Connect with us

ثقافة وفن

عبور الأودية الجافة.. أيام من حياة الراحل علي الدميني

ماذا أقول أيها السيّد في هذه اللحظة التي لم تعد مباغتة؟فحين أفصح الأطباء عن مرضك وعواقبه المهلكة منذ سبعة أشهر،

ماذا أقول أيها السيّد في هذه اللحظة التي لم تعد مباغتة؟

فحين أفصح الأطباء عن مرضك وعواقبه المهلكة منذ سبعة أشهر، لم نكن ندرك أن ساعة الحقيقة المرّة ستدقّ يوماً..

منذ ذاك ونحن نتربص بالأمل، ونحدق في غيابك الوشيك، وإن كنا نرسل للعائلة والأصدقاء رسائل تجعل الموت بعيداً عن أنظارهم، فهو لم يردنا أن نقلق عليه، وكم أوصد بابه الأخير عنا، حين لم يجد طائلة من عذاب المحبّين..

كان يعرف أن الموت يتربص به، ليس الآن فقط، ولكن في محطات عديدة من رحلته.

يقول:

«أحبُّ من الموت فقدانَه للدموع

وأعشق فيه التسلل للحرب من دونما رايةٍ

أو بيانٍ إلى الشعب، أو لقطة في الصور».

فتح باب الطفولة

ربما كانت صدفة سعيدة أن نترافق، بصحبة إخوتي وأبناء عمي، في شهر أغسطس الماضي لنفتح باب الطفولة في تلك القرية النائية، الحبلى بالمسرّات، لنوقظ بعض ذكرياتنا المشتركة بين جيلين.

كانت المهمة هي توثيق ممتلكاتنا من منازل ومزارع وأراضٍ بصكوك شرعية قبل انتهاء فترة التقديم التي اعتمدتها لجان التملك، وهكذا مضينا إلى هناك. كانت قدماك لا زالتا تحملانك لنعبر طرقات القرية، ولنخطو عبر التلال الوعرة إلى مزارعنا، ولنشهد الحقول التي أصبحت يباباً بعد أن كفّ الماء عن إنعاشها، وتفرق عنها المزارعون إما إلى ديار الخُلد، أو إلى المدن البعيدة، أو إلى مراكز العناية العاجلة.

رأينا معاً الأشجار السامقة التي كانت ظلاً، ومأوى للرياح والضباب المخيّم كل شتاء، وهي تتحطم على الأرض بعد أن خاصمها الغيث.

تحادثنا عن الأودية والمزارع التي كفِلت حياة لائقة بأهالي ذلك الزمان حين كانت الحبوب تصل إليهم بشح شديد، وربما بأسعار لا تحتملها مدّخرات القرويين المتواضعة.

حتى الطيور التي يدوّي غناؤها في الأشجار مع اقتراب الشفق لم نسمعها، الأغاني الشعبية التي تطلقها حناجر الأمهات والبنات عبر الجبال والحقول رحلت وبقي الصدى.. الصدى الذي ينقّط فوق أيدينا، وينتعش فقط تحت أقدامنا وهي تطأ النباتات اليابسة الصدى الذي لم نعرف له مثيلاً، بعد أن أصبحنا سكان المدن المسلحة بالأسمنت والعزلة.

براءةٌ من الحداثة..!

كتبت مرات أن قريتنا البسيطة تعتقد أن انتصارها الراسخ هو في إلحاق أبنائها بسلك التعليم لا أكثر، وكم كانت هذه المهمة قاسية آنذاك وسط مجتمع أمّي؛ لذا كان الشعر ترفاً حقيقياً، ولم ينْبغ فيه أحدٌ سوى أولئك الذين رحلوا عن القرية مخبئين تلك الطاقة الهادرة ليوم معلوم..

أقول هذا عنك أنت، وعبدالعزيز مشري، القاص وابن القرية الآخر الذي هاجر إلى الدمام ليلتحق بالحياة الأدبية بعد انتكاسات مرضية خطيرة.

