Connect with us

ثقافة وفن

2024 تمنح «نوبل للآداب» للكورية هان كانغ و«البوكر» لخندقجي

شهد عام 2024 أحداثاً ثقافية، رواحت بين مُبهج وأسيف، وتبوأت معارض الكتب مرتبة أولى لهذا العام، إذ انتظمت في مواعيدها

شهد عام 2024 أحداثاً ثقافية، رواحت بين مُبهج وأسيف، وتبوأت معارض الكتب مرتبة أولى لهذا العام، إذ انتظمت في مواعيدها طيلة 12 شهراً بدءاً من معرض القاهرة الدولي للكتاب، وانتهاءً بمعرض جدة للكتاب الذي اختتم فعالياته السبت الماضي. واحتلت الجوائز الأدبية والثقافية حيزاً من اهتمام النقاد والمتابعين في العالم؛ نظراً لما تعنيه الجوائز من ردّ اعتبار للإبداع والإنجاز. ولم يخلُ العام من منغصات الرحيل لعدد من الشعراء والكتاب.

وفيما يلي استعراض لأبرز الأحداث الثقافية في هذا العام الذي يطوي الصفحات الثلاث الباقية من عمره.

حجب جائزة الملك فيصل للغة العربية والأدب

حجبت جائزة الملك فيصل العالمية جائزة فرع اللغة العربية والأدب لهذا العام، وفاز بجائزة فرع الدراسات الإسلامية الفلسطيني الكندي البرفسور وائل حلاق، فيما حاز على جائزة الطب الأمريكي جيري روي ميندل، وفاز بجائزة العلوم الأمريكي من أصل تايواني هوارد ي. تشانغ، وفازت جمعية مسلمي اليابان، والمفكر السعودي من أصل لبناني الدكتور محمد سماك بجائزة خدمة الإسلام.

«بين ثقافتين» تضم المملكة والعراق تحت سقف واحد

دشّنت وزارة الثقافة أنشطة وبرامج مهرجان (بين ثقافتين) في ميقا إستوديو ببوليفارد سيتي في مدينة الرياض، احتفاءً بالثقافة العراقية، وبمدى التشابه والالتقاء بينها وبين الثقافة السعودية، متضمناً أعمالاً فنية متنوعة لأكثر من 100 فنان سعودي وعراقي، جسدت عبرها قيم التواصل والتقارب الثقافي بين البلدين. تضمنت الفعاليات لوحات تشكيلية، وعروضاً موسيقية، ومجسمات نحتية تعكس التراث العريق والتقاليد الأصيلة لكل من السعودية والعراق.

سعد الصويّان شخصية العام الثقافية

حاز الدكتور سعد الصويان جائزة (شخصية العام الثقافية) في المملكة؛ نظير إسهاماته العلمية والأدبية والثقافية الكبيرة التي قدّمها على مدى أعوام طويلةٍ في الميدان الثقافي، والتي أصدر خلالها مجموعةً من المؤلفات الأدبية والثقافية الثريّة في مختلف المجالات مثل الأنثروبولوجيا، والشعر النبطي، والمأثورات الشفهية.

الشارخ والمسلم وضياء وجوائز الثقافة والأدب

نالت جائزة (الثقافة للشباب) الكاتبة والفنانة ضياء يوسف؛ نظير جهودها في دعم الثقافة والمواهب الشابة، وجائزة رجال الأعمال الداعمين للنشاط الثقافي لبدر بن محمد البواردي؛ نظير جهود عائلة البواردي في الحفاظ على التراث الثقافي، وذهبت جائزة المؤسسات الثقافية في مسار القطاع الخاص إلى مجموعة إم بي سي (MBC)، وفي مسار القطاع غير

الربحي إلى مؤسسة الملك فيصل الخيرية.

وفاز بجائزة التراث الوطني الدكتور عبدالله الشارخ، ونال جائزة الأدب القاصّ والروائي أسامة المسلم، وجائزة النشر (دار تربية قيادية) المتخصصة في النشر للأطفال، وجائزة الترجمة الدكتور وليد العمري، وجائزة الأفلام للمخرج السينمائي توفيق الزايدي، وجائزة الموسيقى للفنان عبادي الجوهر، وفاز بجائزة العمارة والتصميم المعماري الدكتور خالد عزام، والمسرح والفنون الأدائية الفنان محمد الطويان. وجائزة فنون الطهي للباحث الدكتور محمد المنصوري، وجائزة الفنون البصرية للفنان طه الصبان، وجائزة الأزياء الدكتورة ليلى البسام.

