Connect with us

ثقافة وفن

«سيرة» تدير لوهجها الأعناق

ذبابة في الحساء.. وأنا أهم بقراءة كتاب بعنوان «ذبابة في الحساء»، للشاعر الأمريكي من أصول صربية تشارلز سيميك، والترجمة

ذبابة في الحساء

.. وأنا أهم بقراءة كتاب بعنوان «ذبابة في الحساء»، للشاعر الأمريكي من أصول صربية تشارلز سيميك، والترجمة للشاعرة المصرية إيمان مرسال، تأملت قليلا الغلاف وصورة الغلاف وهي على أي حال صورة ذات دلالات عميقة ودافئة، صورة مؤثثة بالبراءة والحنين.. حدقت في الكتاب جيدا، تفحصته برفق كدأب من يشتري لؤلؤا عندنا في «الجزيرة»، تأكدت من عدد صفحاته (أكثر من 300 صفحة)، ومستعينا بما يسمى «القراءة التمشيطية» رحت أجس فقط آفاق هذه السيرة، لأتعرف ملامحها الأولى، ولأتأكد من جمال لغة المترجمة التي سكبت في إنائنا العربي أنين هذا الرجل الذي كان يتساءل هكذا: «هل كان العالم حقا رماديا؟» وهو الذي كان في ذكرياته المبكرة يرى العالم دائما وكأنه في أواخر الخريف.. فجأة وجدت نفسي أسبح في قطرة، ثم اتسعت هذه القطرة لأجدني مستدرجا لتلبية نداء النص هذا الذي يشبه نداء الماء عندنا نحن أهل البحر حيث مرح الشط وغواية الأعماق… سيميك الذي غادر بلجراد الحزينة عنوة، يتحدث هنا عن ضراوة الحرب وشراسة القصف وفجائع الطفولة، عن أمه التي كانت تهمس إليه وهو طفل: «لا تنظر إليهم»، بينما الألمان يقفون في الزاوية، لكنه نظر إليهم وحين ابتسم له أحدهم، لسبب ما شعر بالهلع.. عن أبيه الذي حين اعتقله رجال الجستابو ظل يطلق «النكات» كما هي عادته في كل وضع قاتم، عن منزل العائله الذي أضحى مستباحا إذ يدخل غرفه كل من هب ودب ممن جاءوا لشراء أطباق لم تعد ذات جدوى أو حذاء قديم في حالة جيدة أو بدلة كانت صالحة ذات يوم لمتعة السهر.. على مضض ارتضوا تلك الإهانات الموجعة حين اضطرهم الجوع إلى مقايضة مقتنيات ثمينة بقطعة لحم لخنزير أو دجاجة أو رغيف… أيضا تحدث سيميك عن عذابات التشرد والتهجير والمطاردات، عن الخوف والموت والكتابة، عن فداحة الغربة، عن وجهها القبيح وأنفاسها الكريهة التي جعلته يطلق عاليا هذه العبارة العميقة: «بدا لي شخصيا إن كونك لا أحد أكثر إثارة من أن تكون شخصا ما».. وعن ذلك الخراب الهائل الذي يطاول الأبنية والنفوس معا، عن قمع الدولة البوليسية، وإهانة الإنسان في بلدان تصدح بقيم التحضر والحرية وحقوق الإنسان فيما ترتعد أطرافها من كلمة «مهاجر» مثلا، ولا تتورع عن تركيع الغريب هذا المتهم دائما بأنه يهجس بأعمال تثير الريبة، فيما تضطره للوقوف في طوابير طويلة مضنية للتأكد من أنه يحمل أوراقا تثبت إنه ليس خطرا على النسمة في الحدائق والغيم في السماء والورد في الآنية.

بقي أن أقول إن لسيميك أعمالا شعرية هاجرت إلى العربية، منها «فندق الأرق» بحبر المترجم أحمد شافعي، و«العودة إلى مكان مضاء بكوب حليب» التي اختارها وترجمها المبدع سامر أبوهواش.

