Connect with us

ثقافة وفن

أثر الشخصية واللغة والأمكنة في رواية «الصريم» لأحمد السماري

ثلاثة أعوام انصرمت على صدور رواية (الصريم) للكاتب السعودي أحمد السماري، عن دار (أثر) ولا تزال تحمل أثراً من الشغف

ثلاثة أعوام انصرمت على صدور رواية (الصريم) للكاتب السعودي أحمد السماري، عن دار (أثر) ولا تزال تحمل أثراً من الشغف القرائي لدى متلقيها، بقدر ما تحيل إلى دلالات داخل بنيات السرد ومتونه وهوامشه، في كل قراءة تستوجب استنهاضاً للأسئلة، حول الكتابة، وتفسيرات الخطاب وتذهين المتلقي بسمات عدة، وتعالقات نصية إبّان زمن القراءة، والكتابة بتأويلاتها المتعددة.

وفي سياق من تضمين تصديري في مفتتح صفحات الرواية، ينبه الكاتب أحمد السماري إلى أن «هذه الرواية مستلهمة من أحداث حقيقية، إلا أن الشخصيات التي تتضمنها والمواقف التي تصفها هي من نسج الخيال»، أراد الروائي ذلك كنوع من التنويه درءاً لأي التباس في عملية التلقي للرواية وتفاعلات وأسئلة القراءة وتفسيرات القراءة المتعددة.

يحيل السماري في متن إهدائه: «الى الأسلاف الذين عاشوا تلك الفترة العصيبة من الكوارث والعوز في تاريخ نجد والجزيرة العربية، ولم يتذكرهم إلا القليل من الناس»، هي إذاً رواية ترسم عبر اقترابها من انساق مجتمعها آفاقاً من الحكاية واندماج أجناس أخرى ضمنها، إذ يأنس الكاتب بحيوات وأمكنة وثقافات بيئات مختلفة، ورؤى وأقاويل وأمثال تدخل ضمن نسيج الدراسات الانتروبولوجية لكن من وجهة نظر السرد الروائي معجوناً بأسلوبية الوصف وذهنية الرحال وجواب الآفاق، تشحذ حدوسه لغة كثيفة ومقتصدة وواصفة دونما إطالة أو ملل.

تمنح «الصريم» في البدء قارئها انفساحاً بصرياً للرؤية حال التنقل بين سطور عباراتها وصفحاتها وفصولها الأربعة، التي كأنما تحيلنا الى طبيعة الفصول السنوية، بأثرها وتقلبات الحياة والمناخ والطقوس والغربة وأحوال وسيرة الكائن خلال تنقله من حال إلى حال، تدفعه ظرفية أزمنة الرواية وسياقات تواريخها وأمكنتها واحتشاد عناصر الحياة فيها بالحركة والسعي والصبر والترحال، وطابع الحكاية التي توثق عبر راويها بصيغ عدة يستخدمها السارد، كما بصيغة المتكلم، (زيد ابن عثمان).

يحكي السارد، حتى تكاد تفيض الحكمة والرؤية معاً في فصل الرواية الأخير على لسانه بعد أن خبر الحياة الكأداء بتجاربها المختلفة، بين فرح وترح، غربة وصبر وجنوح الى التأني والتفكر في قطار الحياة وترحالاتها وما تفيض به من النصيب في الرزق، أو اللحظة البائسة في تصوير الفقر في بيئات (الجزيرة العربية) وأمدائها وواحات جهاتها الكثيرة وتخوم بلدانها وتجاوراتها وإرثها وأثرها الحي في قيظ المعنى ونداوة الصباحات المبهجة بطراوة الأسلوب السردي المتكئ حيناً على (وثائقيات دقيقة)،

وحيناً على قدرة هائلة وشغف في اقتفاء خيوط الحكاية وتضفيرها بجوانب وركائز غالبا لا يقوم السرد سوى على دعائمها مما تقتضيه لغة السرد وبصيرة وتجربة الراوي الذي يحكي ويصغي معا لنداءات ومحتوى أكثر من حوار وخطاب وبنية ثقافية تتجاور وتتحاور، تأتلف وتختلف، وتتقاطع أحايين.