الكورية هانغ كانغ تخطف نوبل الآداب بـ«نحن لا نفترق»

نالت الكاتبة الكورية الجنوبية هان كانغ جائزة نوبل للآداب عام 2024، وهي المرأة الـ18 من مجموع النساء اللواتي حصلن على الجائزة الأممية. وهان كاتبة وروائية وشاعرة، ولدت عام 1970 جنوب شرقي العاصمة سول. بدأت مسيرتها الأدبية سنة 1993. ألفت كتباً عدة، وفازت بجوائز مختلفة، كونها «تنقل قوة الماضي إلى الحاضر» كما وصفتها نوبل.

الأسير الفلسطيني باسم خندقجي يفوز بالبوكر العربية

فازت رواية «قناع بلون السماء» بالجائزة العالمية للرواية العربية 2024، للكاتب الفلسطينيّ الأسير باسم خندقجي.

جائزة الأركانة للشاعر البحريني قاسم حداد فاز الشاعر البحريني قاسم حداد بجائزة الأركانة العالمية للشعر، التي يمنحها بيت الشعر في المغرب، ومؤسسة الرعاية لصندوق الإيداع والتدبير، بالتعاون مع وزارة الشباب والثقافة والتواصل.

جائزة العويس لطلب وصالح وبنعبدالعالي وإبراهيم

فاز بجائزة سلطان العويس الثقافية في دورتها الـ18. كل من المفكر المغربي عبدالسلام بنعبد العالي، والشاعر المصري حسن طلب، والكاتب البحريني أمين صالح، والناقد العراقي الدكتور عبدالله إبراهيم.

مبدعون عرب من 6 دول يفوزون بجائزة البابطي

نفاز بالجائزة التكريمية لجائزة البابطين للإبداع الشعري الشاعر الدكتور خليفة الوقيان، وبجائزة الإبداع في مجال نقد الشعر (مناصفة)، الدكتور أحمد بوبكر الجوة من تونس، والدكتور وهب أحمد رومية من سوريا، وبجائزة أفضل ديوان شعر الشاعرة لطيفة حساني من الجزائر، وبجائزة أفضل قصيدة: الشاعر عبدالمنعم العقبي من مصر. وبجائزة أفضل ديوان شعر للشعراء الشباب الشاعر جعفر حجاوي من فلسطين.

رحيل البدر والألمعي وآل الشيخ والسميري والسناني

فجعت الثقافة والأدب برحيل عدد من الشعراء والكتاب؛ منهم: مهندس الكلمة الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن، والكاتب الصحفي محمد بن عبداللطيف آل الشيخ، والشاعر محمد زايد الألمعي، والشاعر عبدالله السميري، والشاعر بخيت بن مضحي السناني، والروائي والناقد والمفكر اللبناني إلياس خوري، والشاعر المصري محمد أبو سنة.

العيوني توقّع ديوان علي الدميني «حزن النخيل»

وقعت القاصّة فوزية العيوني ديوان الشاعر الراحل علي الدميني «حزن النخيل» التي جمعتها من نتاجه الفني خلال الفترة بين عامي 2017 و2020، وجاءت الاحتفالية في إطار مبادرة «الشرقية تبدع»، إذ شاركت كوكبة من المثقفين والفنانين وأصدقاء الراحل في تكريم إرثه الأدبي.

