Connect with us

ثقافة وفن

عبدالله أبونهية.. رجل التعليم الأبرز في شرق السعودية

من الأحساء انطلق ليدير مرافق التعليم في المنطقة الشرقية من بلاده ويمنحها عصارة خبرته وفكره، فانطبعت صورته واسمه

من الأحساء انطلق ليدير مرافق التعليم في المنطقة الشرقية من بلاده ويمنحها عصارة خبرته وفكره، فانطبعت صورته واسمه في أذهان جيل كامل من طلبة العلم، لكنه لم يكتفِ بذلك فكانت له بصمات وإنجازات في مجالات أخرى ذات صلة بالعلم والثقافة. وبمناسبة ذكرى رحيله الذي يصادف هذا الشهر من عام 2012، سنحاول تتبع سيرة المربي عبدالله بن محمد أبونهية، الذي تميز في عمله بفلسفة إدارية محورها «عدم اتخاذ أي قرار إلا بعد التأكد من إيجابياته واكتماله من كافة الجوانب»، مبرزين الجوانب المختلفة من حياته منذ سنواته المبكرة، وذلك بالاستناد إلى بعض ما ورد في كتاب «عبدالله أبونهية.. صفحات من حياته 1929 ــ 2012» الذي أصدره ابنه البكر أسامة، علاوة على مصادر صحفية متنوعة، وشهادات بعض رفاقه ومعاصريه.

كنتُ من المحظوظين الذين أتموا مرحلتي التعليم الابتدائي والمتوسط في أول مدرستين تبنيهما شركة أرامكو النفطية بمدينة الخبر، وتحديداً في زمن مديرهما المربي عبدالله بن عبدالرحمن أبونهية. وقتها عرفنا، من خلال الصحف التي كانت تصل إلى المكتبة المدرسية، أن هناك مسؤولاً تربوياً آخر يحمل اسم «عبدالله بن محمد أبونهية» ويعمل في الإدارة العامة للتعليم بالمنطقة الشرقية. سمعنا باسم الرجل دون أن نراه أو نتعرف عليه، فتشكلت في أذهاننا صورة له مشابهة لصورة ابن عمه، مدير مدرستنا الذي عُرف بالحزم والشدة في معاقبة الطلبة الكسالى والمشاغبين. وتمر الأيام وتشاء الصدف، وأنا في منتصف المرحلة الجامعية أن ألتقي به وجهاً لوجه في مكتبة بالدمام في سبعينات القرن الماضي لأجده خلاف الصورة التي كوناها عنه، بمعنى أنه لم يكن مفزعاً في هيئته كحال معلمي ومربي ذلك الزمن، أو جافاً في تعامله. لقد وجدته شخصاً ضئيل الحجم قصير القامة ذا صوت منخفض ووجه بشوش وتعابير رقيقة، واستعداد لمقابلة مراجعيه وحل شكاواهم دون تمييز بين صغير وكبير أو غني وفقير.

كان سبب زيارتي له أن شخصاً لجأ إليّ لمساعدته في إلحاق طفله بالمرحلة الابتدائية لأن إحدى المدارس القريبة من منزله رفضت قبوله بحجة أنه لا يملك هوية، وكان ذلك بسبب تكاسل والده الأمي في تسجيله بدفتر النفوس (التابعية)، وحينما وضعت الأمر بين يدي أبونهية واتضحت له الصورة، سارع بكتابة رسالة موجهة إلى مدير تلك المدرسة لقبول الطفل فوراً، وهو يقول: «هذا عبث.. هناك قانون يمنع حرمان الطفل من التعليم، ويجيز له الالتحاق بالمدرسة، ومسألة الهوية يمكن انتظارها إلى حين استخراجها دون أن يدفع الطفل البريء الثمن من مستقبله الدراسي». هكذا كان الرجل يتصرف بحس المسؤول المؤتمن على مستقبل الصغار، فلا يتردد في حل أي إشكال يعيق تعليمهم أو يتسبب في حرمانهم من حق أساسي من حقوقهم.

مواليد الهفوف

ولد أبونهية في حي النعاثل بالهفوف سنة 1928 لأسرة معروفة تعود جذورها إلى مدينة الدرعية ولأبنائها مساهمات في تأسيس الدولة السعودية ومنهم جد صاحبنا الأكبر (عبدالله أبونهية) الذي كان ثاني من حمل البيرق السعودي إبان حصار قوات إبراهيم باشا للدرعية سنة 1818م، ومنهم أيضاً محمد بن عبدالعزيز ابونهية (توفي عام 1236 للهجرة) صاحب قصائد البكائيات المشهورة على الدرعية، الذي كان قائداً لسلاح المدفعية زمن الإمامين سعود بن عبدالعزيز وعبدالله بن سعود.

