Connect with us

ثقافة وفن

الشاعر أحمد عسيري: المثل الشعبي قمع المرأة !

لفت الشاعر والكاتب أحمد عبدالله عسيري في الورقة التي قدمها في ثلوثية الأديب الراحل محمد بن عبدالله الحميد عن «دور

لفت الشاعر والكاتب أحمد عبدالله عسيري في الورقة التي قدمها في ثلوثية الأديب الراحل محمد بن عبدالله الحميد عن «دور المثل الشعبي في صناعة القيم»، إلى خطورة المثل الشعبي، واستشهد على ذلك بصورة المرأة المكسورة والمهمّشة والمستلبة التي قّدمت في هذه الأمثال، فالمتتبع لحركة المثل وتسريباته لا يراه حكمة على الإطلاق، بل يرى فيه المراوغة والتمويه والاستفزاز والمراودات غير المنطقية. واستشهد عسيري بالمثل الشعبي «من درى عن سعيدة في سوق الحطب» التي قال إنها سخرية لاذعة وقهر أنثوي وعنجهية ذكورية غليظة، وتساءل: لماذا لا يكون سعيد بدلاً من سعيدة ؟!

وأكد أنّ ذلك مستحيل، لأنّ القائل احتمى بروادعه الذكورية، والمعضلة لا تسكن في مثلٍ عابر وصادم، ولكن المتتبع للأمثال الشعبية وتمثلاتها يلمس ذلك الافتتان في تأجيج الخذلان والاصطفائية الذكورية.

وذكر عسيري في ورقته العديد من الأمثال، كـ«عميا تحنّي خبلة»، و«أيش معش يا مستورة ؟ قالت: حُقّ وقارورة»، و«صفية ليست وفيّة»، و«ضرب الأم ولا ضرب العمّة»، و«معرفتك بالرجال تجارة ومعرفتك بالنساء خسارة». وأكد أنّ إطلالة عاجلة على هذه الأمثال تفضح ما يسقطه المثل الشعبي من مقذوفات حد القمع والتحقير للمرأة، وكأنها لا تصلح للحياة، وأرجع عسيري الأسباب في هذا إلى سطوة الموروث الاجتماعي وترسبات الوعي المشوّه، وثقافة الوأد والتهميش، وتكريس معنى الهشاشة الأنثويّة أمام الفحولة المزهوّة والمثقلة بالتطرف اللفظي المضاد، ونزعة الغرور المعطوب والمتمادي.

وحذر عسيري من خطورة المثل الشعبي؛ لأنّه لا يلتزم بقواعد الإعراب، ويميل إلى الفصاحة دون قصد، وغالبًا ما يكون نابعًا من اللهجة المحلية المحكية، إضافة إلى أنّ للمثل الشعبي سحرًا لا يستهان به، ولأنّه يعتمد في الأغلب على بلاغة التشبيه والإيجاز والاستعارات للوصول للمقصود، وهو ابن بيئته ولغته وحدثه، وكما أنّه رشيق اللفظ ومستودع لخبرات وتجارب ومفتاح العواطف والأفكار، فالمثل خزانة عادات الشعوب وتقاليدها، وقد ورد المثل في القرآن الكريم في أربعين موضعًا ما بين المصرّح والكامن والمرسل.

وكان عسيري أشار في ورقته إلى أن القيم مجموعة من المبادئ والمقاييس والمعايير الحاكمة على أفكار الإنسان ومعتقداته واتجاهاته وأبعاده كالبعد الروحي والأخلاقي والعقلي والجمالي والوجداني والاجتماعي، لكنّ القيمة التي قصدها في ورقته ليست المشروطة بحسن التعبير بل تلك المرفوضة سلوكيًا واجتماعيًا في المثل الشعبي.