Continue Reading

ثقافة وفن

العرب والاستدارة نحو الداخل

في كل الأزمات والتحديات التي تواجه الواقع العربي، تتجه النخب السياسية والثقافية والإعلامية للخارج، للبحث عن المؤامرات

في كل الأزمات والتحديات التي تواجه الواقع العربي، تتجه النخب السياسية والثقافية والإعلامية للخارج، للبحث عن المؤامرات والمخططات الأجنبية التي صنعت تلك الأزمة أو خلقت تلك التحديات التي تواجه الواقع العربي، والخطوة الأولى في مشروع وقف الانحدار العربي هو أن نستدير ونلتفت إلى الداخل، لمعالجة المشاكل والأزمات التي تؤثر حتماً على الأداء العام، ولتلبية الطموحات والتطلعات المشروعة التي تحملها قوى الداخل.. أما سياسة الهروب من استحقاقات ومتطلبات الداخل واتهام الخارج بكل سيئاتنا ومصيباتنا وأخطائنا، فإنه لا يعالج المشاكل بل يفاقمها ويزيدها أواراً واستفحالاً.. ولقد آن الأوان بالنسبة لنا نحن في العالم العربي أن نستدير إلى داخلنا، واكتشاف العوامل والأسباب الحقيقية التي أنتجت وما زالت الواقع السيئ الذي يعيشه العرب اليوم على أكثر من صعيد ومستوى. والتوجيه القرآني يحثنا إلى سياسة الاستدارة نحو الداخل واكتشاف أخطائنا قبل اتهام الآخرين بها.. إذ يقول تبارك وتعالى [ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم].. فالخطوة الأولى التي ينبغي أن نقوم بها إزاء كل ظاهرة ومشكلة وأزمة، هي البحث والفحص الجاد عن الأسباب الذاتية التي أدت إلى هذه الظاهرة أو المشكلة والأزمة، فلا بد أن نوجه الاتهام أولاً إلى أنفسنا، قبل أن نوجهه إلى غيرنا. وهذه المنهجية تلخصها الآية القرآنية [قل هو من عند أنفسكم] فإزاء كل هزيمة، إزاء كل مرض وظاهرة سيئة، كل مصيبة على رؤوسنا، ينبغي أن نلتفت قبل كل شيء إلى نصيبنا، إلى دورنا، إلى ما كسبته أيدينا.. إن واقع العرب الراهن هو أسوأ واقع، والانهيار في حياتهم يهدد وجودهم نفسه. واتهام الخارج وحده وتبرئة الذات والتعامل معها بنرجسية واستعلاء يزيد تدهورنا وضعفنا وضياعنا، ونحن هنا لا ندعو إلى جلد الذات واتهامها بكل السيئات والإخفاقات، وإنما ندعو إلى معرفة العلل والأسباب الكامنة في فضائنا السياسي والثقافي والاجتماعي، والتي أفضت بشكل أو بآخر إلى الواقع السيئ الذي نعيشه. كما أن الخارج في علاقته معنا في العالم العربي، ليس بريئاً من أزماتنا ومشاكلنا المزمنة، بل هو شريك وفاعل حقيقي للكثير من المشاكل والأزمات..

