Connect with us

ثقافة وفن

أوطان تنتمي لنا أوطان ننتمي لها

في لحظة من تلك اللحظات التي تتقاطع فيها القراءة مع الذاكرة، كنت أستعرض فصول رواية 9 مارس للكاتب والمهندس الإرتري

في لحظة من تلك اللحظات التي تتقاطع فيها القراءة مع الذاكرة، كنت أستعرض فصول رواية 9 مارس للكاتب والمهندس الإرتري العفري محمود شامي، حتى وقفت عند الفصل الثالث، الموسوم بعذوبة: «أوطان تنتمي إلينا، وأخرى ننتمي إليها». عنوان يتقاطع مع أسئلة الهوية والمنفى والانتماء، وتبدأ معه رحلة الغوص في ذاكرة البطلة رحمة، التي يلازمها تاريخ التاسع من مارس كما يلازم الظل صاحبه، كوشم لا يُمحى، كقدر.

‏ليست رواية 9 مارس مجرّد سرد لأحداث تاريخية، بل هي رحلة في تضاريس النفس البشرية، حكاية منفى وحنين، ونضال يتخلله رجاء لا ينطفئ. هي رواية الوطن البعيد الحاضر في الوجدان، حيث تبقى برعصولي كل العشق لوالد رحمة، وعصب الحياة لوالدتها، وتظل إرتريا تسكن أعماق البطلة، تلاحقها حتى ليالي المطر الباردة في بريطانيا، علّها تحظى يومًا بربيع مارسي جديد.

‏يشدك الغلاف، ويثير عنوان الرواية تساؤلات في ذهن القارئ والقارئة: لماذا هذا التاريخ بالذات؟ سرعان ما تكشف الرواية عن أثر التاسع من مارس، الذي يتردد صداه في وجدان البطلة، فيعيد تشكيل محطات حياتها، كما لو أنه لغز يتكرر، ويدفعها إلى خوض عواصف الحياة بكل تقلباتها، عبر سردٍ شفيف، ولغة تنبض بحميمية الأماكن والذكريات، لتغدو الرواية شهادة وجدانية على ذاكرة جماعية، وإنسانية عميقة لا تنسى.

‏لم يكن اختيار الكاتب محمود شامي لعنوان روايته (9 مارس) محض صدفة، بل هو استدعاء لتاريخ حافل بالنضال والتضحيات، تاريخ يشكّل نقطة تحوّل فارقة في مسيرة التحرر الإريتري. التاسع من مارس عام 1977، في إقليم دنكاليا وتحديدًا في مدينة برعصولي الواقعة شمال عصب في دولة إرتريا، هو التاريخ الذي ينسحب صداه على جسد الرواية وشخوصها، وعلى ذاكرة البطلة رحمة التي لا تنفصل عن هذا اليوم كوشمٍ قدره أن يبقى نابضًا.

‏يحلق بنا الكاتب عبر شخوص الرواية وتسلسل الأحداث إلى عوالم التاريخ والجغرافيا، والحنين والتضحية من أجل المحبوب، والانكسار والنهوض من الخيبات وطعنات القدر، ويعيد تكوين الإنسان في منطقة القرن الأفريقي. شخصية رحمة، بطلة الرواية، تنتمي إلى برعصولي في دنكاليا، ذلك الإقليم الساحلي الذي يفيض بالشعر وأهازيج البحارة، حيث البحر لا يعني الهروب فقط، بل الأمل أيضًا، وحيث تتردد نداءات الحياة من بين الأمواج والأغاني الشعبية.

‏ومن هناك، من ذاكرة البحر والمكان، تبدأ رحلة المنفى القسري، حين تهاجر رحمة مع أهلها من برعصولي إلى اليمن، ثم إلى جيبوتي. في كل محطة، تترك الأرض أثرها في الروح، وتترك الذاكرة علامات لا تُمحى. ليست الهجرة هنا جغرافيا فقط، بل عبور داخلي مؤلم بين وطنٍ يُنتزع بالقوة، وآخر يُبنى بالحنين.

أخبار ذات صلة

‏تفتح الرواية أبوابًا على قلق الهوية والانتماء، وتطرح أسئلتها على لسان شخصيات تتنقل بين أوطان شتى: بغداد، جيبوتي، السودان، وهران، هرجيسا… في كل مدينة صوت، ولكل صوت نبرة الحنين الخاصة. في تاجورا وجيبوتي العاصمة، تصغي الرواية للهجات متنوعة، تعكس امتداد الهوية الجيبوتية بروافدها العفرية والصومالية والعربية، حتى تغدو الرواية سجلًا حيًا لتعدد التكوين الاجتماعي والثقافي في بلدان القرن الأفريقي.