المصابة بمرض اسمه الكتابة

الكاتبة المجرية أغوتا كريستوف التي ارتحلت إلى سويسرا بسبب الحرب كما ارتحلت إلى منفى لغوي جديد هو اللغة الفرنسية، لها في لغتنا العربية سبعة كتب، ست روايات هي: «الدفتر الكبير» روايتها الأولى التي ترجمت إلى أكثر من أربعين لغة في العالم، و«أمس» الرواية الجميلة التي قرأتها منذ سنوات مترجمة بحبر المترجم الرائع بسام حجار، و«سيان»، و«البرهان»، «الكذبة الثالثة»، «وأينك يا ماتياس؟».. فرغت للتو من قراءة سيرتها الجميلة المقتضبة التي من أبرز صفاتها التحرر من غواية الثرثرة وشهوة الكلام (إذ جاءت في ٦٤ صفحة فقط).. في هذه السيرة التي بعنوان «الأمية» تتحدث أغوتا عن طفولة مليئة في قرية صغيرة مؤثثة بالحقول، وعن ميل مبكر للحكي والسرد منذ تلك السنوات القليلة الغضة، عن شغف القراءة (كانت تجيد القراءة وعمرها أربع سنوات، لقد كانت مصابة بمرض اسمه القراءة – حسب قولها – إذ تلتهم كل ما تقع عليه يداها أو عيناها من صحف وكتب وقصاصات ملقاة على الطريق )، عن الأسرة وشتاتها المرير بين المعتقل والمنفى، عن أب أصبح معتقلا وهو الذي كان المعلم الوحيد في تلك القرية الصغيرة إذ يضخ النور والدفء، فيما يقوم بتعليم جميع الفصول في قاعة كبيرة واحدة، وأم بعد حياة هانئة قصيرة تربي الأطفال والأمل وتعتني بزراعة الخضراوات في فناء البيت وجدت نفسها فجأة بثوب رث وحذاء مهترئ تعمل في مصنع كريه وكل مهمتها في الحياة تختصر في تعبئة السم في الآنية، عن تلك المدرسة الداخلية الصارمة التي تشبه ثكنة عسكرية أو إصلاحية أو ديرا حيث تعيش وتدرس تلك الفتاة التي اسمها «أغوتا» وهي بكامل أشواقها وأحلامها المهترئة مثل حذاء تركته عند الإسكافي زمنا لأنها لا تملك الثمن، فيما تمارضت عنوة كيلا تذهب إلى قاعة الدرس حافية في عز البرد والريح والمطر، عن الفقر والبؤس والجوع والطعام الردئ، عن ضراوة الحرب وقسوة المنفى والارتحال الممض من لغة إلى أخرى ومن ثقافة إلى سواها، وإعادة رحلة التعلم في سويسرا من البدايات الأولى حيث الإحساس بوطأة أمية من نوع آخر وهي تعيش في مجتمع جديد وحياة جديدة ولغة أخرى غير تلك التي تعلمتها وكتبت بها بضع قصائد في بلدها المجر وألقت بها خلف ظهرها فيما بعد حين شقت لها طريقا جديدا رائعا في السرد، عن العمل وتحديدا قسوة العمل في مصانع الساعات السويسرية الأمر الذي جعلها تتمنى العودة إلى بلدها وتمضي عامين في السجن – مدة عقوبتها – على البقاء عشرين عاما في هذا الجحيم السويسري.. هذه السيرة المترجمة بحبر الأنيق محمد آيت حنا والصادرة عن «دار الجمل» مكتوبة بلغة رشيقة، بسيطة، ومتقشفة، وبعبارات قصيرة مليئة كما هي عادتها في جل كتاباتها السردية..

شهادة امرأة المناجم

في التسعينات تعرفت على عالم هذه السيدة «دوميتيلا شانغارا» التي أعجب ببسالتها الكاتب المبدع إدواردو غاليانو، وذلك حين رآها تخطب في تجمع عمالي مشيرة إلى إن العدو الرئيس للشعب البوليفي ليس الإمبريالية ولا البيروقراطية إنما هو «الخوف الذي يقبع في أعماقنا»… تعرفت على عالمها عبر كتابها الشهير «دعوني أتكلم» الذي ترجمته سمية فلو وصدر عن سلسلة «ذاكرة الشعوب» في بيروت.. وهو بإيجاز شهادة امرأة من المناجم البوليفية، وقفت بشجاعة ضد الطغيان والاستغلال وأوصلت صوتها إلى منابر الأمم المتحدة… في هذا الكتاب تروي هذه السيدة المناضلة – وهي ربة بيت وزوجة عامل في مناجم القصدير وأم لستة أطفال – مآسي العمال الذين يتم استغلال عرقهم وكدحهم من مرفهين لا يعملون ولا يتعبون أبدا فيما هم يزدادون فقرا ومرضا وأنينا، وهي هنا تشير إلى حفنة من الجنرالات الذين لا يتقنون سوى صناعة الانقلابات واستلاب الناس.. ما أذكره جيدا هو إن هذا الكتاب كان يطير من يد إلى أخرى، وثمة من كان ينتظر دوره بشغف، في زمن كانت الكتب الجميلة لدينا عزيزة ونادرة والحصول عليها كان صعب المنال.

