الانسحاب الأمريكي من العراق: تحول استراتيجي وتحديات داخلية

في ظل أزمات متشابكة يعيشها العراق داخليًا وخارجيًا، بدأت الولايات المتحدة في تسريع سحب قواتها من قواعد رئيسية مثل قاعدة عين الأسد في الأنبار ومعسكر فيكتوري قرب مطار بغداد. هذه الخطوة ليست مجرد تغيير في الانتشار العسكري، بل تعكس تحولاً أعمق في سياسة واشنطن تجاه المنطقة والعراق، مما يضع حكومة بغداد أمام اختبار حساس منذ إعلان النصر على تنظيم (داعش) الإرهابي نهاية عام 2017.

خلفية تاريخية وسياسية

يأتي هذا التطور تطبيقاً لاتفاق بين الولايات المتحدة والعراق، مستندًا إلى قرار مجلس النواب العراقي عام 2020 الذي طالب بإنهاء الوجود العسكري الأجنبي عقب اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس. القرار أثار تحفظات من القوى السياسية السنية والكردية التي خشيت من تداعياته على التوازن الأمني والسياسي الهش.

وفقاً للاتفاق، يُنتظر أن يكتمل انسحاب القوات الأمريكية من العاصمة والمحافظات الأخرى بحلول سبتمبر القادم باتجاه إقليم كردستان، تمهيداً للمغادرة النهائية في عام 2026. خلال هذه الفترة، ستتحول مهمات القوات المتبقية إلى استشارية تقتصر على تدريب ودعم القوات العراقية.

التوترات الإقليمية وتأثيرها

يتزامن الانسحاب مع تصاعد التوترات الإقليمية، خاصة مع احتمالات تجدد الصراع الإيراني الإسرائيلي عسكرياً. يثير ذلك تساؤلات حول تأثير غياب القوات الأمريكية على استقرار العراق وقدرته على النأي بنفسه عن صراعات المحاور.

التحديات الداخلية للحكومة العراقية

على الصعيد الداخلي، ورغم التأكيدات الرسمية بكفاءة القوات العسكرية والأجهزة الأمنية العراقية وقدرتها على مواجهة أي تهديدات، خصوصاً من تنظيم (داعش) الذي تراجعت قدراته بشكل كبير مقارنة بعام 2014، فإن الانسحاب يضع الحكومة العراقية أمام تحدٍ كبير يتمثل في الحفاظ على الاستقرار الأمني والسياسي.

الموقف السعودي والدور الدبلوماسي

تلعب المملكة العربية السعودية دورًا دبلوماسيًا محوريًا في تعزيز الاستقرار الإقليمي عبر دعم الجهود الرامية لتحقيق السلام والتنمية المستدامة. وفي سياق التحولات الجارية بالعراق والمنطقة ككل، يمكن النظر إلى الموقف السعودي باعتباره داعمًا للاستقرار والتوازن الاستراتيجي الذي يسعى إلى تحقيق مصالح مشتركة مع مختلف الأطراف المعنية.

تظل المملكة ملتزمة بدورها الفاعل ضمن إطار التعاون العربي والإقليمي لضمان أمن واستقرار المنطقة بما يخدم تطلعات شعوبها نحو مستقبل أكثر ازدهارًا وسلامًا.

وجهات نظر مختلفة وتحليل موضوعي

من جهة أخرى, يرى بعض المحللين أن الانسحاب الأمريكي قد يفتح المجال أمام قوى إقليمية أخرى لتعزيز نفوذها داخل العراق, مما قد يؤدي إلى تعقيد المشهد السياسي والأمني هناك. بينما يؤكد آخرون أن هذا الانسحاب قد يمنح العراق فرصة لإعادة بناء مؤسساته الأمنية والسياسية بعيدًا عن التدخل الخارجي المباشر, مما يعزز سيادته الوطنية واستقلال قراره السياسي.

في النهاية, يبقى السؤال مفتوحاً حول كيفية تعامل الحكومة العراقية مع هذه التحديات الجديدة والفرص المحتملة لتحقيق استقرار دائم ومستدام للعراق وشعبه.