ولكن الرؤية المتزنة التي ندعو إليها، هي التي تبدأ بالاستدارة إلى الداخل، واكتشاف الواقع ومعرفة مستوى مساهمتنا في هذه المشكلة أو تلك الأزمة.. فلا يمكن أن نواجه تحديات المرحلة، وهي تحديات صعبة ومعقدة باتهام الخارج وتبرئة الذات. إن هذا النهج هو الذي أدام الكثير من عناصر وحقائق التخلف السياسي والثقافي في العالم العربي، وهو الذي برأ الكثير من النخب التي كان لها دور سيئ في تطور الأحداث التي جرت في حقب زمنية مختلفة.. فالبارئ -عز وجل- لم يخلق الإنسان خلقاً جامداً خاضعاً للقوانين الحتمية التي تتحكم به فتدبره وتصوغه بطريقة مستقرة ثابتة، لا يملك فيها لنفسه أية فرصة للتغيير وللتبديل، بل خلقه خلقاً متحركاً من مواقع الإرادة المتحركة التي تتنوع فيها الأفكار والمواقف والأفعال، مما يجعل حركة مصيره تابعة لحركة إرادته، فهو الذي يصنع تاريخه من طبيعة قراره المنطلق من موقع إرادته الحرة، وهو الذي يملك تغيير واقعه من خلال تغييره للأفكار والمفاهيم والمشاعر التي تتحرك في واقعه الداخلي لتحرك الحياة من حوله.. وهكذا أراد الله للإنسان أن يملك حريته، فيتحمل مسؤوليته من موقع الحرية. ويدفعه إلى أن يواجه عملية التغيير في الخارج بواسطة التغيير في الداخل، فهو الذي يستطيع أن يتحكم بالظروف المحيطة به، بقدر علاقتها به، وليس من الضروري أن تتحكم به. فالإنسان هو صانع الظروف، وليست الظروف هي التي تصنعه.. والإكراه الديني والسياسي، لا يصنع منجزات تاريخية، وإن صنعت سرعان ما يتلاشى تأثيرها من جراء متواليات الإكراه وامتهان كرامة الإنسان. لهذا كله فإننا ندعو كل الدول العربية، وفي هذه اللحظة التاريخية الحساسة والمصيرية إلى الاستدارة والاهتمام بالداخل. فالقوة الحقيقية هي التي تستمد من الشعب والمجتمع، والخطر الحقيقي هو الذي ينبع من الذات. فلا مناص أمامنا اليوم حيث المؤامرات والتطورات والتحولات، إلا الالتحام والالتصاق بشعوبنا. فهي عنوان العزة والقوة، وهي سبيلنا لتعزيز أمننا ووحدتنا وهي القادرة على إجهاض كل المشروعات والمؤامرات. فلتتجه كل مبادراتنا نحو شعوبنا، ولنعد الاعتبار لكل القوى الحية والفاعلة في المجتمع العربي إنها لحظة تاريخية حاسمة، وتتطلب -بلا شك- خطوات نوعية وحكيمة.

Continue Reading

ثقافة وفن

عبقرية النص.. «المولد» أنموذجاً

إنني أبحثُ في الأنقاضِ عن ضوءٍ وعن شعرٍ جديدآه هل أدركتُ قبل اليوم أن الحرف في القاموس يا حبي بليد؟كيف تحيا هذه

إنني أبحثُ في الأنقاضِ عن ضوءٍ وعن شعرٍ جديد

آه هل أدركتُ قبل اليوم أن الحرف في القاموس يا حبي بليد؟

كيف تحيا هذه الكلمات؟

كيف تنمو؟

كيف تكبر؟

نحن ما زلنا نُغذيّها دموع الذكريات

واستعاراتٍ وسكر

(محمود درويش)

منذ محمد بن سعيد بن حماد (البوصيري) صاحب البردة المحمدية يغمر العالم إشراق الشعر بأسماء لها حضور ساطع. غير أن محمد المهدي المجذوب قد سلك طريقاً آخر.

وكما ينساب الماء في الجدول هامساً ورقيقاً يستهل المجذوب نصه بالصلاة على الرسول -صلى الله عليه وسلم- طالباً العفو والمغفرة، مستهلاً قصيدته بحرف هامس (الصاد)، يعقب ذلك الهمس إصغاءٌ وابتهال.

صلِّ يا رب على المدثر

وتجاوز عن ذنوبي وأعني يا إلهي بمتابٍ أكبر

فزماني ولعٌ بالمنكر

وفي يسر ينقل اللوحة، متوغلاً عمق المعاني، منتقلاً إلى حروف الشدة (الدال والجيم)

درج الناس على غير الهدى وتعادوا شهواتٍ

وتمادوا لا يبالون وقد عاشوا الردى

ولإلمام الشاعر بالمعاني الدقيقة للألفاظ، التي تكشف عن الدلالات المقصودة مفجراً كل ينابيع الكلمة وأبعادها إلى أقصى وسعها (الصوتي والدلالي والبنائي) وما يحيط كل ذلك من إيحاءات نفسية وظلال، إذ إن الكلمة لا تنفصل عن سياقها، كما أن البعد الصوتي مرتبطٌ بالإيقاع الذي بدوره يفضي إلى تخوم وآماد من الدلالات النفسية.