كنت في المرحلة المتوسطة حين بادرني أستاذ مادة الأدب العربي الذي درَس في الرياض سائلاً ما إذا كنتُ قريباً لشاعر ناشئ اسمه علي الدميني. كنا على قطيعة مع العالم فلا جرائد تصلنا سوى بعض الأعداد المتأخرة أياماً من صحيفتي «عكاظ» أو البلاد، وربما صحيفة الرياض، وليس لنا من مداخيل لنشتريها. قلت له نعم، ولحظتها أظهر لي شعوراً مزدوجاً بعضه ينكر هذا الجنس الأدبي المبهم الذي يهدم اللغة والشعر الذي ورثناه، وبالتالي فهو لا يعدّه أدباً، وبعضه يضمر احتفاءً خفياً بشاعر ينتمي إلى قبيلتنا وإلى مكاننا الجغرافي المعزول. في تلك السن المبكرة لم تكن قد مرّت على مسمعي كلمة «حداثة»، أو صراعات الأشكال الأدبية، ولم يكن يعنيني الأمر، كان الخوف من أن تؤثر تلك القصة العابرة سلباً على درجاتي المترنحة أصلاً في الأدب والقواعد معاً..!

تلك اللحظة باقية وحيّة، وربما كانت بين الأسباب التي قادتني في دراستي الجامعية لأختار علم المكتبات، وأغادر قسمي التاريخ ثم الجغرافيا اللذين درست فيهما فصلاً دراسياً، فيما بقي عشق الجغرافيا مقيماً في قلبي..

حين هبطت المدينة عرفت قصائدك، وعرفت ملحق «المربد»، واقتربت من المخاض الحداثي، وبدأت التعرف على تلك الطاقات المغامرة في الشعر والقصة والكتابة والتشكيل والصحافة، عرفت في منزلك وفي صحيفة اليوم التي كنت أرافقك إليها أعلام تلك المرحلة الذي سيكونون ذائقتي الجديدة، هناك عرفت محمد العلي وعبدالعزيز مشري وجبير المليحان ونبيه شعار وشاكر الشيخ ومنيرة موصلي وخليل الفزيع وصالح العزاز ومحمد الأنور عشماوي وغيرهم، كانت أسماء قليلة لكنها كانت حيوية وفاعلة وسط بيئة معادية، وبمقدورها محاكمة من شاءت ولو كان في برجٍ عاجي..!

دورانٌ حول المنزل

طيلة أيام رحلتك المرضية الأخيرة في الرياض، كنت أتقصّد المرور من أمام منزلك كلما سنحت الفرصة. أشعر ببعض الأمان، أطالع الأشجار المقيمة التي ارتفعت أمام المنزل، أحدق في البوابة وفي كراج المنزل، وأقول لنفسي لعلها بضعة أسابيع أو شهور ويعود المسافر المريض إلى منزله وربما توكأ هذه المرة على رفيقة العمر وشجونه واضطراباته، الأخت العزيزة فوزية العيوني. ولكن لا شيء الهواء وحده يعبر الأشجار، وبعض الغبار يعبث على رصيف المنزل، ومنازل الجيران.

كم مرّ بهذا المنزل من أصدقاء وأقرباء، كم كان مسرحاً للسجالات والنقاشات الأدبية والسياسية والاجتماعية التي تحتدّ مراراً، وتخمد أحياناً ويتبارى فيه الأصدقاء والعابرون أحياناً، كم كان منصة دافئة لإطلاق قصائدنا قبل أن نضعها أمام القارئ عبر صحيفة أو مجلة، وكم قادت عبارات النقد في تلك الجلسات إلى التريّث في نشرها واللجوء إلى بعض الجراحات الصغيرة لتقويم كسورها. المواهب الموسيقية الجديدة، التي أغلقت أمامها كل مسارحنا الفخمة الحافلة بكل المستلزمات التقنية، كانت تحمل أعوادها وتقدم ألحانها الجديدة في هذا المنزل، دون أن أنسى منزل الغائب الآخر شاكر الشيخ الذي جاهد، في زمن العصف الصحوي لبناء قاعة صغيرة فوق سقف منزله بعيداً عن عيون هيئة الأمر بالمعروف والجيران المتربصين بكل ما يصنّفونه زلّات وذنوب لا تغتفر.

لم يعد الغائب إلى منزله أبداً.. كانت الرحلة في اتجاه واحد.