وخلص عسيري إلى أن الكثير من الأمثال الشعبية لا تستحق الإعجاب، لأنّ منها ما سقط من قائمة التقدير والاحترام ومنها ما يرفضه الذوق السليم، ومنها ما يشيع البلاهة والبلادة والاتكالية والغباء والسلوك المشين. واستشهد بأمثال شعبية تنتشر على ألسنة الناس، ويتداولها الكبار والصغار، وصفها بالمبتذلة والمرذولة التي تصدع الحس وتؤذي الذائقة كـ (عجزت من أمي فجتني بأمها)، و(الفم الباصم لا يدخله الذباب)، و(كثرة الصبر وداه القبر)، و(مع قومك ولو ضلّوا)، و (لا ضيق إلاّ في القبر). وأكد أن انتشار مثل هذه الأمثال الشعبية يشكّل خطورة كبيرة في المجتمع؛ لأنّها بسطوتها تتراكم في المخيال الشعبي تراكمًا تاريخيًا وتصبح موروثًا ثقافيًا مترسّخًا كونه يحتوي على ثلاثة عناصر أساسيّة هي: التكثيف اللغوي، والاختزال المعنوي، والسيرورة والانتشار.

وفي المداخلات التي تلت تقديم الورقة لفت الدكتور عبدالحميد الحسامي إلى أهميّة الزاوية التي تناول من خلالها أحمد عسيري الأمثال الشعبية، وأكد أنّ هذه الورقة مشروع لبحث أكاديمي أو رسالة علمية. فيما رأى الدكتور عبد الرحمن الجرعي أنّ هذه الأمثال وردت في سياق زمني وحكائي مختلف ولا يمكن قطع هذه الأمثال من سياقها الذي وردت فيه.

أما الدكتور أحمد التيهاني فقد أثنى على الورقة التي قال إنها ورقة جميلة خلت من الرطانة الأكاديمية، ولفت إلى أن الأمثال الشعبيّة تتقارب بشكل كبير في العديد من الدول وليست حكرًا على منطقة عسير فقط. فيما أشار الدكتور أحمد الحميد إلى أهمية الأمثال الشعبية في منطقة عسير التي جمعها الأديب الراحل يحيى بن إبراهيم الألمعي، وتبعه آخرون في هذا الجهد، وأثنى على الورقة التي قدمها الأديب أحمد عسيري الذي وصفه بالمعلّم الذي تتلمذوا عليه.

Continue Reading

ثقافة وفن

معالم القرية الكونية لسعود الصاعدي: كيف نقرأ المكان بلاغياً؟

يقول الراغب الأصفهاني «المكان عند أهل اللغة الموضع الحاوي للشيء».ومن هذه التعريف نتلمس الكثافة التي يمثلها المكان

يقول الراغب الأصفهاني «المكان عند أهل اللغة الموضع الحاوي للشيء».

ومن هذه التعريف نتلمس الكثافة التي يمثلها المكان وأن ذلك الاحتواء هو الكثافة القابلة للتمدد وتتضح تلك الصفة في المكان الموجود في القرية الذي يتجاوز فيها المكان التمثيل إلى التمثل وهذا ما أبدع فيه الدكتور سعود الصاعدي في كتابه (معالم القرية الكونية).

وإذا كنا سنتحدث عن القرية ونختار نموذجًا لها فلن نجد قرية نستطيع أن نطلق عليها (القرية الكونية) أفضل من (أم القرى) مكة المكرمة وهي القرية التي اختارها المؤلف لكتابه.

يقدم أستاذ النقد والبلاغة الدكتور سعود الصاعدي كتابه بقوله «يطرح الكتاب فكرة المقاربة بين المعالم والمفاهيم في سياق البلاغة الكونية، لينتقل من التمثيل إلى التمثُّل، بحيث تصبح مباحث البلاغة ومسائلها ماثلة للعيان بدلا من أن تكون أمثلة للبيان، وفي سياق هذا التمثّل جاءت هذه الدراسة لاستخلاص نموذج كوني من أمّ القرى، يتمثّل في خمسة معالم للقرية الكونية.

