أجمع مشاركون على نجاح معرض الرياض الدولي للكتاب 2022 في تحقيق أهدافه وفق الخطة المرسومة، فالمعرض الأكبر والأقوى شرائيًا أزاح القطيعة بين الإنتاج المعرفي الشرعي، والفكري، والفني، وأنهى الانفصام بين الواقعية والفانتازيا، وأهدى ثماره الكلمات لنجومه (القُرّاء)، وجمع الناشرين بالمؤلفين بعشاق المعرفة، في واجهة الرياض على مدى عشرة أيام ليطوي غدًا بساط التداول والتفاعل مودعًا بأطيب ذكريات.
ضيوف: معرض الرياض رقم صعب فاق التوقعات
ثمّن الشاعر اللبناني شوقي بزيع، الدعوة لحضور معرض كتاب الرياض، الذي سمع عنه كثيرًا؛ قبل أن يرى أثناء مشاركته ما أبهجه من تكامل بين صناعة النشر، والفعاليات المصاحبة، وإقبال الشبان والفتيات على شراء الكتب الورقية، وقال بزيع: المعرض يعبر عن ما بلغته المملكة من نهضة شاملة، والانخراط في العصر، مشيرًا إلى الحضور الملفت في الندوات والأمسيات، متطلعًا لمزيد من القفزات الحضارية للمملكة.
وعدَّ الشاعر المغربي مراد القادري، الحضور والمشاركة في معرض الكتاب ذكرى أثيرة في الوجدان، والسيرة الذاتية، بحكم ما يجده الضيف من عناية واهتمام، وما يستشعره من حميمية تواصل وتفاعل من النخب ومن القراء، موضحًا أنه شارك في ندوة الجوائز مقدمًا لورقة عن (أول جائزة توقّعُ لصاحبِها جوازَ العبُور الرمزي نحو عالم الضوءِ طالعًا من حُدُود الظلّ والعتمة). وأسهم بورقة في ندوة (هل المؤسسات الثقافية الحكومية تشجع العمل الثقافي أم تقيّده؟). وربط الموضوع بأفق السياسات الثقافية، ودورها في تعزيز الهوية الوطنية وتثمين التنوع الثقافي ودعم التعبيرات والصناعات الإبداعية وتأمين حق الفرد والجماعة في الولوج إلى الثقافة. فيما أبدى الشاعر المصري سامح محجوب دهشة بالمعرض الذي فاق التوقعات، وقال: التقدم وبعث الروح القومية للشعوب يبدأ وينتهي بالوعي والمعرفة، وهذا ما ترجمته المملكة العربية السعودية ترجمة مبينة بمعرضها الدولي للكتاب الذي فاق كل توقعاتي تنظيمًا وإدارةً وثراءً ثقافيًا وفنيًا وفكريًا عبر أكثر من 200 فاعلية ثقافية وفنية وفكرية كانت كفيلة أن تعكس بوضوح وجلاء الروح الجديدة التي تنبعث من كل ركن بالمملكة، ولست مبالغًا إذا قلت إن معرض الرياض الدولي للكتاب بهذه الطفرة النوعية التي حققها فى دورته الحالية، من فهم عميق لمغزى وقيمة ودور الثقافة في الإعلان عن الشخصية الوطنية للإنسان، سوف يصبح رقمًا يصعب تجاوزه بين المعارض الدولية للكتاب.
بالناشرين كان البدء
عقد مؤتمر الناشرين الدولي أعماله المقامة على هامش معرض الرياض الدولي للكتاب لعام 2022، وتناول أبرز التحديات المؤثرة في صناعة النشر، وكيفية توفير أفضل المواد التعليمية والأعمال الأكاديمية للمعلمين والمتعلمين والمكتبات، وتعامل دور النشر المتخصصة، مع المتغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الجديدة، في ظل المتغيرات التي أحدثتها تبعات جائحة كورونا في المجتمعات، والاتجاهات المختلفة في النشر التربوي، وأن التطور على الصعيد التقني يتطلب تجهيز الطفل لاستيعاب التطور المستقبلي، وقدم المؤتمر ثلاث ورش عمل عن وظيفة الوكيل الأدبي، وتشجيع محترفي صناعة الكتاب السعوديين، إضافة إلى ورشة تمثّلت في مقابلة مع أحد الكتّاب العالميين.