إنه وبالقدر الذي تدمج (الصريم) قارئها مشاركاً في الغوص والترحل عبر فسحات من صفحاتها، وقد أخذت تقسيمات من خلال أرقام تحيل إلى فسحات ومواقف لنزهة التصفح والغور، بعيداً في اقتفاء أثر لغة السارد وأسلوبية الحكاية التي تتكئ على دائرية القصة واشتباك مواقف أصحابها في سيرية الأشخاص والأمكنة وألفة البنى والعناصر وتضادها في آونة، وفقاً لطبيعة البناء السردي لحياة الشخصيات وترحل بعضها في أمداء ومدن وصحارى الجزيرة والربع الخالي، حيث تتماس رواية السماري بأفق الحكي المجرب في سياق من الغربة والنزوح من المكان الأصلي، إلى أحوال من معيش الشخصية وأثرها في الحياة والبيئات التي جاورتها وأقامت فيها ولها فيها مواطن وذكريات، ومنازل من الحنين، والشغف في الكد والعمل بغاية الرزق، والعيش في فضاءات وأماكن متعددة، حد أن الرواية تزخر بسيرة أمكنتها بموازاة سيرة شخوصها وأدوارهم التي تتضافر في الحكي لتتفرد الشخصية المحورية فيها (زيد) بالجزء الأكبر من المروي، والإمساك بزمام لغة السرد بعناصره وموجهاته وأحداثه المختلفة، وإذ تسير رواية (الصريم) أفقياً في الروي، فإن طبيعة السرد وبنياته تأخذ أبعاداً مهمة نحو الاتكاء على توثيق التاريخ، في سياق أيضاً من تدفق سلس للحوار المبثوث في صفحات وفصول الرواية الأربعة، وتقف لغة السرد على التخوم من المتخيل وأسلوبية الكاتب أو المؤلف في طرائق عرض الحكاية وتنسيجها في حكايات لا تخلو من توظيف التقويلات والميراث الثقافي لأماكن ضعن الشخصية أو إقامتها للعمل ومقاصد العيش المستقر، وتتحول الرؤية السردية منذ الفصل الأول المعنون بـ(ريح الندى قدامه… والعج قافيها) لتحيل إلى محمول شعري في توظيف التراث، والدلالة الثقافية المتنوعة الأمكنة السرد، حيث تشيع الحكاية جواً من التحفيز لما بعد الصفحة التالي وما يليها، كما يجهد الروائي في الإيحاء بتصديرات من صميم التيمة الكلية للعمل، فنجد أن التصدير التالي في تضمينه عبارة لكرستوفر شولز تشي سماتها الدلالية بتحفيز القارئ نحو ما يشير إلى «حكاية تبدأ، وحكاية تنتهي، والأيام تمضي، ولا شيء يدوم». وأثر ذلك تنسرب الشخصية المفردة في استئثارها غالباً برواية الحدث المتحول وأثر ذلك في: تحريك وعي الشخصية بما حولها دونما استعراض أو زوائد قد تخل بطبيعة السرد، ويجد القارئ نفسه بإزاء تحد من نوع آخر، وسط تدفق وسيلانات الحكاية واستذكاراتها على لسان (زيد) واندفاق الأثر الثقافي لفكر الشخصية ذاته في سياق من الزمن الروائي وتحولات المروي زمناً ومكاناً وشخصية متعددة بأقنعة شتى.

إن تركيز الروائي السماري على بناء استهلال فصول روايته الأربعة بذات الكثافة والأسلوب السلس في اختزال العبارة، يشي بمهارة ترافقه أيضاً في سمات بعينها من البناء الفني كما في روايته التالية لرواية (الصريم) التي أعني بها (قنطرة) إذ يؤثث لتيمة المكان لكن برؤية ولغة ونظرة مختلفة عن روايته السابقة وإن تشابهت بعض الرؤى والأحياز المكانية كالصحارى مثلاً، غير أن التكثيف الممعن هنا في تحفيز العين المستغورة في سطور عمله الروائي وعباراته سرعان ما يترك أثراً لدى القارئ المشارك بشغف إضافة إلى أثر الشخصية كما في مستهل الفصل الثاني «زيد… والصريم» حيث يروي زيداً: «كلما تذكرت قريتي يشتعل لهيب في روحي، كم أتمنى أن ينطفئ ويخمد إلى الأبد» فقرة 1ص (89)