وهكذا تبدو المعالم في مكة، من خلال ثنائية الكثافة والامتداد التي اقترحها الباحث، وهي على التوالي: الجبل والوادي والبئر والشجرة والمسجد.

وذلك من خلال التركيز على بيان النّصبة الذي يتحوّل فيه العالم إلى آية كبرى، ومعالمه إلى علامات وآيات، ومن شأن هذا أن ينقل البلاغة من أفق التمثيل إلى أفق التمثل».

وهنا نجد أن المعالم التي اختارها المؤلف وهي: الجبل والوادي والبئر والشجرة والمسجد هي علامات وآيات لما تمثله من كثافة والتي تصنع بلاغة المكان لتحقيق الامتداد.

الكتاب محفز ساحر للتأمل في حقيقة المكان بوصفه رمزًا بلاغيًا لأبعاد أكبر من حيز المكان وفلسفة اللغة.

هذا الكتاب يبحث في السؤال «كيف نقرأ المكان بلاغيًا؟ وكيف تصبح القرية كونًا مصغرًا ؟».

وهذا يمنحنا نظرية تأملية للعلاقة بين البيان والمكان وأن البلاغة تتجاوز اللغة إلى المكان وأن هناك علاقة تقابلية بين ما يمثله المكان على الأرض وما يمثله في البلاغة وأن للمكان امتدادا يقودنا إلى فهم أفضل للمجتمع والحياة والتغيرات أيضًا.

الكتاب وجبة دسمة لمن يبحث عن الوقوف على حالة تأملية محفزة للتدبر في الخلق والكون والحياة واللغة.

Continue Reading

ثقافة وفن

القيم في فلك الرقمنة

فيما ترشدنا الحياة نحو السبل التي يمكن من خلالها أن نحيط بدوافعها الغامضة ونظمها المتداخلة، تسدينا عبر العديد

فيما ترشدنا الحياة نحو السبل التي يمكن من خلالها أن نحيط بدوافعها الغامضة ونظمها المتداخلة، تسدينا عبر العديد من الحجج والبراهين التي لايمكن دحضها تصورًا جليًا عن ديناميكيتها الأزلية وحاجتها المستمرة إلى تغيير نسيجها، وتُعرف تحولاتها الدائمة لا كسنة كونية لامناص من مُضيها فحسب، بل كمادة أصيلة تشكل قوامها وتتمدد بعيدًا لتتصل بشؤون الإنسان وعلاقته بما حوله، ولذلك فإن ارتباط تحولاتها بنظم وعلاقات الحياة الاجتماعية التي تنشأ وتتشكل في فضائها لتأخذ عنها سماتها الجديدة وتبعثها عميقًا في نسيجها هو ارتباط عضوي يفرض التغيير ليس في الواقع المجتمعي فحسب بل حتى في الذهن الجمعي كما يفترض إذعانًا وإن على نحو نسبي لمشاعر القلق والتوتر اللذين يجثمان على عقل الفرد ويدفعانه نحو اعتناق قيم غائمة تحمله على الانخراط في مظاهر لايقرها بقدرٍ يفوق القدر الذي يفترضه التغيير نحو لا حتميتها.

ولذلك فإن مانراه من إزاحات أخلاقية وسلوكية لدى بعض فئات مجتمعنا هي بمثابة أعراض جانبية كتلك التي تسببها الأدواء تطال سبل التفكير وطرائق الوصول واقتناص بقع الضوء، إذ إنه في إزاء يقيننا الجمعي بأن قيمة الإنسان وحقيقته هي في التزامه بالضوابط القيمية والنظم الأخلاقية التي يفرضها الدين وتفترضها الأعراف ويقرها العقل وإيماننا المجتمعي بأهمية سعينا نحو الكمال، مسخرين منح التغيير لاجتياز الحدود المتوقعة نحو اتساع الوعي ورحابة المعرفة، لا نحو تيه روحي وهشاشة معرفية تروج لمظاهر شكلية على حساب الجوهر، فثمة من يتوهم أن لا سبيل إلى التخفف من قلقنا وخفض توترنا سوى طرحنا لأوهامنا عن الكمال جانبًا ومزاولة سلوكيات ترتبط بالسطحية والتفاهة على نحو وثيق اعتقادًا منهم أنهما جزءان أصيلان من طبيعة الحياة والإنسان.