يقول الزميل عبدالعزيز البدر في مقال موسع عن المربي عبدالله محمد أبونهية في مجلة الاقتصاد (10/4/2016) أنه بسبب اجتياح القوات التركية للدرعية وقيامها بهدم منازل أهلها ومطاردتهم قررت أسرة أبونهية في العقد الثاني من القرن 19 النزوح إلى الأحساء كغيرها من الأسر النجدية طلباً للأمان، فاستوطنت الهفوف. لكن المؤرخ والأديب الأحسائي محمد بن عبدالرحمن آل إسماعيل أفادنا في مقال كتبه قبل ذلك في صحيفة الجزيرة (6/7/2012) ببعض المعلومات الإضافية ومنها أن آل أبونهية كانوا من أعيان الدرعية ووجهائها، وأتى على ذكرهم ابن بشر في كتابه «المجد في تاريخ نجد»، والشيخ عبدالله بن خميس في «معجم اليمامة»، وأن جدهم إبراهيم قتل على يد جيش إبراهيم باشا عند دخوله الدرعية، وأن الأسرة انتقلت على إثر ذلك إلى الأحساء، فسكنت أولاً بلدة المبرز حيث بنوا لأنفسهم مسجداً لا يزال قائماً، قبل أن ينتقلوا إلى حي النعاثل بالهفوف. وبسبب دور الأسرة المشرف في التاريخ السعودي أطلق اسمها على شارعين أولهما «شارع أبونهية» في حي الخالدية بالدرعية، وثانيهما «شارع محمد أبونهية» في حي السويدي بالرياض. وفي الهفوف برزت الأسرة مجدداً وتملكت أكبر البيوت من تلك التي كانت تقام فيها أعراس أهالي حي النعاثل. وهذا البيت هو الذي شهد ميلاد المربي عبدالله أبونهية عام 1928.

نشأ وسط نخيل الأحساء

نشأ أبونهية وكبر في بيت أسرته الميسورة المتعلمة وسط نخيل وخضرة الأحساء، وتطبع بطباع الأحسائيين كالتسامح والطيبة والكرم والابتعاد عن التزمت والغلو. وحينما بلغ سن الالتحاق بالمدارس أدخله والده إلى الكتاتيب التقليدية التي انتقل منها إلى مدرسة النجاح ثم إلى «مدرسة الهفوف الأميرية» الابتدائية التي تعد أول مدرسة نظامية في المنطقة الشرقية بأسرها في العهد السعودي (افتتحت سنة 1356 للهجرة تحت إدارة المربي محمد بن علي النحاس، واتخذت من مبنى الحميدية بجوار سوق القيصرية الذي كان داراً للبلدية زمن الأتراك، مقراً لها، وخرّجت أول فوج من الطلبة سنة 1362 للهجرة، وسبقتها مدارس أهلية عديدة في العهد التركي تأسست بجهود الأهالي والوجهاء).

تخرج أبونهية من المدرسة الأميرية ضمن الفوج الثاني من الخريجين سنة 1363 للهجرة، وكان ترتيبه الأول على مستوى المملكة، ما يشير إلى أنه كان طالباً مجتهداً ومواظباً وحريصاً على العلم، وإلا لما حقق تلك النتيجة في تلك الحقبة الزمنية التي كان فيها الطلبة يذهبون إلى مدارسهم مشياً على الأقدام وسط الطرقات الطينية ويستذكرون دروسهم على ضوء الأتاريك، ويعودون إلى بيوتهم جوعى ومنهكين. وخلال سنوات دراسته أثبت أبونهية براعة ومهارة فائقة في مادتي الخط والرسم، فكان يُعهد إليه بكتابة اللافتات الترحيبية في مناسبات استقبال مدرسته للضيوف. وبسبب شغفه بالخط والرسم صار ممن يتقنون فنون الكتابة الدقيقة على الأشياء الصغيرة كحبات الأرز والبيض.

سرد أبونهية في حواراته الصحفية المتفرقة أسماء بعض من زاملهم في المدرسة الأميرية فذكر عبدالله الزاهد وعبدالله الباز، وعبدالرحمن الحواس والدكتور عبدالله العمران، والدكتور عبدالله المبارك. كما عدد أسماء بعض ممن تلقى العلم على أياديهم فذكر عبدالله الملا وعبدالله الخيال ويوسف بن راشد المبارك وعبداللطيف بن عبدالعزيز المبارك وعبدالله بن عبدالرحمن المبارك وعبدالمحسن المنقور، وعبدالعزيز التركي. إلى ذلك تذكر أبونهية أسماء ثلة من الطلبة الذين قام هو بتدريسهم ومنهم: الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة وأخوه الأمير سعد الفيصل، ومحمد العبدالهادي مساعد مدير عام التعليم بالمنطقة الشرقية السابق ومحمد العلي مدير المراسم بإمارة المنطقة الشرقية سابقاً وسليمان المطلق وصالح الحافظ والشيخ صالح السالم أمير الطائف الأسبق.

تربوي لامع

حياته المهنية شهدت تقلبات كثيرة لجهة الوظائف التي شغلها وأماكنها، لكنها لم تخرج عن نطاق التعليم في المنطقة الشرقية، لذا تمّ وصفه بـ «أحد ألمع وأبرز المساهمين في النهضة التعليمية في شرق السعودية». فقد دخل مجال العمل مبكراً وهو لم يتجاوز الثامنة عشرة، وذلك حينما تمّ تعيينه في عام 1365 هجري بوظيفة مدرس بالمدرسة الأميرية الابتدائية، فاستمر شاغلاً لتلك الوظيفة لمدة خمسة أعوام إلى أن تمت ترقيته إلى وظيفة إدارية في المدرسة ذاتها، وكان اسمها قد تغير آنذاك من «المدرسة الأميرية» إلى «مدرسة الهفوف الأولى»، وبعد فترة قصيرة حصل على ترقية أخرى تمثلت في تعيينه مديراً للمدرسة.