رائحة الجوافة

من الكتب الممتعة التي غمرتني بظلالها الوارفة كتاب «رائحة الجوافة»، قبل أيام عدت إليه بشوق كبير كمن يود أن يتفقد أحوال أصدقائه القدامى، قرأته للمرة الثانية بذات الوهج والشغف والمحبة، الكتاب – الصادر عن «أزمنة» – يتضمن حوارًا طويلاً شيقا أجراه مع الروائي الكولومبي غابريل غارثيا ماركيز صديقه النحات بيلينيو مندوزا وترجمه فكري محمود بحبر عربي مبين… باختصار شديد هو كتاب ممتع، يتحدث فيه ماركيز عن تفاصيل صغيرة جميلة في حياته بدءًا من طفولته المليئة حيث البيت العائلي الكبير الشهير بكثرة الغرف، الغرف التي تتنزه فيها ليلا أشباح من رحلوا ومن غابوا وهو يستشعر هنالك أنفاسهم وخطاهم وغواياتهم، عن جده الكولونيل الذي كان يصطحبه لرؤية الثلج ويحكي له الحكايات العجيبة الأولى تلك التي ترقى لمستوى الأساطير التي ألقت – فيما بعد – بظلالها على العديد من رواياته ومنحت تجربته السردية نفسا مختلفا عما سواها، مرورًا بنضارة الشباب ومعاركه مع الحياة العسيرة التي حاول ترويضها، واشتغاله بالصحافة والكتابة وشغفه بالمدن التي رآها، وإيمانه العميق بما قد نسميه حدسا فالوقائع التي يحدس بأنها سوف تقع في مكان ما تقع فعلا وتصبح حقيقة ماثلة للعيان.. في هذا الكتاب تحدث ماركيز عن طقوس الكتابة لديه، مثلاً لا يستطيع كتابة سطر واحد طالما أن الوردة الصفراء غائبةٌ عن المنضدة، وإذا تعثر قليلا في عمله السردي يتشاغل بطلاء أبواب بيته وإصلاح الأجهزة المعطوبة وسواها ليعود إلى الكتابة بمزاج مغاير.. من أجمل ما ورد في هذا الكتاب حديثه الطويل عن أهم الكتب التي أثرت فيه وفي تجربته الإبداعية، وعلى رأسها رواية «دون كيخوته» لسرفانتس، التي يصفها بأنها «أم الروايات»، والتي يعود إلى قراءتها في كل مرة، قبل الشروع في كتابة رواية جديدة.

Continue Reading

ثقافة وفن

يغني وهو تعبان.. حمو بيكا: معاك يا «شاكوش» للآخر

علق مطرب المهرجانات حمو بيكا على الانتقادات الموجهة لصديقه الفنان المصري حسن شاكوش، في الآونة الأخيرة؛ بسبب

علق مطرب المهرجانات حمو بيكا على الانتقادات الموجهة لصديقه الفنان المصري حسن شاكوش، في الآونة الأخيرة؛ بسبب تدهور أدائه الغنائي.

ونشر بيكا عبر حسابه الرسمي على «فيس بوك» مقطع فيديو لحسن شاكوش، معلقاً عليه، بقوله: «من فضلكم لازم تسمعوا ولا للتنمر اللي بيهزر وبيتريق على حسن شاكوش عشان صوته تعبان، أحب أقول لكم حاجة: الرجولة مش بس صوت، الرجولة مواقف وصمود وشغل وتعب وشقى عشان يوصل».

وأضاف: «حسن شاكوش أخويا، صاحبي، عشرة سنين، راجل شاف كتير ولسه واقف على رجليه، بيغني وهو تعبان، وبيعافر وهو مجهد، وده مش ضعف.. ده قوة قلب ومعدن أصيل».

أخبار ذات صلة

وتابع: «المطرب الحقيقي مش اللي صوته حلو وهو مرتاح.. المطرب الحقيقي هو اللي بيغني من قلبه حتى لو صوته مجهد.. وبيفرّح الناس حتى لو هو موجوع.. الناس اللي قاعدة ورا الكيبورد تتريق؟ ولا واحد فيهم يقدر يوقف دقيقة مكان الراجل ده في حياته.. أنا واقف معاك يا شاكوش لآخر نفس وكلنا عارفين إنك راجع أقوى، وده وعد من حمو بيكا قدام الدنيا كلها».