ففي حين أن جودة الحياة والنماء الفكري والازدهار العلمي والمعرفي والتطور الذي نعيش تدفع ضمنًا نحو تخلق المظاهر التقدمية ونمو الظواهر الإيجابية في مجتمعنا فإن الجزء الأكبر مما نشهده اليوم ونشاهده عبر منصات التواصل الاجتماعي التي تعد مرآة المجتمعات هو نقيض ذلك تمامًا وفي رواجه ما يؤشر على أن ثمة فهما مجتمعيا سطحيا لفلسفة التغيير، فهو دفع بإنسان اليوم ‫لأن يصرف جل‬ اهتمامه لحيازة النعوت الرائجة والثناءات المعلبة غير عابئ بكيفها، وفيما تنمو رغبته الحارقة نحو الفوز بكليهما يزداد يقينه بأنه ليس بحاجة سوى إلى جهد ضئيل لمراكمة العديد من الأفكار الساذجة وتوثيق متتالٍ لما ثقف من هالة ضوء هشة حتى تجتمع له بقعة ترضي الأنا التي ضخمها تغير الحياة في روعه، ليحاجج من خلالها واقعه ومجتمعه.

وهو وإن كان يمتثل بذلك لسهولة ويسر نيلهما في إزاء الحاجة إلى جهد مضنٍ وعمل شاق كان يستوجبهما اقتناص ما كانت تمنحه الحياة سابقًا من فرصٍ ضئيلة وما يتبعه من ثناء حقيقي ونعوت مستحقة، كما هو في استجابته للضعف الكامن في طويته البشرية حيال الضوء، إلا أنه يغفل هشاشة ما يصدر عنه ويتغافل عن رأي الحكمة فيما يقول ويفعل بل ويدير ظهره نحو الأرض الصلبة التي تحتفظ له بثباته ورسوخه متجهًا إلى قاعٍ رخو وخائر.

ومن خلال الكثير من الأفعال والأقوال التي تبرهن على خوائها فإن مزاوليها لا يفتأون يثبتون أنهم غير مدركين لقيمتهم وقيمهم، كما أنهم لايعون دورهم في مجتمعهم، وبالتالي ليسو مؤتمنين على صورته التي تنعكس من خلال المحتوى الأوسع رواجًا.

وكما أن للبشر طبيعتهم التي تميل لنقل الأفكار إلى حيز الوجود فإن للأفكار قابليتها للتشكل طوع ما تقتضيه الحاجة غير مبالية بما قد تبدو عليه من حمق أو مكترثة بما تفتقر إليه من عمق ولذلك فهي تنزلق وتنتشر بسرعة كبيرة، بيد أن انتقاء الموائم والمنضبط منها هو مسؤولية فردية يفرضها وعي الإنسان بجدية وجسامه الدور يضطلع به في الحفاظ على قيم مجتمعه وصون مبادئه والحيلولة دون التشوهات التي قد تطالها والسلوكيات غير المستمرئة التي تتنامى وتتسع وإيمانه قبلًا بكل ذلك.

