة.. وما هو إلا قليل حتى تظللك وتظلل أسرتك وسهر أصحابك وتصنع ذكرياتك.. في جيزان لا أحد يكسب من الزراعة إلا هذا المعنى. وبالنسبة لي يكفي وزيادة.