في السياق: يحتشد عنصر المكان المتعدد في رواية الصريم ليحيل إلى خصوصية وشخصية بذاته كمكان روائي، ونزل، أو محل إقامة مؤقت، أو عابر، وتوثق الرواية لأمكنة اجتماعية ومدنية في ثقافة المجتمع يتطلع فيها المسافر أو المترحل عبر محطات الاغتراب، في سياقات مؤرخة، نحو غاية أساسية كمستقر عيش ورغيف سلام ورزق المقسوم، وتكاد لغة السرد في تعيينها أمكنة الشخصية التي تروي ومواقف سيرية عاشتها: أن تنطق بألفة يشوبها الحنين والترح، والترحال معاً، لتبني آفاقاً للغريب الذي يحمل الحكاية على جراب، وأمتعة السفر على آخر، الكويت، الأحمدي، الرياض، جدة، الأحساء، مكة، وغيرها من المدن والبلدات، إذ يتشاسع ويمتد أفق النظر البعيد إلى مفاوز ورمال وصحارى تبعث على الشجن، وتحرك لواعج النفس إذ يحكي (زيد) ومن حوله يصغي، أو يستمع، وتتناوب ضمائر أحايين في سردية الموقف والمشاهدات المضفورة بتوظيف تقنية الميراث وتقويلات المثل والحكمة والشعر والحكاية المتعددة في سمات بيئات منطقة الخليج والجزيرة العربية إجمالاً في تنوعها كما لجهة تصوير أحلام دافئة تقترب من ظلال واحات النخيل، وسط التيه المرسوم أفقاً شسيعاً ومفاوز الصحارى ورمالها الحارقة.

* كاتب يمني

Continue Reading

ثقافة وفن

في انتظار فاطمة

انكسر قلمه، تناثر حبره مع تقاطر دمعته، حمل كرسيه ذا الأرجل الثلاث، رماه مهشّماً، اقتعد ساحة بيته نظر إلى الغمام،

انكسر قلمه، تناثر حبره مع تقاطر دمعته، حمل كرسيه ذا الأرجل الثلاث، رماه مهشّماً، اقتعد ساحة بيته نظر إلى الغمام، وقمر السماء منكسراً:

حكايتي انتهت لتبدأ منتهاها ابتداءً من ذرّ الرماد في عيني صبرت واحتسبت حين رحلت أم أولادي بعد ثلاث سنوات عجاب قررت الزواج بعد يقين ألا أضع مقارنة مع من أخذت مكانها…

فالوقت مختلف معتقداً أن النساء هن النساء في هذا البحث المضني، وجدت ضالتي في «فوفو» الفاتنة المثيرة تربعت عرش قلبي وأصبحت الأميرة!

حاولت صرف النظر، لبعدنا الفكري والثقافي بيني وبينها، لكن وجدتها عشرينية الهوى مثلي، فأنا أربعيني الغرام خمسيني العشق، الحقيقة أيها القمر ترددت بين الإقدام أم الإحجام، مِنْ أجمل ما فيها ثقافتها، فاختلافها أدب مناكفتها فكر وفلسفة أعجبتني كثيراً غمرتني بحنانها تجرأت حين تمنت هي أن أرسل لها مؤلفي الوحيد فوافقت ومن ذا الوقت ارتبط قلبي بنبضات شوق صوتها فهي جميلة الوجه، عيناها كصقر حين تعتب يمامة إذا غازل الحب عينيها، في كل مرة أذكّرها أن فارق السن كبير وهي تؤكد غرامها بي فقالت: «لولي» أحبك، أعشقك، أهوااااك..

أتذكر وقتها وقفت على أمشاط رجلي فرحاً كطفل يتراقص على أنغام المطر، استمرت علاقتنا فسكنت في وريدي في مخدتي التي كتبت عليها اسمي واسمها مستلهماً أغنية فيروز:

وهديتني وردي فرجيتها لصحابي

خبيتها بكتابي زرعتها ع المخدة

طلبت رقم والدها في يوم جمعة انتابني شعور ألا أكلمه، قلت في نفسي غداً أكلمه!

هكذا دون سابق إنذار.. «فوفو» اختفت، أزالت كل الصداقة من حساباتي الشخصية هكذا فجأة، مرّ أسبوع، أسبوعان وأنا منهك النفس حيران بعدها فتحت رمشي على رسالة منها:

أعتذر منك إخواني رفضوا الزواج..

ضاقت عليه الأرض بما رحبت، وكردّة فعلٍ بحث خلال شهر عن بنت الحلال، هكذا اعتمد على بعض أفراد عائلته وفي لحظات تمت الخطبة وبدأ في مراسم الزواج قلبه معلّق مع «فوفو» ولأنه يخاف الله ترك كل شيء وراءه واهتّم بزوجته الثانية معتقداً أن مع الأيام سيحبها وصار ما كان خائفاً منه!

