أكد نجم المنتخب الفلسطيني، في تصريحات صحفية حديثة، أن حالة الانضباط العالية والالتزام التام داخل المعسكر التدريبي هي السر الحقيقي وراء الطفرة النوعية في أداء "الفدائي" وتفوقه في الاستحقاقات الأخيرة. وأشار اللاعب حمدي إلى أن الروح الجماعية التي تسود بين اللاعبين، بالإضافة إلى الالتزام بتعليمات الجهاز الفني، شكلت حجر الزاوية في بناء فريق قوي قادر على مقارعة كبار القارة الآسيوية، موضحاً أن الموهبة وحدها لم تعد تكفي في عالم كرة القدم الحديثة دون وجود نظام صارم وانضباط تكتيكي وسلوكي.

ويأتي هذا التصريح في وقت يشهد فيه المنتخب الفلسطيني تطوراً ملحوظاً على الصعيدين الفني والبدني، وهو ما ظهر جلياً في مشاركاته الدولية الأخيرة. فبالنظر إلى السياق العام، لم يكن طريق المنتخب الفلسطيني مفروشاً بالورود؛ حيث واجه "الفدائي" تحديات لوجستية ونفسية هائلة نتيجة الظروف السياسية الصعبة وتقييد الحركة، مما جعل من مجرد تجميع اللاعبين وإقامة المعسكرات إنجازاً بحد ذاته. ومع ذلك، نجح المنتخب في تحويل هذه المعيقات إلى دافع قوي للإنجاز، مسطراً تاريخاً جديداً بتأهله المتكرر لنهائيات كأس آسيا ووصوله إلى أدوار متقدمة، مما يعكس نضجاً كروياً وتطوراً في العقلية الاحترافية للاعبين.

ولا تقتصر أهمية هذا الانضباط والتفوق على الجانب الرياضي فحسب، بل تتعداه لتشمل أبعاداً وطنية ومعنوية عميقة. فنجاح المنتخب الفلسطيني يمثل رسالة صمود وأمل للشعب الفلسطيني، ويعزز من الحضور الفلسطيني في المحافل الدولية. إن ظهور المنتخب بصورة مشرفة يساهم في تسليط الضوء على القضية الفلسطينية من بوابة الرياضة، ويثبت للعالم أن الإرادة الفلسطينية قادرة على الإبداع رغم كل المعيقات. محلياً، يعتبر هذا التألق مصدراً للفرح والوحدة الوطنية، حيث تلتف الجماهير الفلسطينية في الداخل والشتات حول فريقها الوطني.

وعلى الصعيد الإقليمي والدولي، بات المنتخب الفلسطيني رقماً صعباً يحسب له حساب في تصفيات كأس العالم وكأس آسيا. إن التركيز على الانضباط الذي تحدث عنه حمدي يعكس وعياً متزايداً بمتطلبات الاحتراف، وهو ما يبشر بمستقبل واعد للكرة الفلسطينية. ومع استمرار هذا النهج، يتوقع المحللون أن يواصل الفدائي تسلق سلم التصنيف الدولي للفيفا، مما يفتح الباب أمام احتراف المزيد من اللاعبين الفلسطينيين في دوريات قوية، ويعزز من فرص المنتخب في المنافسة الجدية على بطاقات التأهل للبطولات العالمية الكبرى في المستقبل القريب.

في أجواء تملؤها الروح الرياضية والتحدي، شدد إيهاب أبو جزر، المدير الفني للمنتخب الفلسطيني، على الأهمية الكبرى للمواجهة المرتقبة التي ستجمع منتخب بلاده بنظيره المنتخب السعودي ضمن منافسات بطولة كأس العرب. وأكد أبو جزر أن اللقاء يحمل طابعاً خاصاً نظراً لقيمة المنافس ومكانته المرموقة في خارطة كرة القدم الآسيوية والعربية.

احترام لتاريخ الأخضر المونديالي

وخلال المؤتمر الصحفي الذي سبق المباراة رقم 33 في البطولة، أشاد المدرب الفلسطيني بالتاريخ العريق للمنتخب السعودي، واصفاً إياه بالمنتخب الكبير والمميز. وأشار إلى أن «الأخضر» لا يمثل مجرد منافس في الملعب، بل هو مدرسة كروية تمتلك إرثاً مونديالياً حافلاً وحضوراً قارياً قوياً لا يستهان به. ويأتي هذا التصريح استناداً إلى الحقائق التاريخية التي تضع المنتخب السعودي في مقدمة المنتخبات الآسيوية الأكثر وصولاً لنهائيات كأس العالم، بالإضافة إلى تحقيقه لقب كأس آسيا ثلاث مرات، مما يجعله عقبة صعبة واختباراً حقيقياً لأي فريق يواجهه.

مسيرة التحدي والطموح الفلسطيني

وتطرق أبو جزر إلى مسيرة المنتخب الفلسطيني في البطولة، مباركاً للجماهير الفلسطينية التأهل الذي جاء ثمرة سنوات من العمل الشاق والتخطيط. وأوضح أن المجموعة التي خاض فيها «الفدائي» المنافسات لم تكن سهلة على الإطلاق، مستدلاً بتأهلهم رفقة المنتخب السوري القوي، مما يعكس تطور الكرة الفلسطينية وقدرتها على مقارعة الكبار. وأضاف: «نحن نحب العرب ونقدّر المنتخب السعودي كثيراً، ونسأل الله أن نكون قادرين على تجاوز هذه العقبة»، مؤكداً أن الطموح لا يتوقف عند المشاركة بل يتعداه إلى الرغبة في الفوز والعبور للدور التالي.