وكما هو معلوم لدى علماء اللغة فإن البعد الإيقاعي ينبثق من خلال التكوين الصوتي للكلمة عبر توالد الحروف وتواليها، إذ إن لكل حرف مخرجه الصوتي، وكيفما يكون تناسق أو تنافر الحروف تكتسب المفردة وقعاً خاصاً بما تخلفه من تجاوب الأنغام وما تحدثه من تآلف الحروف على نسق صوتي خاص، هامساً تارةً وبارزاً أو جهيراً في تاراتٍ أُخر. فالكلمة (يلهث) في النص القرآني (كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث) تشي حروفها بانقطاع التنفس واللهاث. كما أن المفردة الإنجليزية (crash) تحيلنا حروفها إلى الصدام والتصادم وهكذا، كما أن الكلمة الواحدة تتأثر بتغيير معناها وأوجه تصريفها مع تغير الدلالات.

ليس هذا فحسب، ولكن الشيء اللافت للنظر في هذا النص رهان (المجذوب) على الفكرة التي تم عليها نسج الشعر، الفكرة التي أضحت نواة كجزيرة محاطة بماء الشعر مما خلق تماسكاً مذهلاً بين المبنى والمعنى، على ارتقاء (المجذوب) لذرى مملكة الشعر في هذا النص، إلا أن النص طرح أعقد المسائل الفكرية عاقداً الصلة بين المتنافر والمتجانس في ود حميم، مدمناً المحاورة بين الأضداد في تجانس أخاذ ورشاقة سلسة، فتم تفجير مفردة الشعر والذهاب بها إلى آفاق بعيدة من رحابة الفكر، وتم تناول أعمق الهواجس وأعظم الأسئلة دونما تقرير.

أيكون الخير في الشر انطوى

والقوى خرجت من ذرةٍ هي حبلى بالعدم

أتراها تقتل الحرب وتنجو بالسلم

ويكون الضعف كالقوة حقاً وذماماً

سوف ترعاه الأمم

وتعود الأرض حباً وابتساماً

هذا الاستفهام يمثل فلسفة الحياة متكئاً على محاورة الأضداد، موزعاً الثمار، ما خفي منها وما ظهر. مقيماً ذلك الجسر بين الأضداد (صلِّ يا رب على خير البشر الذي أسرج في ليل حراء/‏‏ قمراً أزهر من بدر السماء). (يقرأ للناس على أضوائه حكمة الخلق/‏‏ وأسرار البقاء). من إله قد هدى بالقلم علّم الإنسان/‏‏ ما لم يعلم.

إن الصلة بين هذه الأضداد ليل حراء/‏‏ قمراً أزهر من بدر السماء، وبين علّم/‏‏ وما لا يعلم، الحجاب/‏‏ فتنة الحسن، ومكان الأرجل الولهى/‏‏ طيور تتهاوى في شباك، مثلما شب حريق، يذهل الجسم/‏‏ والروح تنير، استقامت/‏‏ هوت، الزهد/‏‏ غنى، بطء/‏‏ استباق، قيد/‏‏ الانطلاق، اضطراب/‏‏ اتساق، بها من بهجة/‏‏ رفت دموع، وردوا المولد بالشوق/‏‏ وعادوا بالغبار.

لإحساسه العميق بصلة القربى بينها، مضمناً ذاكرته ووجدانه من حمولات النص القرآني المشع المشرق، هاجراً الديباجة المألوفة إلى ديباجةٍ مبتكرة ومستساغة.

ورغم أن النص تناول (ثيمات) كثيرة إلا أنه يمضي في خط متصل لا يتعرج ولا يلتوي كشعاع الضوء الذي يكشف عن الجمال الذي في ثنايا الجمال والجمال الذي في ثنايا الجلال، يتم كل هذا الانسياب في النص الذي هو عبارة عن مجموعة من اللوحات بين الهمس والجهر، بين الشدة والإذلاق في سهولة ويسر.