في عام 1374 للهجرة (1955م تقريباً) كان أبونهية، بسبب كفاءته الإدارية والخبرة التي جمعها من وظائفه السابقة، على موعد مع ترقية أخرى. ففيه صدر قرار بنقله إلى الدمام ليشغل وظيفة مفتش إداري بمديرية تعليم المنطقة الشرقية، لكن إقامته في الدمام لم تتجاوز السنتين. ففي عام 1376 للهجرة أعيد إلى الأحساء كي يفتتح إدارة التعليم بها ويترأسها، فمكث هناك مؤدياً مهامه على أكمل وجه حتى عام 1382 للهجرة الذي انتقل فيه مجدداً إلى الدمام للعمل مساعداً لمدير تعليم المنطقة الشرقية آنذاك الشيخ عبدالعزيز التركي (شخصية تربوية كانت قد عملت في الأحساء ودرّست أبونهية في المدرسة الأميرية قبل أن يتزاملا في العمل الإداري بمدرسة الهفوف الأولى). وحينما صدر قرار في عام 1387 للهجرة بنقل الشيخ التركي إلى لندن لشغل وظيفة الملحق الثقافي بالسفارة السعودية هناك، آلت وظيفته السابقة إلى أبونهية الذي صار مديراً عاماً للتعليم بالمنطقة الشرقية مذاك وحتى عام 1397 للهجرة.

في سنة 1397 للهجرة (حوالى عام 1977م) تقدم بطلب للتقاعد من وظيفته، وكان قبل ذلك قد تقدم بطلبين مماثلين دون ان يُستجاب له لحاجة التعليم لخبرته. غير أن هذه المرة جاءته الموافقة بسبب سياسة جديدة أقرتها وزارة المعارف السعودية آنذاك تضمنت تعيين مدراء عامين للتعليم في كل من الرياض وجدة والدمام من حملة الدكتوراه. وهكذا ترك أبونهية وظيفته التربوية بعد مشوار امتد لـ32 عاماً، لخليفته سعيد عطية أبوعالي الغامدي، لكن دون أن يترك العمل الحكومي. إذ تمت إعارته من وزارة المعارف إلى هيئة الرقابة والتحقيق لمدة سنتين، وبعد انقضاء هاتين السنتين تعاقدت معه الهيئة مجدداً لمدة 3 سنوات انتهت بتركه العمل الوظيفي ليتفرغ لحياته الخاصة.

مكتبة التعاون الثقافية

لم يحصر أبونهية جهوده في الارتقاء بالتعليم فقط، وإنما كانت له مساهمات في مجالات أخرى، ومحاولات لخوض تجارب بعيدة عن التعليم، كما مارس عدداً من الهوايات المحببة لنفسه منذ الصغر. فالرجل الذي ظلت القراءة هواية ترافقه منذ الصغر سعى إلى نشرها بين مواطنيه، فقام بمشاركة ثلاثة من أصدقائه (عبدالمحسن المنقور وعبدالله الملا وإبراهيم الحسيني) بتأسيس أول مكتبة ثقافية بالمنطقة الشرقية في سوق القيصرية بالهفوف تحت اسم «مكتبة التعاون الثقافية»، وذلك في عام 1367 للهجرة، غير أن مشاغل الحياة فرقت المؤسسين وشغلتهم عن إدارة المكتبة باستثناء عبدالله الملا الذي تفرغ للمشروع وواصل الاهتمام به. وإذا كان مشروع المكتبة هو العمل التجاري الأول الذي خاضه صاحبنا، فإنه حاول بعده، وهو على رأس عمله التربوي، خوض تجارب تجارية أخرى على مدى 3 سنوات، دون أن يحقق نجاحاً يذكر، وهو ما جعله يقول إنه «من الصعب أن يتحول التربوي إلى تاجر ويتعايش مع مجتمع رجال الأعمال».

رجل الصحافة وأحد مؤسسي «اليوم»

على أن البصمة الكبرى التي تركها أبونهية، خارج نطاق بصماته التربوية، تمثلت بمساهمته في تأسيس دار اليوم للصحافة بالدمام، التي تبنت فكرتها مجموعة من رجالات المنطقة الشرقية وأعيانها بُعيد صدور مرسوم ملكي في 13 يناير 1964 بتأسيس المؤسسات الصحفية بديلاً عن صحافة الأفراد، حيث كان هو من ضمن المجموعة التي تقدمت بطلب تأسيس مؤسسة صحفية بالمنطقة الشرقية أسوة بمثيلاتها في غرب البلاد ووسطها، التي ضمت إضافة إليه كلاً من الشيخ حمد بن علي المبارك والشيخ عبدالعزيز التركي مدير تعليم المنطقة الشرقية، والدكتور طبيب عمر الزواوي، وقاضي قضاة الظهران الشيخ عثمان الحقيل، ورئيس بلدية الخبر الشيخ عبدالرحمن الشعوان، ورجل الأعمال عبدالكريم الخريجي، والشيخ علي الهديب، وأمير الخبر عبدالعزيز بن ماضي، والوجيه محمد عبدالعزيز الخزيم، والأستاذ فهمي يوسف البصراوي كبير مذيعي تلفزيون أرامكو، والأديب حسين عبدالرحمن خزندار. وحينما جاءت الموافقة من الجهات الرسمية سنة 1965 انعقدت الجمعية العمومية فتم انتخاب المبارك رئيساً لمجلس الإدارة، وأبونهية نائباً له، وعهدت رئاسة تحرير الصحيفة الوليدة إلى حسين خزندار بحكم خبرته الصحفية القديمة في صحافة الحجاز، وتولى مساعد الخريصي منصب مدير الإدارة.