تخبرنا الحياة في مناسبات لا حصر لها أن سلوكيات الإنسان البري والبدئي أو جزء منها قد يعود بأردية ناصعة وأشكال منمقة لأن نزوعه ورغباته تظل كامنةً في أيامه متحصنة بتقيته وتبتله الزائف تتحين الفرص الموائمة لتخترق الأعراف ونواهيها بقوة وشراسة غير آبهةٍ بمآلات ذلك، منتجةً الكثير من المظاهر الفجة التي تتقاطع مع بعض مانراه على منصات التواصل الاجتماعي من مشاهد تقتحم ثقافتنا وقيمنا غير عابئة بتحفظاتنا عازمة على تخليق أعراف اجتماعية جديدة وإنتاج معايير منخفضة تقاس إليها المكانة وممارسات سائدة للتعبير عن الذات تبتذل الكرم وتمتهن المروءة وتصوغهما كمنتج دعائي لا كفضيلة متجاوزة وتدفع بالشأن الفردي الخاص إلى أعين الملايين وتنحدر بالطُرف والفكاهة إلى مستوى السفه وهي من حيث الدلالة والمآلات لاتعبر بأي حال عما يجب أن تكون عليه مواكبة التغيير واقتناص الفرص التي أتاحها بل تنحدر بها إلى منزلق أخلاقي وقيمي يلتبس فيه الخطأ والصواب.

تدافع مقيت نحو دائرة الضوء وتكلف وربما تزييف لما يملكه الفرد من إمكانات تصعد به إلى المكانة التي يريد، وجُرأة تصطدم بذائقة المجتمع وتصر على مراوغتها لتنفذ إلى عقله وتحقنه بدوبامين الأضواء عازلةً إياه عن الصورة الحقيقية للإنسان المتقدم والمتطور.

لا مشاحة حول حتمية التغير في البنى الثقافية والمجتمعية وتجاوزه في أحايين كثيرة إلى إعادة تشكلها، بيد أن إيقاف تمددها نحو إنتاج مظاهر وظواهر لا تستمرئها القيم بحاجة إلى مزاحمتها بما يعكس حقيقة مجتمعنا وهو دور كل فرد يدرك بأن خصوصية الإنسان السعودي ليست في قدرته على الإنجاز والتطور فقط بل حتى في حفاظه على قيمه واحتفاظه بعاداته وإبقائه عليها كمنارة أخلاقية يُستدل بها.

Continue Reading

ثقافة وفن

محمد محفوظ يمرحل التجديد الدِّيني بالتناغم مع التحوّل المدني

ينطلق الباحث في الثقافة الإسلامية الكاتب محمد محفوظ، من منهجية قائمة على احترام الثوابت، و الانفتاح وفق مرجعية

ينطلق الباحث في الثقافة الإسلامية الكاتب محمد محفوظ، من منهجية قائمة على احترام الثوابت، و الانفتاح وفق مرجعية معرفية على المتغيرات، وفي ظل الجدل حول مصطلح الدِّيني، يصدر كتابه (التجديد الدِّيني والتحوّل المدني) ليضع لبنة إضافية في بناء مشروعه الفكري والفلسفي الممتد على مدى أربعة عقود.