ليلة المولد يا سر الليالي

والجمال

وربيعاً فتن الأنفس بالسحر الحلال

وزها ميدان عبدالمنعم

ذلك المحسن حياه الغمام

بجموع تلتقي في موسم

والخيام قد تبرجن وأعلنَ الهيام

والشاعر في حركته الرشيقة على دراية تامّة بمعاني الألفاظ التي وراء الالفاظ، بمعنى أن السياق الذي وردت فيه الكلمات كان كاشفاً للدلالة المقصودة عبر نبض الكلمات، فالكلمات التي وصف بها النوبة تشكل لوحة مليئة بالإيقاع الحار. يضرب النوبة ضرباً/‏‏ فتئنُّ، وترنُّ/‏‏ ثم ترفضُ هديراً أو تجنُّ/‏‏ نقزت ملء الليالي. فكأنما تمازج الحروف يعكس أصداء النوبة على اختلاف إيقاعاتها وتباين طبولها ولربما يلفت النظر تسخير (المجذوب) قدرته وطاقته كفنان في توظيف التضاد بقدرة سحرية فائقة وبحركات لا تحس، (فمكان الأرجل الولهى طيور)، فالأرجل تشي بالارتكاز على الأرض إلا أن مكانها السماء، إذ إنها طيور كما تم تبادل الصور وتحريكها ودورانها مثلما شب لهيب وعلى صخب الميدان وضجة الحركة يلتقط الشاعر تفاصيل دقيقة ببصيرة نافذة.

ومشى في حلقة الذكر فتور

لحظة يذهل فيها الجسم والروح تنير

ومع قرع الطبول وانحناءات القوم وتثنيهم أضحت الطاقية ذات القرون مادة للإحساس بؤرة للشعور إذ إنها نهضت فوق جبين واسع رققه ضوء اليقين.

فالشاعر الحق من يلتقط الإيماءة الخاطفة، ويرى أكثر من الإنسان العادي، نلاحظ في القصيدة أن الأسطر غير متساوية، والتفعيلات. ولعلنا نلحظ ما بين بعض الكلمات من تباعد، فـ (المقدم) صارت مفردة لها موقفها الوجودي بمغزاه ودلالته وهي في هذا الوضع قادرة أن تبسط علينا طريقتها في الوجود وتنقلنا من أجواء النص إلى حلقات الذكر تماماً كالفعل يتقدم..

والمقدم

يتغنى يرفع الصوت عليا

وتقدم

يقرع الطبل الحميا

ورمى الذكر وزمزم

فالمفردة (المقدم) والفعل (تقدم) تحتل كل واحدة منهما سطراً لوحدها، إشارة ذكية ولماحّة لموقع المقدم بين القوم فهو من يتقدم الذكر.

بينما في مقام المدح تورق الحروف وتثمر وتغدق القافية.

وبيمناه عصاه تتحنى

لعباً حركه المداح غنى

فالانتقال بين التنوين في (لعباً) والحاء في (حركه) هو نفسه حركة حلوه موظفاً فيها الأثر الصوتي للحرف.

في هذه القصيدة تم تناول كثير من القضايا فقد تم الربط بين الوطن والاحتفال موظفاً الحركات الصوتية والإيقاع المتباين والإيحاء وسهولة الألفاظ وجزالتها، تم تناول قضايا الحرب والسلام والوجود والعدم والإرادة والقهر الفقر والغنى والفتاة والمرأة فهي قصيدة شاملة ولعل معايشة المجذوب الكاملة للمولد جعلته ينتقل من لوحة إلى لوحة في يسر مثل الشخص الذي ينتقل من غرفة إلى أخرى داخل بيته. وكما هو معلوم فإن التكثيف يمثل روح الشعر، وربما سلب الاستطراد الشعر حيويته وأهمد روحه. وإذا كان (ادغار الن بو) قد قال بعدم وجود القصيدة الطويلة فالمجذوب في نص المولد قد دحض هذه المقولة فطول القصيدة لم يهدد وحدتها وتلاحمها، كما أن القصيدة لم تبتعد عن الوصف شأنها شأن الشعر الحديث، لكن اقترابها من الوصف كان من أسباب ترقرقها وإشراقها، وقصيدة (المولد) رغم مضي أكثر من نصف قرن على كتابتها إذ كتبت في عام 1957 فهي من قصائد الحداثة من خلال بنائها الشكلي والدلالي، وهي قصيدة سلسة وغير عصية. فهل تغنى الأغنية؟ إن فيها من الإمتاع الشيء الكثير رغم أن المجذوب سلك فيها طريقاً غير مألوف، لقد بلغ فيها (المجذوب) الإمتاع بشعر تلمسه العيون ويتذوقه الوجدان. إنها أجمل فيديو كليب.