ظل أبونهية يشغل منصب نائب رئيس مجلس إدارة مؤسسة اليوم لسنوات طويلة، وحينما توفي المبارك انتخب بديلاً له، لكنه آثر الاستقالة بعد فترة مع احتفاظه بموقعه عضواً في المجلس. وهكذا نرى أن الرجل عاصر البدايات الصعبة لولادة أولى جرائد المنطقة الشرقية في عهد المؤسسات، وشهد مخاض تحولها من صحيفة أسبوعية قليلة الصفحات والمواد إلى صحيفة نصف أسبوعية فإلى صحيفة يومية دسمة تضاهي غيرها من الصحف السعودية في الشكل والمحتوى.

يقول الأديب خليل إبراهيم الفزيع، رئيس نادي المنطقة الشرقية الأدبي سابقاً وأحد الذين تولوا رئاسة تحرير «اليوم»، في مقال له بجريدة اليوم (31/3/2012) أن أبونهية كان أحد كتاب الجريدة الأوائل، وأنه شكل مع حمد المبارك ومساعد الخريصي مثلث إنقاذ لها بعد أن شارفت على الانهيار على إثر تعثرها مالياً، وكادت أنْ تعلن إفلاسها وتغلق أبوابها في نهاية سبعينات القرن العشرين، لولا حكمة وعزيمة هؤلاء الرجال. وفي المقال نفسه تحدث الكاتب عن ذكرياته مع أبونهية فقال إنه كان يتمتع بنبل النفس وكرم الأخلاق، والهدوء والحكمة في معالجة الأمور، إلى جانب ثقافة تراثية واسعة، «فكان مجلسه لا يمل وحافلاً بأصدقائه من رواد الأدب والصحافة والتعليم».

في 29 مارس 2012 انتقل أبونهية إلى جوار ربه مخلفاً وراءه سيرة عطرة مليئة بالكفاح والعطاء، وتاريخاً من الإنجازات التربوية والصحفية، وثلاثة من البنين وخمساً من البنات. وبمناسبة وفاته تبارى محبوه وأصدقاؤه وتلامذته في رثائه بما يليق بشخصه. ومن جميل ما قرأت عنه كلمة نشرها الكاتب مطلق العنزي بجريدة اليوم (11/9/2015) جاء فيها (بتصرف): «رحم الله أبونهية، كان مربياً ومؤدباً ومتأدباً، بهي الوجه وعفيف اللسان، وقد أمد الله بعمره إلى أن أصبح نادراً غريباً في زماننا، وشهد بداية زمن ما كان يدور بخلده أن يشهده، لا يتصالح معه ولا يليق. أتذكره خفيض الكلام، لا تسمع في لسانه لغواً ولا لمزاً ولا تجريحاً أو تعريضاً، كأنما لو كان وحيداً، لا يمت بصلة لصخبنا وضوضائنا، وغضبنا ونفسياتنا الحادة المتأزمة المتحفزة».

Continue Reading

ثقافة وفن

سعوديتان.. ومصري وصومالي في معرض الاتجاهات الأربعة

تنطلق غدا (الاثنين) فعاليات معرض الاتجاهات الأربعة الذي ينظمه أتيليه جدة للفنون التشكيلية لأربعة فنانين من السعودية

تنطلق غدا (الاثنين) فعاليات معرض الاتجاهات الأربعة الذي ينظمه أتيليه جدة للفنون التشكيلية لأربعة فنانين من السعودية ومصر والصومال، وهم: حنان الحازمي، وجواهر السيد من السعودية، وعاطف أحمد من مصر، وعبدالعزيز بوبي من الصومال.

ووفقاً لمدير الاتيليه هشام قنديل، سيقدم كل فنان تجربته الخاصة واتجاهه الخاص الذي يميزه عن أقرانه من الفنانين.

وتقدم الفنانة جواهر السيد 10 لوحات تمثل آخر تجاربها، التي يقول عنها الناقد تحسين يقين: «إن ما يميزها هذا التواصل اللافت بين النساء والأطفال، فضلا عن تعبير الألوان عن المشاعر بذكاء واحتراف».

وأضاف: «على شاطئ جدة الجميلة، أطالت الفنانة تأملاتها النفسية والاجتماعية، لتعبر عن ذلك خطوطا وألوانا، تتجاوز بها مكانها، لتعبر عن حال الإنسان اليوم في هذا العالم ذي النزعة الفردية».

وتقدم الفنانة حنان الحازمي 10 لوحات بأحجام مختلفة تجمع بين التعبيرية والتجريدية، وستضع في هذا المعرض أقدامها بقوة في المشهد التشكيلي السعودي. وحول تجربتها، قال الناقد المصري الدكتور حسان صبحي: «اعتمدت الفنانة حنان الحازمي على طرق تحليلية خاصة في إبداع التركيبات الفنية واستخدام أقل عدد ممكن من المفردات والوسائط التعبيرية ذات الكثافة والثقل في تعبيراتها البصرية لطرح نموذج طليعي يضيف إلى الفنون البصرية ويعلي عادات الرؤية لدى المشاهد، وهو أحد الاتجاهات المهمة التي تم التأكيد عليها في الفنون البصرية». ولفت إلى أن تلك الأعمال امتلكت طاقة مسالمة تكتنزها عناصرها وبناؤها التصميمي المشبع بطاقات التعبير والتفكير المفاهيمي.

أما الفنان المصري عاطف أحمد فيقدم 10 لوحات بأسلوبه الخاص المتمرد (ميكس ميديا) تمثل أحدث إبداعاته.