الهمّ اليومي الخاطف

كان علي نموذجاً نادراً بين الأدباء الذين عرفتهم، ممن يرصدون الأفق الاجتماعي العام، والمتغيرات السياسية الدولية، وبالأحداث الصاعقة أحياناً..!

وهكذا فإن مفهوم «الناشط الوطني أو الاجتماعي» لا يأتي من سياق بوهيمي بلا ملامح، بل من عقيدة وتدرب على تحليل الظواهر الاجتماعية والأحداث الدائرة، وعلى بناء موقف ما إزاءها، مسترشداً بخلفية فكرية وخبرات حياتية بدأها بيوميات الطفولة المجرحة بالفقر والفاقة، وانتهت بتلمّس أحوال تلك الفئات الاجتماعية المحرومة في هوامش المدن، من الوظائف اللائقة، من الحقوق البسيطة، ومن تعبير المواطن عن مواقع الخلل والفساد، وقد حدث هذا في زمن غابر اعتبرت فيه كل تلك المطالب اعتداء على شرعية الدولة وجوهرها.

بعد هذا الغياب القسري، لن أجد من أتجادل معه حول شؤون حياتنا اليومية، أو قضايا العالم التي لم تكفّ عن تزويدنا بوقود النقاش والشجار مصحوبة بضحكاته العارمة ودخان أرجيلته وعناده حين يتشبث بموقف ما.

حين اندلعت الحرب الروسية – الأوكرانية في أوج الإرهاب السرطاني الذي غزا جسده، فكرت في مجادلته حول هذه الأزمة وتداعياتها عربياً، لكنها المرة الأولى التي أدركت أنه يعيش خارج القضبان التي تواطأنا على السير عليها، وعليّ أن أحْجم عن التفوّه بما يهدد ولو خفقة من مناعته المتداعية.

كان كعربة قطار تنزلق عن أخواتها نحو هاوية لا قرار لها.

الحبّ.. عرَبة الخلاص الوحيدة

أظن أن علياً كان يعمل بحب في كل ما صنع وكتب.

تستطيع لمس ذلك الفيض السحري في أغلب قصائده. إنه يحيط موضوعاته الشعرية بدفء العاشق وروحانية المتبتّل حتى وهو ينبّش في ألم اجتماعي، أو في ذكريات موجعة، أو يرثي أباً أو يستذكر صديقاً أو جبلاً أو امرأة عابرة في طفولته أو في المنطقة التي عاش فيها الشطر الأكبر من حياته. لعل غياب الأم المبكر وما خلّفه من عطش دائم للحب في روحه هو ما جعله يتقرب من الحب أو من ظلاله وأشباهه كلما حانت الفرصة، ولعل دراسة د.معجب الزهراني حول طبيعة الحب ومآلاته في حياة الشاعر قد ألقت ضوءاً مهماً على شعرية الحب لديه، وهي شعرية لا تنحصر في القصيدة، لكنها تنسحب على انشغالاته الوطنية والحياتية والفردية..

هذه زهرة من «زهور على حافة المائدة»:

«انهضي قبل أن أستفيق غداً

سافري قبل أن يكمل الحلم دورته في دمي

ريثما يكبر الزهر في البحر

والجرح في النهر

والحب في المائدة».

Continue Reading

ثقافة وفن

سبَّ ريهام سعيد.. السجن عامين لـ«كروان مشاكل»

أصدرت محكمة مصرية حكماً بالسجن لمدة عامين بحق الـ«تيك توكر» المعروف باسم «كروان مشاكل»، مع تغريمه 100 ألف جنيه،

أصدرت محكمة مصرية حكماً بالسجن لمدة عامين بحق الـ«تيك توكر» المعروف باسم «كروان مشاكل»، مع تغريمه 100 ألف جنيه، بالإضافة إلى كفالة مالية قدرها 10 آلاف جنيه لوقف تنفيذ الحكم مؤقتاً.