المكتبة التونسية فصل من فصول ثقافة المملكة
أوضحت ممثلة المكتبة الوطنية التونسية بمعرض الرياض الدولي للكتاب 2022 سهام بن مبروك، أن المعرض فرصة جميلة لترويج ونشر الثقافة التونسية، وتشابك وتلاقح الحضارات والمعارف، وتأصيل الروابط الأخوية والثقافية بين المملكة والجمهورية التونسية، مشيرة إلى أن هذه العلاقات ممتدة منذ الأزل. وأكدت أن الأدب السعودي يصل إلى تونس عبر الكتب ومواقع التواصل الاجتماعي، فالسعودية رائدة في الكتابة الأدبية، وتحتوي على قامات في الأدب والثقافة وعدد كبير من المؤلفين والقصصيين والأدباء غنيين عن التعريف وفي وشتى المجالات الفكرية، والعلمية، والدينية، والتاريخية. وأوضحت أن «كتاب الرياض» باب للتعارف والانفتاح وتبادل الخبرات بين الثقافتين، مشيرة إلى حسن تنظيم المعرض وتوفر الخدمات وسبل العناية، مفيدةً أن المكتبة الوطنية التونسية مكتبة عصرية مرقمنة تحوي متحفًا افتراضيًا افتتح أخيرًا. ومن أهم مشاريع المكتبة «الأذن تقرأ»، و«قاعة المكفوفين- لبرايل»، وأيضًا «نواة الأطفال»، كما أتاحت للجميع الرصيد المرقمن للقراء وسهولة التعامل مع الفهارس. وبينت أن هناك تعاونًا بين المكتبة التونسية وعدد من المكتبات السعودية؛ كمكتبة الملك فهد الوطنية ومكتبة الملك عبدالعزيز ومشروع الفهرس العربي الموحد وعدد من المؤسسات الأخرى، متعشمة في عقد المزيد من الشركات والتعاون لتبادل الكتب والمنشورات الخاصة بين المكتبات في المملكة وتونس.
الفلسفة وسؤال لماذا ندرس تاريخها؟
كان للفلسفة وعشاقها ودارسيها حضور مبهج في معرض الكتاب، وقدم طالب دراسات عليا في قسم الفلسفة بجامعة ميونيخ الوليد عادل السقاف، ورقة في معرض الكتاب موضحًا فيها أن أي طالب جامعي في سنته الأولى في كلية الطب أو العلوم في الغالب لن يحدثه أحد عن تاريخ تخصصه. ولن يدرس نظريات جالينوس والرازي الطبية، ولا آراء أرسطو وابن رشد الفيزيائية. إلا أن الإجراء يختلف في أقسام الفلسفة، فلماذا يعطي الفلاسفة وطلاب الفلسفة هذا الاهتمام الخاص لتاريخها؟ لم لا ندرس الفلسفة ومشكلاتها مباشرة بدل من تاريخ الفلسفة؟ ويرى السقاف أهمية السؤال وحاجة طرحه في هذه المرحلة المبكرة من الاهتمام الفلسفي في المملكة، كونه سؤالًا محددًا لشكل وطبيعة تواجدها مستقبلًا. وأورد ثلاث ذرائع للإعراض عن تاريخ الفلسفة، كون دراسة الفلسفة المعاصرة تكفي عنه، وكونه مضادًا لروح الفلسفة الباحثة، كالعلوم الطبيعية عن الحقيقة، لذا يجب النظر في المشكلات مباشرة دون التاريخ، ولأن التاريخ يسجن طلابه في تصورات ومشكلات قديمة لا تعبر بالضرورة عن مشكلات العصر، ونقض الذرائع ببيان عدم كفاية الفلسفة المعاصرة، واختلاف طبيعة التطور العلمي والفلسفي، لذا لا تشبه الفلسفة العلم الطبيعي في جميع الوجوه، كون تاريخ الفلسفة محررًا من سجن التصورات المعاصرة، ومساحة رحبة لإعادة النظر في الجديد والمعاصر ومعاملته نقديًا، مؤكدًا أهمية دراسة تاريخ الفلسفة، على أن تكون في المقام الأول فلسفية، تعتني بأفكار الفلاسفة، وحججهم، وبفحص قوة وضعف هذه الحجج مع اختبار صحتها المنطقية، وصدق مقدماتها.