وعن أعماله قال الناقد صلاح بيصار: «أعمال عاطف تنحاز إلى الجموع من الفلاحين الذين يشكلون ملحمة الأمل والعمل، يتتبعهم في خُطاهم بعمق الدلتا من الحقل والحرث والحصاد».

أما الصومالي عبدالعزيز بوبي فهو عضو الجمعية السعودية للفنون التشكيلية (جسفت)، وتتميز تجربته كما يقول الناقد الدكتور عصام عبدالله العسيري بالنضج اللوني التجريدي الثقافي البصري العام.

وبملاحظة مفردات لوحاته سنجد استعارة رسوم وكتابات أرقام وحروف وخطوط ورموز وألوان وإشارات بصرية، يقدمها في تكوينات جميلة وجريئة وبديعة، لها قيم جمالية ثقافية، كالجداريات والمصغرات بألوان جذابة.

Continue Reading

ثقافة وفن

بحضور وزير الثقافة.. «روائع الأوركسترا السعودية» تتألق في طوكيو

بحضور وزير الثقافة رئيس مجلس إدارة هيئة الموسيقى الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان، اختتمت هيئة الموسيقى حفلة «روائع

بحضور وزير الثقافة رئيس مجلس إدارة هيئة الموسيقى الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان، اختتمت هيئة الموسيقى حفلة «روائع الأوركسترا السعودية» في جولتها الخامسة بمسرح «طوكيو أوبرا سيتي» بالعاصمة اليابانية طوكيو، وذلك بمشاركة 100 موسيقي ومؤدٍ من الأوركسترا والكورال الوطني السعودي، وبحضور عدد من المسؤولين ورجال الأعمال والإعلام، وحضور جماهيري كبير.

وأشار الرئيس التنفيذي لهيئة الموسيقى باول باسيفيكو، في كلمة خلال الحفلة، إلى النجاحات الكبيرة التي حققتها المشاركات السابقة لروائع الأوركسترا السعودية في العواصم العالمية، عازيًا ما تحقق خلال حفلات روائع الأوركسترا السعودية إلى دعم وزير الثقافة رئيس مجلس إدارة هيئة الموسيقى.

وعدّ «روائع الأوركسترا السعودية» إحدى الخطوات التي تسهم في نقل التراث الغنائي السعودي وما يزخر به من تنوع إلى العالم عبر المشاركات الدولية المتعددة وبكوادر سعودية مؤهلة ومدربة على أعلى مستوى، مشيرًا إلى سعي الهيئة للارتقاء بالموسيقى السعودية نحو آفاق جديدة، ودورها في التبادل الثقافي، مما يسهم في تعزيز التواصل الإنساني، ومد جسور التفاهم بين شعوب العالم عبر الموسيقى.

وقد بدأت «الأوركسترا الإمبراطورية اليابانية – بوغاكو ريو أو» بأداء لموسيقى البلاط الإمبراطوري الياباني، وهي موسيقى عريقة في الثقافة اليابانية، توارثتها الأجيال منذ 1300 عام وحتى اليوم.

وأنهت الأوركسترا والكورال الوطني السعودي الفقرة الثانية من الحفلة بأداء مُتناغم لميدلي الإنمي باللحن السعودي، كما استفتحت الفقرة التالية بعزف موسيقى افتتاحية العلا من تأليف عمر خيرت.

وبتعاون احتفى بالثقافتين ومزج موسيقى الحضارتين اختتمت الحفلة بأداء مشترك للأوركسترا السعودية مع أكاديمية أوركسترا جامعة طوكيو للموسيقى والفنان الياباني هوتاي وبقيادة المايسترو هاني فرحات، عبر عدد من الأعمال الموسيقية بتوزيع محمد عشي ورامي باصحيح.

وتعد هذه الحفلة المحطة الخامسة لروائع الأوركسترا السعودية في العاصمة اليابانية طوكيو، بعد النجاحات التي حققتها في أربع محطات سابقة، كانت تتألق في كل جولة بدايةً من باريس بقاعة دو شاتليه، وعلى المسرح الوطني بمكسيكو سيتي، وعلى مسرح دار الأوبرا متروبوليتان في مركز لينكون بمدينة نيويورك، وفي لندن بمسرح سنترل هول وستمنستر.

وتعتزم هيئة الموسيقى استمرارية تقديم عروض حفلات “روائع الأوركسترا السعودية” في عدة محطات بهدف تعريف المجتمع العالمي بروائع الموسيقى السعودية، وتعزيزًا للتبادل الثقافي الدولي والتعاون المشترك لتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030 التي تتقاطع مع مستهدفات هيئة الموسيقى.

Continue Reading

ثقافة وفن

الشاعر علي عكور: مؤسف أن يتصدَّر المشهد الأدبي الأقل قيمة !

الحديث مع الشاعر علي عكور في الكتابة الإبداعية حديث ممتع، وممتدّ، له آراؤه الخاصة التي يتمثلها في كتابته الأدبية،

الحديث مع الشاعر علي عكور في الكتابة الإبداعية حديث ممتع، وممتدّ، له آراؤه الخاصة التي يتمثلها في كتابته الأدبية، يعتد كثيراً بتجربته، ويرى أنّه قادر على الاختلاف؛ لأنّ مفاهيمه للكتابة تتغيّر مع الوقت.

لم يولد -كما قال- وإلى جواره من يمتهن أو يحترف الكتابة، ولم يكن الوسط الذي نشأ فيه يُعنى كثيراً بالأدب أو الثقافة بعمومها، ما يتذكره علي أنّه في أواسط عقده الثاني وقع على نسخةٍ من كتاب (المنجد) للويس معلوف، لا يعلم كيف وصلت إليه هذه النسخة العتيقة من الكتاب، لكنه شُغِف بها وبالعوالم التي تَفَتَّحت أمامه في هذا المعجم.