هذه الزوجة قلبت حياته رأساً على عقب، فرقت بين أولاده، لسانها حرباء، بيتها مثلها جعلته كبيت معالج بالقرآن، تحمّل وأخيراً انفجر طلقها وطردها وسجد شكراً لله. العجيب والغريب أن «فوفو» يجدها كلما اشتاق لها حين يسمع صوتها يبكي كطفل فقد أمه بعد أن يغلق محادثتها..

عادت حبيبته، لم تتزوج، سألها: لماذا؟ قالت: لم ولن يسكن قلبي غير «لولي» فكيف أتزوّج من سأظلمه معي؟! عاد قلبه ينبض من جديد وبدأ عشقه الأبدي فكتب وأبدع وثار واستثار الجميع فزوجته الثانية منعته قسراً من الكتابة حاول معها فرفضت هي لا تحب القراءة، عقلها فارغ إلا من توأمة هاتفها في يديها ولا تعرف الكتابة سوى حين تشتم وترفس وتزبد وترعد..

مسترجلة الكلام، عدوة السلام، قبيحة المخبر..

نادته طفلته: بابا تعال أريد أن أنام، احتضنها مع مخدته نامت واستيقظ مع قرب الفجر، أخذ الكرسي ثبته على الجدار، لملم الورق، توسّط ذراعيه، وأجهش بالبكاء منشداً:

هل تحبني ما ملاكي

يا نبضات سطري

يا كل فواصلي

يا عطر كلماتي

هيا انثري عبير همزة تعلقت بأستار قلبي

أميطي عن الحاء وشاح دمعي

اطرقي باب بائي واسكني داخل كهف كافي

يا شين الغرام ونبل الوئام وسيدة النساء

أعشقك أهواك.

أخبار ذات صلة

Continue Reading

ثقافة وفن

المصادفة

لم يخطر يوماً في بال أيٍّ منّا أن نسير في الطريق كخطين متوازيين؛ لأننا ببساطة لم نكن يوماً لنفترق، كنت كالظل الذي

لم يخطر يوماً في بال أيٍّ منّا أن نسير في الطريق كخطين متوازيين؛ لأننا ببساطة لم نكن يوماً لنفترق، كنت كالظل الذي يرافق خطواته، وكثيراً ما كان الظل يسبق صاحبه لهفة وشوقاً، هكذا تربينا معاً، لم يكن في تفكير أيٍّ منّا أنه غير الآخر، وأنه على الرغم من فارق التكوين بين جسدينا بأنوثتي وذكورته ندرك أنه يتوجب علينا أن نراعي عادات المجتمع، أن يكون لقاؤنا ضمن إطار العائلة، كان تكوين تفكيرنا يأخذنا إلى أبعد من حدود الجسد، وتلك الفواصل الموضوعة فيما بيننا، هكذا مرَّتْ سنوات العمر، وأصبحت أنا سمر الطالبة في الثانوية، وعمر الذي أصبح شاباً، وبدأت تظهر على وجهه علامات النضج، فصوته الذي كان يزقزق مثل العصفور أمام قفص شباكي، لأخرج للعب معه في الشارع تغيرت نبراته أصبح أكثر خشونة وجاذبية، وكان يتوجب علينا أن نفترق في المدرسة، وأن يصبح لكل منا أصدقاؤه، وهكذا بدأت تتباعد المسافة فيما بيننا، وتعلو جدران ابتعادنا، وزادت بانتقال والد عمر إلى مدينة أخرى بعدما تقاسمت العائلة إرث الجد وافترق الأبناء، وبذلك كانت القطيعة بيني وبين عمر، ومرت الأيام، وتعاقبت السنوات، وأنستني انشغالاتي تلك المرحلة من عمري، وابتعدنا كل في طريق، وعندما أنهيت دراستي الجامعية، وتمَّ تعييني مدرسة لمادة اللغة العربية التي أحببتها بسبب عمر الذي كان يحبُّها، على الرغم من ميله إلى الرياضيات، فهو كما كان يردّد دائماً: أحب أن أحسبها جيداً…

وكنت أقول له: سأكون جدول الضرب الذي يقسم ظهرك، إن لم تتابع تحصيلك الدراسي، وانتهت الأخبار فيما بيننا، ولم نعد نلتقي، كبرنا وتخرج كل منّا..