ويرى في الكتاب الجدلي، أن الدين الإسلامي بقيمه ومبادئه وتاريخه، حافل بالغنى والاتساع والتعدد. إذ إنه شكّل علامة فارقة ومنعطفًا ضخمًا في التاريخ الإنساني قاطبة، والعمل على حصر هذه القيم والمبادئ بفهم بشري واحد، من الخطايا والأخطار الكبرى التي تواجهنا اليوم. وكلفنا توجه بعضنا إلى فرض رؤيتهم وتفسيرهم الخاص للدين على المجتمع الكثير من المآزق والمخاطر. وعدّ الفهم الآحادي للدين مفقرًا لقيم الدين، ويحرم المسلمين من مساحة تواصل رحبة مع كل قيم وآفاق الدين الواسعة، علمًا بأنه لا يمكن اختزال الإسلام بقيمه ومبادئه وثرائه المعرفي والإنساني والحضاري بفهم واحد ورؤية واحدة، لا تمتلك القدرة المنهجية والمعرفية على إدراك واستيعاب كل قيم الدين. وثمّن خطوات الإصلاح الديني في مجالنا الوطني: والقبول والاعتراف ولو ضمنيًا بوجود قراءات متعددة، وتفسيرات ثرية لقيم الدين، نحتاج فسح المجال لنتاجها ومنهجها للعمل في الاجتماع الوطني في مختلف الدوائر والمستويات. ويرى أن الوعي الديني السائد في كثير من صوره وأشكاله، مسؤول عن الاحتقانات الاجتماعية والسياسية في عالمنا الإسلامي، وعملية الإصلاح، بحاجة إلى ممارسة قطيعة فكرية وعملية مع مقولات الوعي الديني التي تغرس الفرقة والتشتت بدعاوى مذهبية أو طائفية، أو تمارس دور الوصاية والاحتكار لفهم قيم الدين، واختزال فهم الإسلام في طريقة واحدة، وإصرار البعض على ذلك، وممارسة القهر والفرض والإكراه في سبيل ذلك، ساهم بشكل مباشر في تفاقم التوترات وازدياد المشكلات في الحياة الإسلامية ذات الطابع المذهبي والطائفي. وكلف هذا النهج والمنحى الأمة والوطن الكثير من الإخفاقات والخسائر على المستويين الداخلي والخارجي.

وأضاف في كتابه الأحدث «وبنظرة واحدة إلى مناطق التوتر والعنف والعنف المضاد في العالم الإسلامي، نجد أن لهذا النهج الإقصائي والعنفي دورًا في بروز هذه الأزمات والمآزق، والتجديد الديني المنشود، يتطلع للوقوف بحزم ضد كل محاولات الفهم الآحادي للدين بكل توابعه وتأثيراته، وفهم الثوابت متعدد ومتنوع، ولا يمكن بأية حال من الأحوال إقصاء الأفهام والرؤى من الدائرة الإسلامية، ولا إضفاء صفة الخلود على فهم دون غيره؛ ما يعني أننا بحاجة إلى إعادة بناء تصوراتنا الثقافية والاجتماعية عن الاجتهاد والتعدد الفكري والمذهبي والاختلاف والتنوع على أسس جديدة، يحتضنها المشترك الديني والوطني». وذهب إلى أن الفهم الآحادي للدين والاعتقاد من قبل مجموعة بشرية أنها وحدها القابضة على الحقيقة والعارفة بقيم الدين وأهدافه، يقود إلى تلغيم صيغ التعايش السلمي ومجالات التواصل الإنساني، كونه يعيد ترتيب العلاقات والحقوق على قاعدة المنسجم مع هذا الفهم والمناقض والمخالف له، ما يحتّم على المصلحين والمفكرين، نقد الفهم الآحادي وتفكيك النظام المعرفي الذي يبرر ويسوغ لصاحبه ممارسة العسف والقهر ضد الآخر المختلف والمغاير.

مؤكدًا أن الإصلاح الثقافي والفكري؛ لا يعني رفض قيم الدين أو الخروج عن ضوابطه ومتطلباته. وإنما يعني إعادة تأسيس فهمنا للدِّين بعيدًا عن الآحادية في التفكير والقشرية في الفهم والتعامل مع الاجتهادات الإنسانية في فهم الدين بعيدا عن التقديس الأعمى أو مفهوم الحقائق المطلقة، فأفهام كل حقبة مرتبطة بزمان ومكان محددين، وعلينا فهم هذه الاجتهادات واحترامها، دون إلغاء عقولنا أو التعامل مع تلك الاجتهادات وكأنها نصوص خالدة لا تقبل المناقشة والجدل والحوار، إذ دون تحرير وعينا وفهمنا من عوائق الجمود والحرفية والتأخر، لن نتمكن من الولوج في مشروع التقدم والتطور الإنساني والحضاري.

Continue Reading

Trending

جميع الحقوق محفوظة لدى أخبار السعودية © 2022 .