وجد الشاعر علي عكور نفسه ينجذب كالممسوس إلى الأدب بكل ما فيه من سحر وغموض وجلال، لكنّ الشعر العربي أخذه حتى من ألف ليلة وليلة؛ الذي انجذب إلى الشعر المبثوث في ثنايا الكتاب أكثر من السرد رغم عجائبيته وسحره!

الكثير من رحلة الشاعر علي عكور مع الأدب والكتابة الإبداعية في هذا الحوار:

‏ • حدّثنا عن علاقتك بالشعر والأدب بشكل عام.. كيف بدأت؟

•• بدايةً أودّ القول، أنه لم يكن في محيطي من يمتهن أو يحترف الكتابة، ولم يكن الوسط الذي نشأتُ فيه يُعنى كثيراً بالأدب أو الثقافة بعمومها. أتذكر أنني في أواسط العقد الثاني من عمري وقعتُ على نسخةٍ من كتاب (المنجد) للويس معلوف. لست أعرف كيف وصلت إلينا هذه النسخة العتيقة من الكتاب، لكنني شُغِفتُ بها وبالعوالم التي تَفَتَّحت أمامي بعد الاطلاع على هذا المعجم. وشيئاً فشيئاً، وجدت أنني أنجذب كالممسوس إلى هذا العالم الرحب، بكل ما فيه من سحر وغموض وجلال. وأثناء تجوالي في عوالم الأدب أُخِذْتُ بالشعرِ العربي وبإيقاعيّة الجملة الشعرية فيه. حتى عندما وقع بين يديّ كتاب (ألف ليلة وليلة)، لم أنجذب إلى السرد رغم عجائبيته وسحره، بقدر ما انجذبتُ إلى الشعر المبثوث في ثنايا الكتاب. وأتذكر أنني كنت أتجاوز الصفحات وأقلّبها بحثاً عن بيتٍ أو بيتينِ من الشعر.

• لمن تدين بالفضل في الكتابة؟

•• أودّ أن أدين بالفضل إلى أحدٍ ما، لكنني حين أمَرّر بداياتي على الذاكرة، لا أتذكّر أحداً بذاته، آمن بي أو رأى في ما أقوم به بدايات واعدة لمشروع ما. كل ما هنالك أنني كنتُ أتلقى ثناءً عابراً إذا كتبتُ شيئاً جيداً. على أنني لا أقلّل من هذا الثناء، فقد كان ذا أثرٍ كبير في دافعيتي، وديمومة شغفي بالكتابة. هذا فيما يخص البدايات، أما الآن فأنا أدين بالفضل لأسرتي ولزوجتي خاصة، فهي داعم كبير لي على طول هذا الطريق، وتتحمل عن طيب خاطر الأعباء التي يُخلّفها انشغالي بالكتابة وهمومها.

• شاعر كان تأثيره كبيراً عليك.

•• لا يمكن تتبّع الأثر بسهولة في هذا الشأن؛ لأنه غالباً يكونُ قارّاً في اللاوعي. لكن إذا كان السياب يرى أنه تأثر بأبي تمام والشاعرة الإنجليزية إديث سيتول وأنه مزيج منهما، فأنا أرى أنني تأثرت كثيراً بسعدي يوسف ومحمود درويش، وأشعر أنهما يلتقيان بطريقة ما، في الكثرة الكاثرة مما أكتب.

• كيف للشاعر أن يكتب قصيدته وفق رهان المستقبل وليس للحظة التي يعيش فيها؟

•• في الغالب لا توجد كتابة لا يمكن تجاوزها. وما يُعبّر عنك الآن قد تجد أنه لا يُعبّر عنك غداً. أعتقد أن الرهان الحقيقي هو أن نكتب شيئاً يستطيع أن يصمد أمام عجلة الزمن. ربما إحدى الحيل التي يمكن أن نمارسها هي أن نكتب نصوصاً أكثر تجريداً وانعتاقاً من قيود الزمان والمكان، وأن نتخفّف من الكتابة تحت تأثير اللحظة الراهنة والحدث المُعاش.

• الملاحظ أنّ هناك إصدارات متشابهة في الشعر والقصة لشعراء وكتاب قصّة، وإن تعددت عناوينها، لكنّ التجربة لم تختلف.. ما تأثير هذا على الإبداع والقارئ كذلك؟

•• صحيح، هذا أمر ملاحظ. هناك من يصدر عشرة دواوين، وعند قراءتها لا تجد اختلافاً بينها، لا من حيث الثيمات ولا من حيث طريقة التناول، لتفاجأ أن هذه الدواوين العشرة هي في الحقيقة ديوان واحد طويل. الكاتب أو الشاعر الذي لا يتجدد يخاطر بمقروئيته ويخسر رهانه الشخصي. إما أن تقول شيئاً جديداً أو شيئاً مألوفاً بطريقة جديدة، لكن لا تقل الشيء نفسه بالطريقة نفسها، حتى لا تعطي فكرة أنك لا تأخذ مشروعك بما يستحق من جدية واهتمام.