كرة القدم كرسالة هوية وصمود

وفي سياق أعمق من مجرد التنافس الرياضي، أكد مدرب فلسطين أن بطولة كأس العرب تشكل نافذة حيوية لإيصال صوت الشعب الفلسطيني للعالم. وقال بكلمات مؤثرة: «كأس العرب بالنسبة لنا نافذة نُظهر من خلالها هويتنا وقضيتنا وآلام شعبنا وكل ما يحدث في فلسطين». وتعتبر المشاركات الدولية للمنتخب الفلسطيني دائماً فرصة لترسيخ الهوية الوطنية ورفع العلم الفلسطيني في المحافل الدولية، حيث يرى اللاعبون والجهاز الفني أن كل دقيقة في الملعب هي نضال رياضي لرفع اسم بلادهم عالياً.

الجاهزية الفنية والتركيز العالي

وعن الجوانب الفنية، أوضح أبو جزر أن قائمة الـ 23 لاعباً تم اختيارها بعناية فائقة وفق رؤية فنية واضحة، مشيراً إلى أن وصول هؤلاء اللاعبين لهذه المرحلة لم يأتِ من فراغ بل نتيجة جهد ومثابرة. وختم حديثه بالتأكيد على أن الفريق يتعامل مع المباراة القادمة بتركيز عالٍ جداً وباعتبارها مباراة مصيرية، قائلاً: «هدفنا واضح… الثلاث نقاط، مع كامل الاحترام للمنتخب السعودي الشقيق».

في قصة تجسد أسمى معاني الصمود والإرادة، كشف المدير الفني للمنتخب الفلسطيني، إيهاب أبو جزر، عن المصدر الحقيقي لقوته وإلهامه خلال قيادته لكتيبة "الفدائي" نحو تحقيق إنجاز تاريخي غير مسبوق ببلوغ ربع نهائي كأس العرب لكرة القدم في الدوحة. لم يكن هذا المصدر سوى والدته، التي تدير معه النقاشات الفنية والتكتيكية من داخل خيمة نزوح في قطاع غزة.

نصائح فنية من قلب المعاناة

يروي أبو جزر (45 عاماً) تفاصيل مؤثرة عن تواصله مع والدته، هدى محمود أبو جزر (62 عاماً)، التي تقيم حالياً في مخيم المواصي بالقرب من خان يونس جنوبي قطاع غزة. ورغم قسوة الظروف، تؤكد الوالدة في اتصالاتها الهاتفية على ضرورة التركيز التام على البطولة، حيث يقول إيهاب: "لا تتحدث معي عن شيء سوى عن المنتخب، فهي تريد أن يبقى التركيز محصوراً بشأن البطولة".

ولا تكتفي الوالدة بالدعم المعنوي، بل تخوض في تفاصيل فنية دقيقة، حيث يسرد المدرب: "تسألني الوالدة عن اللاعبين، من سيلعب أساسياً ومن سيغيب، وعن التكتيك ومعنويات الشباب والظروف المحيطة بهم". هذا الاهتمام يعكس شغفاً قديماً، حيث أشارت "أم إيهاب" إلى أن ابنها بدأ مسيرته في فريق صغير برفح، قبل أن ينتقل للضفة الغربية لتحقيق حلمه الكروي الذي أصبح اليوم فخراً لكل فلسطيني.

الرياضة الفلسطينية.. رسالة حياة رغم الألم

يأتي هذا الإنجاز الرياضي في سياق تاريخي وسياسي بالغ التعقيد، حيث تواجه الرياضة الفلسطينية تحديات لا مثيل لها عالمياً. فمنذ عقود، يعاني اللاعبون والمدربون من قيود الحركة والتنقل بين المدن الفلسطينية وخارجها، فضلاً عن تدمير البنية التحتية الرياضية بشكل متكرر. ومع ذلك، لطالما اعتبر الفلسطينيون كرة القدم وسيلة فعالة لإيصال صوتهم إلى العالم، وتأكيداً على هويتهم الوطنية وحقهم في الحياة.

ويكتسب وصول المنتخب الفلسطيني إلى ربع نهائي كأس العرب أهمية مضاعفة في ظل الظروف الراهنة؛ إذ يتجاوز كونه إنجازاً رياضياً ليصبح رسالة صمود مدوية. هذا التألق يعيد الأمل ويرسم البسمة على وجوه الملايين، وهو ما أكدته والدة المدرب بقولها: "كل المخيم هنا صرخ وهلل لحظة فوز منتخب فلسطين وعلت أصوات الزغاريد، أعادوا لنا فرحة كنا قد نسيناها بغزة".

جينات عدم الاستسلام

لم يخفِ أبو جزر، الذي تولى المهمة أواخر عام 2024، حجم المأساة الشخصية التي يعيشها، مشيراً إلى أن منزله ومنزل عائلته قد سويت بالأرض. وقال بمرارة: "بيتي هُدم، وبيوت أهلي هُدمت، البيت الذي بنيناه طوبة طوبة هدم، كان بيت العمر".

ورغم أن عائلته تعيش في خيمة وتكابد العناء لتوفير الوقود للمولد الكهربائي لمشاهدة المباريات، إلا أن هذه المعاناة تحولت إلى وقود للمنافسة. ويختم أبو جزر حديثه بكلمات تعبر عن الروح الفلسطينية: "هذه الظروف تدفعنا للقتال على أرض الملعب لآخر نفس.. نحن نمتلك جينات عدم الاستسلام، وإذا رضخنا فإن قضيتنا ستذوب. نمتلك من الإصرار ما يكفي لنقف مجدداً".