‏وقد وفقت القاصة والرسامة عائشة رفة نور في لوحة الغلاف، التي تجسّد بطائرٍ يخرج من جسد الإنسان، ليحلّق في فضاء المنافي، في استعارة مرئية عميقة لحياة منفى لا تخلو من الأمل، حيث يعبر الطائر عن النبض الداخلي، عن صوتٍ صامت يصرّ على البقاء.

‏وسط هذا الحكي، ينبض إقليم دنكاليا، لا كمكان جغرافي فقط، بل كرمزٍ حيّ للذاكرة والهوية. هناك، على شواطئه، تهمس أهازيج البحّارة، وتروى حكايات البحر والانتظار. وهناك، في صخور هذا الساحل، دفنت الأيام بقايا أولى الجماجم الإنسانية المعروفة، كـ«لوسي»، لتشير الرواية إلى عمق جذور هذه الأرض، وكأنها تريد أن تقول إن المنفى ليس مجرد فَقد، بل امتداد لوجود بدأ منذ أقدم الأزمنة.

‏رحمة وأهلها ليسوا فقط أبطالًا لحكاية معاصرة، بل يمثلون بأوجاعهم وأحلامهم ذلك الامتداد الإنساني العميق لأرض ما تزال، رغم كل الصعوبات، تفيض بالحياة والكرامة. إن رواية التاسع من مارس ليست فقط عن إرتريا، بل عن الإنسان الذي يُقتلع، ثم يعيد بناء نفسه من رماد الغياب، عن أرض تُنسى قسرًا ولكن لا تُمحى من الوجدان.

‏وتقف الرواية أيضًا على تخوم بلد عربي أفريقي كجيبوتي، حيث تتقاطع اللغات والثقافات عند بوابة البحر الأحمر. العربية، رغم منافسة الفرنسية التي ترسّخت إداريًا وتعليميًا منذ ما يزيد على 160 عامًا، لا تزال نابضة في الوجدان الشعبي والروحي للمجتمع الجيبوتي. أما اللغات المحلية، كالعفرية والصومالية، فهي ليست فقط أدوات تواصل، بل حُفر في ذاكرة الأرض، وجذور لهوية جماعية غنية، تنعكس على تفاصيل الشخصيات في الرواية.

9 مارس إذًا، ليست فقط عنوانًا لزمن مضى، بل نافذة تُفتح على أسئلة لم تغلق بعد، عن المنفى، عن الهوية، عن ما تبقى من الوطن في قلوب من عبروا البحر بحثًا عن ضوء بعيد. رواية تمسك بيد القارئ والقارئة، وتأخذهما إلى هناك… حيث لا يزال البحر يغني للذين لم يعودوا، وحيث تظل الذاكرة، رغم كل شيء، هي الوطن الحقيقي.

Continue Reading

ثقافة وفن

قُصور العَسابِلة في النماص.. تجربة تراثية من قمم السروات

في قمم جبال السروات، وضمن لوحة طبيعية آسرة، تقف «قصور العسابلة» بمحافظة النماص شامخةً كشاهد حيّ على إرثٍ معماري

في قمم جبال السروات، وضمن لوحة طبيعية آسرة، تقف «قصور العسابلة» بمحافظة النماص شامخةً كشاهد حيّ على إرثٍ معماري وتاريخي عريق، يعود لقرون مضت، يجسّد فيه أصالة الإنسان في هذا الجزء من الوطن، وعمق انتمائه لأرضه، وحفاظه على موروثه الحضاري.

تتميّز هذه القصور ببنائها المحكم، القائم على مواد محلية، كالحجر والجص وأخشاب العرعر، وهي موزعة على شكل مجموعة من المباني المتجاورة، التي تشكّل قرية تراثية مترابطة، تعكس أسلوب الحياة القديم للعائلات والأسر.

وتتزين القصور بنقوش جدارية وزخارف تراثية، بأسلوب فطري مُفعم بالألوان والتفاصيل الرمزية.

ورغم قِدم المباني، إلا أن صمودها وتماسكها يُبرز حِرفية المعمار المحلي التقليدي، ويجعلها موقعاً بالغ الأهمية في خارطة التراث الوطني. لتأتي هذه القيمة ضمن مستهدفات برنامج «إحياء التراث» ضمن رؤية المملكة 2030، التي تسعى للحفاظ على الهوية الوطنية، واستثمار المواقع التاريخية، كمراكز إشعاع ثقافي وسياحي.

أخبار ذات صلة

ومع قرب انطلاق موسم الصيف في عسير، تعود هذه القصور إلى الواجهة، باعتبارها إحدى المحطات المهمة في رحلة استكشاف الإنسان للمكان، حيث يتزايد اهتمام الزوار الباحثين عن تجارب تراثية أصيلة، تدمج بين الطبيعة والتاريخ. كما تُمثل «قصور العسابلة» فرصة لتعزيز السياحة الثقافية في المملكة، من خلال تهيئتها للزيارات التعليمية، والفعاليات المجتمعية، والمعارض الفنية، التي تُبرز حياة الأجداد.