• تنادي بأهمية تصدّر الأدب الجاد والأصيل المنصات.. أولاً: من يحدد ماهية الأدب الجاد؟ ثانياً: هل المرحلة تساعد في أن يتصدّر الأدب أيّاً كان المنصات التي كثرت وكثر مستخدموها والمؤثرون فيها؟

•• النقّاد والقرّاء النوعيّون، هم من يحددون ماهيّة الأدب الجاد ويُعلون من قيمته. مؤسف أن يتصدر المشهد الأدبي الأقل قيمة، بينما يبقى الأدب الأصيل في الهامش. في الأخير نحن مسؤولون عن تصدير ثقافتنا، وما نتداوله ونجعل له الصدارة في منصاتنا ومشهدنا، هو ما سيُعبّر عنّا وسيكون عنواننا في النهاية. وبالتالي لنا أن نتساءل بصدق: هل ما صُدِّرَ ويُصَدّر الآن، يُعبّر عن حقيقة وواقع الأدب والثقافة في بلادنا؟

• لديك مشكلة مع المألوف والسائد، وتطالب بسيادة الأدب الفريد والمختلف.. هل لدينا اليوم ذائقة خاصة يمكنها إشباع الذائقة العامة؟

•• يمكن الاتفاق في البدء أن تغيير شروط الكتابة هو في المقابل تغيير لشروط التلقي، وأن كل كتابة أصيلة ومختلفة ستصنع قارئاً مختلفاً. كل كتابة جادّة ستصنع قارئها، وهذا هو الرهان الحقيقي. أما المألوف والسائد فإنّ القارئ مصابٌ بتخمة منه. كل كتابة في المألوف والسائد هي ابنٌ بارٌّ للذاكرة لا للمخيّلة؛ الذاكرة بوصفها مستودعاً لكل ما قرَّ واستقرّ فيها وأخذ مكانه المكين. والمخيّلة بوصفها انفتاحاً على المتجدّد واللانهائي.

• ماذا يعني لك فوزك بالمركز الأول في مسابقة التأليف المسرحي في مسار الشعر؟ وماذا تعني لك كتابة الشعر المسرحي؟

•• سعدت كثيراً بالفوز، سيما أن المسرحية تتحدث عن شخصية أحبها كثيراً: شخصية ابن عربي؛ تلك الشخصية التي عشت معها طيلة ثلاثة أشهر (وهي مدة كتابة العمل)، تجربة روحية وروحانية بالغة الرهافة، فقد استدعت الكتابة عن ابن عربي، العودة إلى قراءة سيرته وأجزاء من أعماله التي حملت جوهر فكره وعمق تجربته الصوفية. وبالانتقال إلى الجزء الثاني من السؤال، أقول إن كتابة الشعر المسرحي عمّقت من مفهومي للشعر وإيماني به وبقدرته على التحرك في مناطق جديدة، يمكن استثمارها على نحو جيد ومثرٍ، إذا ما تعاملنا معها بجدية.

• أما زلت تبحث عن دار نشر تطبع لك ديوانك الجديد دون مقابل مادي تدفعه؟

•• استطعت التواصل مع أكثر من دار، وقد رحبوا بالديوان والتعاون من أجله. لا ضير في كون دور النشر تبحث عن الربح، فهذا من حقها، وهذه هي طبيعة عملها. كل ما أنادي به أن تكون هناك جهة حكومية تشرف عليها وزارة الثقافة، تقوم بطبع الأعمال الجادة التي تعبّر عن حقيقة الأدب السعودي وواقعه.

• جاسم الصحيح قال عنك إنك لست شاعراً عابراً، وإنما شاعر ذو موهبة كبرى تتجاوز المألوف والسائد.. ماذا تعني لك هذه الشهادة؟•• جاسم اسم كبير في المشهد الثقافي وتجربة مرجعية في الشعرية العربية الحديثة، وأن تأتي الشهادة من قامة كقامة جاسم الصحيح لا شك أنها شهادة تدعو للابتهاج والنشوة، إضافة إلى ما تلقيه عليّ من عبء ومسؤولية كبيرة.

• كيف يكون المؤلف الجاد والرصين رأس مال لدور النشر؟

•• تمهيداً للإجابة عن السؤال، لا بد من القول إن الرساميل الرمزية أحياناً تكون أهم وأكثر مردوداً من القيمة المادية. بالنسبة لدور النشر، يُعد الكاتب الجاد رأس مال رمزياً مهمّاً؛ لأنه يبني لها سمعة في الوسط الثقافي. إذا أرادت دور النشر أن تستثمر في سمعتها، فإن أسرع طريقة هي استقطاب كتاب أصحاب مشاريع جادة، مقابل أن تطبع لهم بمبالغ رمزية على الأقل.

• كتبتَ الشعر بأشكاله الثلاثة ومع ذلك ما زلت ترى أنّ الوزن ليس شيئاً جوهرياً في القصيدة.. ما البديل من وجهة نظرك؟

•• نعم الوزن ليس شيئاً جوهريّاً في الشعر. ونحن حين نقول الوزن نقصد بطبيعة الحال الأوزان التي أقرها الخليل بن أحمد. الحقيقة أن الأوزان جزء من الإيقاع، أو بمعنى آخر، هي إحدى إمكانات الإيقاع وليس الإمكانية الوحيدة، وما دامت إحدى تجليات الإيقاع وليس التجلي الوحيد، فمعنى ذلك أن الإيقاع أعم وأشمل وأقدم. وعليه فإن الإيقاع هو الجوهري وليس الوزن. والإيقاع يمكن أن يتحقق في قصيدة النثر مثلاً، عبر حركة الأصوات داخل الجملة الشعرية. وهناك حادثة دالة وكاشفة أنهم حتى في القديم كانوا يدركون أن الشعر بما فيه من إيقاع يوجد أيضاً خارج أوزان الخليل، إذ يُروى أن عبدالرحمن بن حسان بن ثابت دخل على أبيه وهو يبكي، وكان حينها طفلاً، فقال له: ما يبكيك؟ فقال: لسعني طائر، فقال: صفه، فقال: كأنه ملتف في بردي حبرة. فصاح حسان: قال ابني الشعر ورب الكعبة. هذه القصة المروية في كتب الأدب تكشف بجلاء أن الشعر أوسع من مجرد الوزن والتفاعيل.