Continue Reading

ثقافة وفن

كيف أشعلت «سيجاره» أزمة بين بريتني ومضيفات طائرة خاصة ؟

قدمت الفنانة الأمريكية بريتني سبيرز، اعتذاراً علنياً إثر قيامها بالتدخين على متن طائرة خاصة خلال رحلتها من كابو

قدمت الفنانة الأمريكية بريتني سبيرز، اعتذاراً علنياً إثر قيامها بالتدخين على متن طائرة خاصة خلال رحلتها من كابو سان لوكاس إلى لوس أنجليس.

وأكدت في بيان أصدرته أن الحادثة كانت نتيجة سوء فهم.

ونشرت بريتني سبيرز، مقطع فيديو عبر حسابها على تطبيق إنستغرام ظهرت فيه داخل الطائرة، وأرفقته بتعليق أوضحت فيه أن صديقها هو من وضع السيجارة في فمها وأشعلها لها، مضيفة: «ظننت أن القوانين على هذه الطائرة الخاصة تسمح بالتدخين».

وأكدت عدم تقصدها الإساءة أو إزعاج الركاب، مشيرة إلى أن طاقم الطائرة خصص لها مقعدًا في مؤخرة الطائرة بعيدًا عن الآخرين.

وأفادت تقارير إعلامية أن طاقم الطائرة اعتبر تعامل سبيرز صعبًا إلى حدّ ما، رغم أنها امتثلت على الفور لطلب إطفاء السيجارة.

أخبار ذات صلة

كما جرى إبلاغ سلطات مطار لوس أنجليس الدولي بخصوص الحادثة، واستقبل موظفون من إدارة الجمارك النجمة عند وصولها، الأمر الذي فسّرته مازحةً بأنه استقبال رسمي بسبب شهرتها، إذ قالت: «ظننت أنهم ينتظرونني بهذا الشكل لأنني معروفة».

وأشارت إلى موقف غير مريح حدث بينها وبين إحدى مضيفات الطيران، واصفة تصرف المضيفة بأنه غير مهني، إذ قالت إنها شعرت بقيود على حركتها داخل الطائرة، على الرغم من عدم وجود ركاب آخرين خلال الدقائق الأولى من الرحلة.

من جهتها، أفادت مصادر مطلعة بأن بريتني سبيرز غادرت المطار بعد أن تلقت تحذيرًا شفويًا من موظفي الجمارك، فيما امتنعت شركة الطيران المشغّلة للرحلة عن الإدلاء بأي تعليق رسمي حول الحادثة.

Continue Reading

ثقافة وفن

عرفت بـ«مات خوفي» و«ماما حسناء».. سماعة طبيب وقلم روائي يختزلان قصة ظافرة القحطاني

لم تكتفِ طبيبة العظام الدكتورة ظافرة القحطاني بجبر آهات المرضى وتسكين الآمهم، بل تجاوزت ذلك بالجمع بين سماعة الطبيب

لم تكتفِ طبيبة العظام الدكتورة ظافرة القحطاني بجبر آهات المرضى وتسكين الآمهم، بل تجاوزت ذلك بالجمع بين سماعة الطبيب وريشة الروائية المبدعة.

عرفت القحطاني في الوسط الأدبي بروايتها الجريئة «ومات خوفي» التي خطت فيها وجع الصحراء ومآسي الطفولة، وبرز اسمها في عالم الأدب الواقعي السحري بروايتها المؤثرة «ماما حسناء» المستوحاة من قصة حقيقية، إلى جانب أعمالها المتنوعة مثل «نجلاء» و«المكتبات والكتب» و«في السجن» و«بُناة الأمم»، وأخيراً روايتها المنتظرة «غربة» التي تترقبها الساحة الأدبية بفارغ الصبر.

تميزت ظافرة القحطاني بأسلوبها الذي يمزج الواقع بالخيال، والمرارة بالأمل، لتصنع من الألم أدباً واقعياً سحرياً ينثر الدهشة على صفحات القارئ. لم تكتفِ بأن تكون طبيبة للجسد، بل اختارت أن تعالج روح الحياة بنصوصها، فتغزل للقراء حكاياتٍ تنبض بالخيال المسكون بالوجع، وتغمس قلمها في ذاكرة صحراء خصبة بالحكايات.