كما تعد ذاكرة حية تروي فصولاً من قصة المكان والإنسان، وتُجسّد في صمتها المهيب حواراً ممتداً بين الماضي والحاضر.

ومع تزايد العناية الرسمية بالأصالة والتراث، تبقى هذه القصور رمزاً لعراقة النماص، وأيقونة يمكن أن تُصبح نموذجاً لتجارب سياحية تراثية ملهمة في عموم مناطق المملكة.

Continue Reading

ثقافة وفن

سحب الجنسية الكويتية من الإعلامي شعيب راشد

أصدرت اللجنة العليا لتحقيق الجنسية الكويتية قراراً بسحب الجنسية من الإعلامي شعيب راشد سالم فلاح فدغوش الهاجري،

أصدرت اللجنة العليا لتحقيق الجنسية الكويتية قراراً بسحب الجنسية من الإعلامي شعيب راشد سالم فلاح فدغوش الهاجري، والتي كان قد اكتسبها بالتبعية لوالده، وفقاً لما نقله حساب «شبكة الكويت» على منصة «إكس».

يأتي هذا القرار استناداً إلى قرار مجلس الوزراء الكويتي رقم 634 لسنة 2025، والقاضي بسحب شهادة الجنسية من والد شعيب راشد، راشد سالم فلاح فدغوش الهاجري، ومن كل من اكتسبها عنه بطريق التبعية.

أخبار ذات صلة

Continue Reading

ثقافة وفن

وزير مصري يكتشف بالصدفة محاولة تنقيب عن الآثار في قصر ثقافة الطفل

في واقعة مثيرة، اكتشف وزير الثقافة المصري الدكتور أحمد هنو مخالفة جسيمة تمثلت في قيام شركة منفذة لأعمال ترميم

في واقعة مثيرة، اكتشف وزير الثقافة المصري الدكتور أحمد هنو مخالفة جسيمة تمثلت في قيام شركة منفذة لأعمال ترميم ورفع كفاءة بقصر ثقافة الطفل بالأقصر بالحفر خلسة لمسافة عدة أمتار داخل إحدى الغرف بشقة تابعة للقصر، فيما يشتبه أنه بغرض التنقيب عن الآثار، وذلك في ظل غياب تام للقائمين على الموقع من فرع الثقافة والإقليم التابع للهيئة، وذلك وفق بيان رسمي صادر عن الوزارة.

جاء ذلك خلال جولة لوزير الثقافة لمحافظات الصعيد لافتتاح قصر ثقافة أخميم بمحافظة سوهاج، وتفقد قصر ثقافة الأقصر وبيت ثقافة الطفل بمدينة الأقصر الذي يخضع حالياً لأعمال ترميم ورفع كفاءة ضمن خطة تطوير البنية التحتية للمنشآت الثقافية التابعة للهيئة العامة لقصور الثقافة.

وخلال جولته التفقدية، رصد الوزير الحالة السيئة التي عليها المبنيان، بما لا يتسق مع طبيعة الأعمال المفترض تنفيذها، فضلاً عن وجود قصور شديد في الإشراف، وغياب شبه تام للمتابعة من قبل الجهات المسؤولة بالموقعين.

أخبار ذات صلة

وعلى إثر ذلك، وجّه وزير الثقافة المصري بإحالة كل من رئيس إقليم جنوب الصعيد الثقافي السابق، والمدير العام الحالي للإقليم، ومدير فرع الأقصر، وعدد من مسؤولي الإدارة الهندسية، والمكتب الفني، والصيانة، إلى جانب مديري قصر ثقافة الأقصر وبيت ثقافة الطفل، ومسؤول الأمن بفرع الأقصر إلى التحقيق الفوري، واتخاذ ما يلزم من إجراءات إدارية وقانونية.

وأكد الوزير أن الأمر يخضع حالياً لتحقيقات النيابة العامة بالأقصر، مشدداً على أن مثل هذه الممارسات تسيء إلى الجهود المبذولة لتطوير البنية الثقافية، وتمثل إهداراً للمال العام، وأن الوزارة لن تتهاون في محاسبة أي صور للتقصير أو الإهمال، ومواصلة المتابعة الميدانية للمشاريع الثقافية كافة، حفاظاً على المال العام، وضماناً لتحقيق أعلى درجات الكفاءة والانضباط في التنفيذ.

Continue Reading

Trending

جميع الحقوق محفوظة لدى أخبار السعودية © 2022 .