• أنت تقول: لا شيء يسعدني ككتابة الشعر الجيّد.. ما مواصفات الشعر الجيّد؟

•• لا أملك ولا يحق لي ربما الحديث عن الشعر الجيد بإطلاق؛ لأن في هذا ادعاءً كبيراً، لكن يمكن الحديث عما أراه أنا أنه شعر جيد؛ أي في حدود رؤيتي فقط. كل شاعر يكتب الشعر بناءً على ما يعتقد أنه شعر، وعليه فإن الشعر الجيد -كما أراه- خرق لنمطية اللغة وبحث جاد عن اللامرئي في المرئي، ومن مواصفات النص الجيد أن يتقاطع فيه الفكري بالوجداني، وأن يكون نتاج الحالة البرزخية بين الوعي واللاوعي. طبعاً إضافة إلى ضرورة أن يتخلص من المقولات السابقة، وأن يعمل في تضاد مع الذاكرة والثقافة؛ لأنهما يفرضان السائد والمألوف وكل ما هو قارّ في الذهن.

• العودة الملاحظة للشذرات كتابة وطباعة.. إلام تعيدها؟

•• الشذرة في رأيي هي رأس الشعرية. حَشْد كل هذا العالم بمستوياته وتناقضاته ورؤاه في بضع كلمات أمر بالغ الصعوبة على مستوى التكنيك، لكنه مثير وممتع حين تدخله كمساحة للتجريب وتحدي إمكانياتك. أيضاً جزء من اهتمامي بالشذرة يعود إلى افتتاني بالمشهدية وتأمل الفضاءات البصرية واستنطاقها. إضافةً إلى ما في الشذرة من تداخل أجناسي يزيدها ثراءً وغنى. وعلى مستوى آخر أعتقد أن الشذرة بحجمها وبنيتها أكثر تمثيلاً لحياتنا المعاصرة التي أشبه ما تكون بلقطات متتابعة ومنفصلة في فضاء بصري، يجمعها سياق عام. وأخيراً لا أنسى أن منصة (إكس) بما كانت تفرضه من قيود تقنية قد أسست لتجربتي في الكتابة الشذرية وصقلتها.

• الشاعر أحمد السيد عطيف اختلف معك في شكل القصيدة، ورأى أنّ الشكل لا يجعل الكلام جميلاً ومؤثراً.. فيما ترى أنت أنّ الكتابة على نمط القصيدة القديمة تقليد وليس إبداعاً.. هل المشكلة في الشّكل أم في أشياء أخرى؟

•• نعم، كان الحديث في هذه الجزئية عن القصيدة العمودية، وعن كتابتها بصياغة تقليدية مغرقة في القدامة. النقد الحديث على عكس القديم، لا يفصل بين الشكل والمضمون، ولكتابة نص حديث لا بد من تحديث الشكل؛ لأننا لا يمكن أن نتحدث عن مضمون ما بمعزل عن الشكل، إذ إن الشكل يخلق مضمونه أيضاً. طبعاً لا أقصد بتحديث الشكل استبدال القصيدة العمودية بشكل آخر، بل أقصد التحديث من داخل الشكل نفسه. تجديد الصياغة وتحديث الجملة الشعرية ذاتها لتكون قادرة على التعبير عن الرؤى الجديدة.

• لماذا ترى أنّ كتابة قصيدة النثر أصعب من كتابة قصيدة عمودية أو تفعيلة؟

•• السبب في رأيي أن النص العمودي والنص التفعيلي لديهما قوالب إيقاعية جاهزة تجعل من مهمة الخلق الشعري مهمة أقل صعوبة. بينما في قصيدة النثر أنت تعمل في منطقة أقرب ما تكون إلى الشكل الهلامي. قصيدة النثر ملامحها أقل حدة ووضوحاً من الشكلين السابقين، وعليه فإن كتابتها تحمل صعوبة أكبر؛ لأن لكل نصٍّ قالبه الخاص الذي عليك أن تخلقه من العدم.

• كيف يمكن للشاعر أن يكون رائعاً؟

•• يكون كذلك إذا كان أصيلاً؛ أي معبراً عن صوته الخاص، ولحظته الراهنة، ومنغمساً بالكامل في تفاصيل عالمه، طبعاً دون أن يفقد قدرته على الاتصال بالوجود والكون.

• النصوص القصيرة التفعيلية التي كتبتها وترغب في نشرها مرفقة برسوم إبداعية.. ماذا عنها؟

•• هي أربعون نصّاً، تحمل خلاصة تجربتي في كتابة الشذرة الشعرية، وهو تنويعٌ على تجربتي الشعرية عموماً. تعاونت في هذا المشروع مع الرسامة السورية القديرة راما الدقاق. والعمل الآن في مرحلته الأخيرة، وسيُنشر خلال الشهرين القادمين.

Continue Reading

Trending

جميع الحقوق محفوظة لدى أخبار السعودية © 2022 .