ويأتي الحكم بعد إدانة المتهم، واسمه الحقيقي أحمد علي محمد السيد، في قضية سبّ وقذف الإعلامية ريهام سعيد، إلى جانب نشر محتوى خادش للحياء العام عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وتقدّمت ريهام بعدة بلاغات إلى النيابة العامة، اتهمت فيها كروان مشاكل بالإساءة إلى الدولة والمجتمع، وبنشر شائعات تهدد السلم الاجتماعي، فضلاً عن استخدامه ألفاظاً نابية لا تليق بالقيم المصرية.

أخبار ذات صلة

وتضمن البلاغ الأول اتهاماً له بإثارة الذعر بين المواطنين من خلال نشر معلومات مغلوطة حول تلوث مياه الشرب، من دون أي سند علمي. أما البلاغ الثاني، فركّز على محتوى مرئي يتضمن إيحاءات وألفاظاً خارجة عن الآداب العامة.

وشددت سعيد في تصريحاتها على أنها تقدمت بالبلاغات بصفتها «مواطنة مصرية حريصة على سمعة وطنها»، داعية إلى مواجهة هذه الظواهر قانونياً حفاظًا على القيم المجتمعية. كما أكدت عزمها على متابعة القضية حتى النهاية، وعدم التساهل مع أي إساءة تمس الأخلاق العامة.

Continue Reading

ثقافة وفن

نادين نجيم: قصدت كاهناً لتحصيني

احتفلت الفنانة اللبنانية نادين نسيب نجيم بافتتاح المتجر الأول بخط التجميل الخاص بها في بيروت وسط عائلتها التي

احتفلت الفنانة اللبنانية نادين نسيب نجيم بافتتاح المتجر الأول بخط التجميل الخاص بها في بيروت وسط عائلتها التي رافقتها خلال الحفل، مما جعل اسمها يتصدر التريند عبر منصة إكس خلال الساعات الماضية.

وعبّرت نادين عن سعادتها بهذه الخطوة التي استغرقت 3 سنوات تحضيرا وعملا مستمرا، وكانت نادين تطمح لهذه الخطوة هي وفريق عملها الخاص منذ اللحظة الأولى لبداية مشروعها بعالم التجميل؛ فكانت تتمنى أن يكون لمنتجاتها متجر خاص في بلدها لبنان. وكشفت أنها قصدت الكاهن ليحصنها من الحسد، كما ارتدت اللون الأبيض واعتبرت نفسها في هذا اليوم كأنها ولدت من جديد، وأكدت أنها ستظل فنانة ولن تتخلى عن التمثيل.

أخبار ذات صلة

Continue Reading

ثقافة وفن

بعد غياب 14 عاماً.. نور مهنا يعود إلى سورية

عاد الفنان السوري نور مهنا إلى سورية، بعد غياب امتد لـ14 عاماً، وظهر في مقطع مصور تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي،

عاد الفنان السوري نور مهنا إلى سورية، بعد غياب امتد لـ14 عاماً، وظهر في مقطع مصور تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي، أكد من خلاله وصوله إلى العاصمة دمشق قادماً من الأردن.

العودة الأخيرة لنور مهنا تأتي ضمن سلسلة من عودة عدد كبير من الفنانين السوريين المقيمين في الخارج خلال السنوات الماضية، ولا سيما أولئك الذين كانوا قد غادروا البلاد خلال فترة النظام السابق، حيث شهدت الشهور الماضية عودة عدد من الوجوه المعروفة في الوسط الفني.

ومن بين أبرز الأسماء التي عادت إلى سورية الفنان جمال سليمان، والفنانة يارا صبري وزوجها الفنان ماهر صليبي، إلى جانب الفنان مكسيم خليل، والممثل محمد أوسو، والفنانة سوسن إرشيد، وكذلك الفنان عبد الحكيم قطيفان، ومازن الناطور، الذي يشغل حالياً منصب نقيب الفنانين السوريين.

أخبار ذات صلة

والفنان نور مهنا يُعد من أبرز الأسماء في مجال الغناء الطربي السوري، واشتهر بأدائه للقدود الحلبية، كما كان من أوائل من أعادوا تقديم أغنية «وحشتني» للفنانة سعاد محمد، ليتبعها بعدد من الأغنيات الخاصة التي ظهرت فيها بصمته الغنائية الطربية المتفردة.

Continue Reading

Trending

جميع الحقوق محفوظة لدى أخبار السعودية © 2022 .