هيئة الطهي حاضرة بالسليق العالمي
حضرت في معرض الكتاب عروض الطهي الحية عبر وصفات مميزة قدمها عدد من الطهاة المحليين والعالميين، وتواصلت الفعاليات المتزامنة مع ساعات نشاط المعرض. ونجح الشيف عبدالله الشريدة في تقديم طبق «السليق» بطريقة مغايرة، مع المحافظة على هوية الأكلة من النكهات والمكونات. وقال الشريدة: إن تطوير المطبخ السعودي وتعديله يتمثّلان في التقديم الأحدث مع المحافظة على النكهة، وتوفير الكميات الكبيرة وعدم الهدر وحفظ النعمة، وإدخال طرائق مبتكَرة لتفادي الهدر، مع الاستمتاع بالمذاق الأصلي للأكلات الشعبية السعودية، مشيرًا إلى أن الأكل السعودي يجب ألا يكون حكرًا على المطاعم الشعبية، بل يجب أن يقدم بطرق معاصرة قابلة للتداول عالميًا.
ارتحال الموسيقى من الجزيرة العربية إلى أفريقيا بالفتوحات
لم تغب الفعاليات الموسيقية نظريًا وتطبيقيًا، فمن الندوات التفاعلية ندوة «ارتحال مقامات موسيقية من الجزيرة العربية إلى شمال أفريقيا»، وناقشت كيفية انتقال المقامات الموسيقية من الجزيرة العربية إلى أفريقيا، من خلال الفتوحات الإسلامية؛ إذ كانت السبب الرئيسي لتمددها من تونس إلى شمال أفريقيا ثم إلى الأندلس، فيما جاء مقام البياتي على رأس القائمة التي ارتحلت مع العرب، إضافة إلى هجرة رائد الموسيقى أبو الحسن علي بن نافع الموصلي الشهير بـ«زرياب» من بغداد إلى الأندلس التي أسهمت بارتحال الموسيقى والمقامات بأشكال مختلفة، ما أثرى المضمون الثقافي، كون الموسيقى تتأقلم مع المحيط أو البيئة الحاضنة لها، وتحافظ على إيقاعها الخاص، ليظل الاختلاف في التطبيق وليس في كتابة المقام.
عمر خيرت يقدِّم أعذب مقطوعاته في جامعة نورة
ضمن فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب ٢٠٢٢، استضاف مسرح جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن، الفنان عمر خيرت ليقدم طائفة من أعذب موسيقاه، التصويرية، ومن أعماله المشارِكة في المناسبات المصرية والعالمية وموسيقى الأفلام، ومنها: موسيقى باليه «العرافة والعطور والساحرة» لفرقة الباليه الكندية، وموسيقى عرض بانوراما العبور القصيد السيمفوني، والموسيقى الرابسودية العربية، ومقطوعات موسيقية لمهرجان قرطاج في تونس، وأوبريت روح أكتوبر، ومقطوعة موسيقية في مهرجان جرش في الأردن، وأوبريت تل العمارنة، وموسيقى افتتاح دورة الألعاب العربية في القاهرة، وموسيقى احتفالية تسليم رئاسة الاتحاد الأوروبي من سلوفانيا إلى فرنسا، إضافة إلى مجموعة من معزوفاته القديمة وألحانه التي عزفها في القرن الماضي، وأحدث أعماله التي عُرضت في المسلسلات والحفلات والمهرجانات الغنائية الحديثة. يُذكر أن الفنان خيرت عُرف بعزف وتأليف المقطوعات الطويلة، ونال عدداً من الجوائز، ومنها «أوسكار السينما المصرية» المقدَّمة من جمعية فن السينما المصرية عام 2005.