أصبحت مدرسة، كان يقتضي مني ذلك أن أتوجه إلى الوزارة؛ لأعرف مكان تعييني، وفي أي مدرسة سيكون دوامي، كنت أسابق الريح فرحةً بأنني سأبدأ حياتي العملية وسأصبح مستقلة بقراراتي، وسأعلم طلابي الاعتماد على أنفسهم، وبدأت أفكار التدريس تمرُّ على مخيلتي، وكيف سأقف للمرة الأولى مدرسة أعلم اللغة العربية، وقد استغرق تفكيري كل الوقت الذي لم أشعر فيه بمسافة الطريق، لولا زمور صاحب الحافلة، ينبهني إلى أنه قد وصل إلى آخر خط في مساره…

ضحكت من نفسي، وأنا أتمتم هل هذا وقت التأخير؟ وأردفت عسى في كل تأخير خير.

إن استغراقي في حلم التدريس اضطرني أن أعود سيراً على الأقدام ما يساوي ربع ساعة من الزمن حتى وجدتني أمام باب الوزارة، وثمَّة جموع ممن يدخلون لمعرفة أسمائهم في التعيين والأماكن التي سيباشرون العمل فيها، اقتربت من لوحة الإعلانات كانت الأسماء تبرق، وقد غشى عيوني الدمع فرحاً باسمي الذي لم أشعر بجماله من قبلُ كما في هذه اللحظة، وبدأت أكرر اسم المدرسة، وأفرك عيني لا أصدّق، وقلت لعلها تشابه أسماء دخلت إلى الموظف:

– مرحبا أستاذ.

– أهلاً وسهلاً: ردَّ الرجل الخمسيني وابتسامة تعلو شفتيه.

– وأردفت: أنا مدرسة، تعينت في مدرسة، أود معرفة اسمها بدقة.

– استدار إلى الكمبيوتر وهو يردّد: ما اسم الآنسة؟

– قلت: سمر

ورحت أراقب أصابعه، وهو يكتب اسمي، ها هو يضرب حروف اسمي: س م ر العامري.

التفت إلي وهو يقول: مبارك أنت يا آنسة معينة في مدرسة الشهيد: عمر أحمد رابح، لم يتضح حرف الحاء، كأنه لم يصل إلى سمعي، علت غشاوة عيني أصبح المكتب يدور، والموظف الخمسيني يدور على كرسيه، وقد تحوَّل إلى ثلاثة أخيلة، ولم أستيقظ إلا في غرفة الإنعاش، كان هو عمر الذي أبعدتنا الأيام، ومن ثمَّ أرجعتنا لنلتقي من جديد كل يوم، ولكن باختلاف المواقع والحالات، وما زلت أذكر كلامه: «أحب أن أحسبْها جيّداً».

أخبار ذات صلة

Continue Reading

ثقافة وفن

خطيئةُ العطر

ظمأى أتيتُ بخافقٍ متلهّبِصوبَ العيونِ الحالماتِ المشربِفإذا سعيرُ الشّوق يُوصدُ بابَهاعنِّي ويقذفني خلال الغَيهبِومضيتُ

ظمأى أتيتُ بخافقٍ متلهّبِ

صوبَ العيونِ الحالماتِ المشربِ

فإذا سعيرُ الشّوق يُوصدُ بابَها

عنِّي ويقذفني خلال الغَيهبِ

ومضيتُ أجمعُ من قميصي عطرَهُ

حتى تفطَّر كلُّ نبضٍ مُتعبِ

آياتُ عطرك في السّماء توشّحتْ

أقمارها تتلو نبوءةَ مذهبي

رأتِ البشير على إهابك ماطراً

والبيّنات تصاغُ من غارِ النّبي

يا أيها العطر الشقيُّ ميمماً

شمسَ الحياة بهالة لم تغْربِ

حمّى الغياب إذا حضرت ستنطفي

وتحلُّ آمالي بأفق أرحبِ

فإلى متى تنأى وغاراتُ الهوى

تسري بعمرِ صبابتي وترقِّبي؟!

أصغتْ إلى نغم الطيور جريحة

وعيونها ترنو وراء المطلبِ

تهدي الرّياح عناقها كسنابل

ينثالُ منها كل همس طيّبِ

فتضوع ما بين الدّموع وفيضها

بيضاء زهر من رحيق مخصبِ

يا أيها العطرُ الشّقي بلهفتي

اُسكبْ حنينك في ضلوع معذِّبي

ثوبي المعتق قد تخضَّب بالنوى

يا لي أنا.. يا للمسير المتعبِ

أغوى التّرحلُ كلَّ أطيافِ المُنى

ورسائلُ العشَّاقِ لم تترتّبِ

سيظلّ للعطر البديعِ خطيئة

حتى يطيبَ من البعاد تلهُّبي

أخبار ذات صلة

Continue Reading

Trending

جميع الحقوق محفوظة لدى أخبار السعودية © 2022 .