في ليلة لم تكن كغيرها وبالرغم من صخب الأهازيج الجماهيرية الكبيرة من عشاق الأهلي الذين اكتُظت بهم مدرجات معلب «الإنماء» بجدة عقب فوزهم ببطولة كأس دوري أبطال آسيا للنخبة، تغنت الجماهير الغفيرة مع نجم فريق الأهلي الكابتن علي مجرشي بالطبق الشعبي «المرسة» الذي تشتهر به منطقة جازان، مشيدين بالمستويات الكبيرة التي قدمها خلال البطولة بأهزوجة «يا مجرشي نبغى مرسة»، وبادلهم مجرشي بالوعد بتقديم طبق المرسة بمناسبة الفوز بكأس دوي أبطال آسيا للنخبة.

وقال الكابتن علي مجرشي في تصريح إن الكثير من زملائه اللاعبين أُعجبوا عند تناولهم طبق «المرسة» التي قدمها لهم، وأشار إلى أن وجبة «المرسة» الجازانية لها تحضير خاص تنفرد به في المنزل، وتختلف عن التي يتم تقديمها في المطاعم.

وتُعدّ وجبة «المرسة» من أشهر أكلات منطقة جازان وأطباقها الشعبية اليومية، إذ لا تكاد تخلو المائدة الجازانية من هذا الطبق وخصوصاً في مناسبات إكرام الضيوف أو مناسبات الأفراح، أو الوجبات شبه اليومية لأهالي المنطقة، وتتكون «المرسة» من الدقيق الأبيض أو الدخن أو الحنطة، يُضاف إليه الموز البلدي ثم يُهرس معه، ليُضاف بعد ذلك السمن والعسل المنتجان محلياً.

ألقى الخروج الآسيوي للعملاقين (النصر والهلال) بظلال ثقيلة على المشهد الرياضي السعودي، كاشفاً تبايناً واضحاً في إدارة الأزمة واتصال الأندية بجماهيرها. فعلى الرغم من وحدة الألم في النتيجة، اختلفت المعالجة؛ إذ نجح الهلال في امتصاص الصدمة سريعاً من خلال قرار فوري بإقالة المدرب، وفتح باب التفاوض مع مدربين عالميين، ما أعاد ترميم الجسر النفسي مع جماهيره، واحتوى موجة الغضب في مهدها، خصوصاً عبر منصات التواصل الاجتماعي مثل «إكس».

في المقابل، عجز النصر عن تهدئة جماهيره، رغم بيان اعتذار من المدير التنفيذي ماجد الجمعان، تضمن وعوداً بإعادة البناء ومنحه فرصة حتى نهاية فترة الانتقالات الصيفية. إلا أن الاعتذار بدا غير كافٍ، بل مكشوف من ناحية التوقيت والصياغة، ما زاد من حدة الغضب، في ظل صمت إداري غير مبرر حول مستقبل الجهاز الفني، وتجاهل لأثر الخروج على مشروع النادي الكروي والاستثماري.

ومع اقتراب مواجهة قوية أمام الاتحاد المتصدر تتفاقم حالة الاحتقان النصراوي، وسط مؤشرات على تراجع الثقة بين الجماهير والإدارة، نتيجة ضعف الاتصال، وغياب الوضوح، وفشل التعامل مع اللحظة الحرجة بما يليق بحجم التطلعات. وبينما يخطو الهلال بثقة نحو إعادة بناء مشروعه الفني، يبدو النصر عالقاً في حلقة من الصمت والتبرير، ما ينذر بتداعيات أعمق قد تمتد إلى علاقة الجماهير بمشروع النادي، إذا لم تُتخذ قرارات تصحيحية أكثر شجاعة وشفافية في القريب العاجل.

في ظل الزخم الرياضي المتصاعد في المملكة، ومع كل بطولة كبرى تتصدّر المشهد، تعود أزمة السوق السوداء لتذاكر المباريات إلى الواجهة، كأحد أبرز التحديات التي تُؤرق المشجعين، وتُربك المنظّمين، وتُظهر أن التقنية وحدها لا تكفي حين يغيب الضبط ويُستغل الشغف.

خلال بطولة نخبة آسيا التي استضافتها جدة أخيرا، ظهرت عشرات الحالات التي تم فيها طرح التذاكر بأسعار رمزية ثم إعادة بيعها عبر وسطاء بأسعار تجاوزت 200 ضعف قيمتها الأصلية، في مشهد استغلال فجّ لفئة كبيرة من الجماهير، لا سيما البسطاء ومحدودي الدخل، الذين وجدوا أنفسهم خارج المدرجات رغم حماسهم وولائهم وحقهم في التواجد.

اختراق الثقة

أكد الخبير التقني عبدالله الناصر أن السوق السوداء باتت تعتمد على ثغرات سلوكية أكثر من كونها تقنية، قائلاً: «المنصات الرقمية المعتمدة فعالة من حيث البنية، لكن غياب التوثيق الحقيقي لهوية المستخدمين، وتكرار شراء التذاكر دون حدود، يفتح بابًا لسماسرة يتحايلون على النظام». وأضاف: «الحل يبدأ من ربط كل تذكرة بهوية وطنية رقمية غير قابلة للتحويل، واستخدام بصمة الوجه أو رمز تحقق لمرة واحدة عند الدخول، ما يُنهي ظاهرة إعادة البيع غير المشروع».

غير مشروع

من جهته، أوضح الخبير الاقتصادي عيد العيد، أن ما يحدث يُعد نوعًا من الاحتكار والاستغلال، قائلاً: «السوق السوداء لا تضر الاقتصاد الكلي فقط، بل تضرب قيمة العدالة الاجتماعية في الرياضة، حين يُحرم البسيط من حضور ناديه، ويُباع الكرسي في المدرج بمئات الريالات لمن يستطيع الدفع لا من يستحق الوجود». وأشار إلى أن الحل ليس فقط تقنيًا، بل يحتاج إلى تنظيم صارم وشفافية في الطرح، قائلاً: «يجب تسعير التذاكر بشكل متدرج وعادل، وتحديد كميات للشراء، ومراقبة أي عمليات إعادة بيع، ومحاسبة الممارسات الاحتكارية وفق لائحة الجرائم الإلكترونية والتجارية».

الشراء العادل

في المقابل، ناشد عدد من الجماهير بتفعيل أنظمة «الشراء العادل» التي تضمن وصول التذاكر إلى الفئات المستهدفة بسعرها الأصلي، وتقنين أي عمليات تحويل أو استرداد بشكل صارم يحد من التلاعب، كما طالبوا بإطلاق تطبيق موحد حكومي يرتبط بهوية المشجع ويمنع التداول غير المشروع.