من الطب إلى الأدب

ولأن الحكايات الجميلة تُحاك بتفاصيل غريبة فإن ظافرة، بعد أن أنهت سنة الامتياز بكلية الطب بتفوق، اجتمعت أسرتها ووالدها، الذي أبدى مع الأسرة اعتراضه القاطع على عملها طبيبة، وختم والده القرار قائلاً: «إن لبست ظافرة البالطو وعملت طبيبة، فسأطلق أمها». برًا بوالديها ووفاءً، حملت ظافرة ملفها الأخضر، وقدمت حلمها قربانًا لرضاهما، واتجهت به إلى ديوان الخدمة المدنية بالرياض، فتم تعيينها معلمة في إحدى قرى الجنوب، وهناك قضت سنواتها الأولى تزرع العلم وتداوي الحنين.

مرت الأعوام، وعادت إلى الرياض بعد رحيل والدها وزوجها، ونهضت ظافرة من جديد لتلاحق حلمها، فتقدمت بطلب العودة إلى الطب، لكنها أُجبرت على إعادة سنة الامتياز التي سبق أن أنهتها بتفوق. لبست المعطف الأبيض مرة أخرى، وها هي اليوم تجمع بين سماعة الطبيبة وريشة الروائية، تداوي العظام برفق وتسكب حبر الحكاية بلون مختلف يبهر القارئ ويعيد للرواية السعودية وهجها وألقها.

ذكريات الطفولة

حين تحدّثك ظافرة عن طفولتها، لا تسمع مجرد ذكريات، بل كأنك تسمع صحارى بيشة تحكي عبر ريحها عن طفلة كانت ترى الطبيب يجلس على مخدات القبيلة، وعن ملعقة وحيدة تتناقلها الأيدي لتطعم ضيفاً وطبيباً. تلك التفاصيل لم تكن مرويات عابرة بل بذوراً زُرعت في أرضها الداخلية، وسقتها دموعها حتى أينعت فناً وواقعاً سحرياً مدهشاً.

أخبار ذات صلة

ماما حسناء

عرف جمهور الأدب والقراء الدكتورة ظافرة القحطاني ليس فقط من خلال «ومات خوفي»، بل أيضاً من خلال رواية «ماما حسناء» التي استوحتها من قصة إنسانية عميقة عايشتها. بعد أن فقدت زوجها فجأة في يوم عيد، وأسودت الدنيا في عينيها، اتجهت للعمل في أحد المراكز المعنية بكبار السن، وهناك قادتها الصدفة إلى لقاء «حسناء»، المرأة العجوز التي أنهكها المرض وأثقلها الإهمال من أقرب الناس إليها. كانت هذه القصة الواقعية الملهمة نواةً لرواية رسمت فيها ظافرة ملامح الألم والحنين والكرامة المهدورة، فجعلت من «حسناء» بطلة حكاية تمزج الواقع بالخيال، وتعيد للقراء الأمل بأن في قسوة الحياة قدراً من اللطف، وفي الحكايات الموجعة ومضات نور.

واقعية سحرية

أدب ظافرة يمتزج فيه الواقع بالخيال، الصحراء بألوانها القاسية والناعمة، والطفولة بحكاياتها المدهشة. حتى حادثة الكلب الأسود الأعمى الذي كان صديقها الصغير، حين التهمته النيران بفعل جهل صبي، لم تكن مجرد ذكرى، بل لحظة مفصلية زرعت فيها الحلم بأن تصبح طبيبة، وحين أخفقت الظروف، وجدت في الأدب علاجاً للوجع وأداة لصياغة الوجدان.

إشراقة جديدة

عندما تسأل ظافرة عن الواقعية السحرية التي تميزت بها رواياتها، تبتسم وتجيب: «ليست غريبة عني… بيئة البر، حكايات الجدات، وقراءاتي الكثيرة، كلها صنعت عالمي الأدبي».

اليوم، وبعد أعوام من الغياب، عادت ظافرة إلى الساحة الأدبية بقوة، تستعد لنشر روايتها الجديدة «غربة»، وتواصل كتابة تاريخ أدبي ينبض بالحياة. جمهورها السعودي ينتظر جديدها، ويترقب إبداعاتها التي تحمل في طياتها أصالة الصحراء ورؤية المرأة السعودية المعاصرة.

Continue Reading

Trending

جميع الحقوق محفوظة لدى أخبار السعودية © 2022 .