Continue Reading

ثقافة وفن

عبدالله النعيم.. الرثاء اعترافٌ متأخر

القدرات الفردية المتميزة شديدة الندرة، فأقصى ما يُتَوَقَّع من عموم الناس أن ينفذوا ما يُحدَّد لهم من مهام، وحتى

القدرات الفردية المتميزة شديدة الندرة، فأقصى ما يُتَوَقَّع من عموم الناس أن ينفذوا ما يُحدَّد لهم من مهام، وحتى التنفيذ يأتي في الكثير من الحالات ركيكاً وناقصاً، وربما في اتجاه مغاير للهدف. أما من يقلب الوضع البائس إلى وضع مبهج كما فعل عبدالله العلي النعيم فهذا إنسانٌ استثنائي، إنه إداريٌّ فذٌّ وفريد. كان النعيم مدعوماً بشكل مطلق من الملك فهد ومن الملك سلمان حين كان أميراً للرياض، لكن هذا الدعم السخي الغامر لم يكن محجوباً عن الأمانة قبله، فالفارق حققه النعيم باستثمار الدعم السخي، بل المطلق من قيادة الوطن.

هذه الصورة البهيجة هي الصورة التي انطبعت في ذهني حين أُسنِدَتْ مسؤوليات أمانة مدينة الرياض إلى عبدالله العلي النعيم، كان الملك فهد وأمير الرياض قد جرَّبوا كفاءة النعيم الاستثنائية بشركة الغاز، فقد مرت الشركة بارتباك شديد، وتفاقمت الشكوى من كل المناطق، فأُسندت إدارتها إلى النعيم، فأنهى الارتباك بمنتهى الفاعلية والسرعة. وكانت أمانة مدينة الرياض تعاني من خلل جذري في أسلوب الأداء.

ما زلت أتذكر التغيير الجذري خلال أيام الذي طرأ على مدينة الرياض، فقد تحوَّلت أحياء الرياض إلى نشاط متدفق حيث يتواصل العمل ليلاً ونهاراً، وكان العمل مصحوباً بحماس شديد من كل العاملين، إنها أيام استنفار، فالعمل لا يفتر في أي لحظة.

إنني حين أستعيد تلك الصورة أشعر بأن أي قول لن يستطيع أن يصوِّر ذلك التغيُّر السريع الجذري الباهر وذلك الحماس المتدفق الذي يغمر الجميع.

إن بعض الأحداث لا يمكن استعادتها مهما حاول الكاتب أو المتحدث؛ لأنها تكون أكبر من أي قول، وأروع من أي وصف، وأعظم من أي تعبير.

في ذلك اليوم البهيج كانت أمانة مدينة الرياض موعودة مع قائد إداري فذ لا تستطيع اللغة مهما بلغت من الوضوح والكثافة أن تفيه حقه.

في أي قطاع من قطاعات الحياة العامة المهمة فإنه حين يشتد سوء الأوضاع، وحين تكون الرتابة ثقيلة وضاغطة، وحين يكون الكلال مهيمناً وخانقاً، وحين يشعر الناس بالاستياء الشديد والضيق البالغ، وحين يبلغ الضجر والتململ حده الأقصى؛ يتطلع الجميع إلى منقذ..

وكان عبدالله النعيم هو المنقذ في تلك الأيام، لن أنسى كيف أن الناس حين يضيقون بأكوام النفايات حول بيوتهم يعمدون إلى إشعال النيران فيها فيمتلئ الجو بالدخان، ويشعر الناس بالاختناق ولا مفر من هذا الدخان الخانق.

لذلك تبقى اللغة عاجزة تمام العجز عن تصوير الفورة المثيرة التي شهدتها مدينة الرياض، فقد كانت بمجيء عبدالله العلي النعيم موعودة بتغيير سريع وكثيف وخارق بدَّل الوضع وغيَّر الحال.

لذلك أرى أن النعيم سيبقى مغبوناً مهما قيل عنه، فليس الخبر كالمعاينة، وليست الأقوال نِدّاً للأفعال، ولكن هكذا هو قدر الرجال الأفذاذ.

Continue Reading

Trending

جميع الحقوق محفوظة لدى أخبار السعودية © 2022 .