Connect with us

ثقافة وفن

قصص قصيرة جداً

١- إمعةبعد أن صُفع على قفاه فقه الدرس٢- مستشعرةأرسلت لي تخاريف أطلقت عليها شعراًولم تدرك أن الشعر صعب، وأناني لا

١- إمعة

بعد أن صُفع على قفاه فقه الدرس

٢- مستشعرة

أرسلت لي تخاريف أطلقت عليها شعراً

ولم تدرك أن الشعر صعب، وأناني لا يمنح نفسه لكل من هبّ ودبّ.

لم تعِ المقصود فاعتكفت في صومعتها وأخذت تلوك الكلمات وتعجن الحروف ثم ابتاعت ذمم شرذمة من الطبالين الذين

أجادوا النفخ فيها -بشفاه مشرومة- حد الأسن

صدقت الكذبة فأصيبت بإنفلونزا الخبال.

٣- ذكر

أعارها سمعه ثم شرع لها صدره

منحته كيانها ففجر فيه كل الأسقام

٤- سقوطوقف متأملاً تطبيلها وتمايل جذعها

كلما سلكت طريقاً زادت جلبتها

سأل أحدهم: لماذا تبذرون تحت عقبيها وهما

أجابوه بصوت واحد: (……..) ٥- قبلة

منذ الصرخة الأولى لم يذق طعمها، أشفق عليه الحرمان فزفه للسماء.٦- جشع طمعاً في الكيس والكساء حيد كرامته….. فسحقت تحت سنابك الاستجداء.

٧- مطيةغاصت في الوحل الآسن، تجمهروا حولها في محاولة لانتشالها بأناقة، فلم يفلحوا

إلا برفسة قوية لها من الخلف.٨- مرضمتعجرفة متصنعة مهزوزة مغرورة منبوذة هشة…..

تلك المهانة التي تشربتها كلما طفت دندنت عليها بموال دال داله.

٩- صك إعسارالجمهم به!

كلما طالبوا بحقوقهم، صفعهم به.١٠- خنوعواربوه لها!

ما إن وصلته حتى تراجعت للخلف….. واستمرت تعد درجات السلم صعوداً وهبوطاً حتى هلكت.١١- خيبة سألوه باستغراب لمَ تنتحب ؟

بعد لأي أخبرهم بأن دمعة أمسكها بشدة منذ أمد بعيد سقطت منه.

١٢- أسىعندما قرأت كلام المفسرين عن النكرة حمدت الله أنها نكرة.

١٣- جرحأسدلت ستاراً على ما استكان في أعماقها من صورة غطيسة!

كلما عصف بها الحنين زمجر كبرياؤها غضباً.١٤- شكشكةحينما عجز عن الرقص على جراح الآخرين رحل بعيداً ليماس له قريناً.١٥- أخطبوط

بعد أن باتت ضحياه جثثاً هامدة أخذ يبحث عن فرائس طازجة متوارياً خلف مسبحته.١٦- خرس

دهور وهي صامتهْ!

حينما امتلأت حنجرتها بالحرف

تنكرت ذاكرتها لأبجديات الحياة١٧- صلابة

عاد لها بعد أن اجتث الندم والحسرة راحته.. استدعت كبرياءها فأمدّها بمصلِ النسيان.

١٨- خيانة

انزوت مذعورة في ركنٍ قصيٍّ من القلب ترتجف بعد أن قال لها: أنا لا أرغب في الزواج..

١٩- تهورالتقاه..

أخذ يشرح له تفاصيل الحادث الذي أدى لإعاقته موضحاً المكان والزمان والكيفية

كزّ على أسنانه ألماً، فسياط تأنيب الضمير قذفت به في أتون العيادات النفسية

٢٠- تسجيل موقفعجيزته هي من كانت تخاتله!

وقف منتصباً بين رأسه وبينها…..

وبصفاقة فقأ عينه المبصرة.٢١- كنز

أورثهم ثروته الضخمة!

وفي حجرة من صفيح في حي منسي عثر على جثته عاصباً على بطنه بأسمال بالية.٢٢- خرفان

‏حينما سمحوا لآذانهم بالاستطالة لم يدركوا أن الراعي سيستغل ذلك في قيادتهم بها عوضاً عن الحبل. ٢٣- المنسلة

أعصب بها رأسي كل مساء

فهي السياج الذي أسور به حول آلاف الخيول الجامحة التي تمور في جمجمتي، صهيلها أهازيجًُ قُدّت من ألم، وحوافرها طبول حرب تتناغم مع نبضات قلبي.. ثم يعلو وقعها إلى أن يخفت النبض..

أنقلب على الجانب الآخر.. أفتح كوة في وسادتي.. أتسلل من خلالها إلى هناك..

أصل إليهم وأراهم بين غدو ورواح، ولهو، ومرح، وفرح، وترح، أشاركهم طقوسهم حد

الانشطار إلى أن يباغتني الفجر، ثم أعود من حيث أتيت.

٢٤- يقظة

انتظرته سنين!

لكن القدر حال بينهما فافترقا

بنت أعشاشاً كثيرة فارغة..

قطع المسافات يتتبع أثرها!

استحضر كل معاني الندم حينما وقف على قبرها في كلمة: آسف.٢٥- عيانه

إن فتحتها زادت في الاتساع..

وإن أغمضتها تحولت لأتون يبتلع كل من يمر بها…

احتشدوا للدخول عليها… مطالبين بفقئها

أوقفت تدافعهم.. ثم ناولتهم إياها وغادرت المكان.

٢٦- تردد

قالوا له: حسبك!

لاتتعاطَ السعادة حتى لاتقع في الإدمان.. فتهلك!

في كبرة عض على سبابته ندماً..٢٧- (لا إنسانية)مابين حاجتي الملحة للمأوى وبين بذاءة لسانه!

كنت كمن يقف بين مطرقة وسندان..

أبرمت العقد وأنا أردد: الجار قبل الدار.٢٨- مستور

أشباح ضحاياه تلاحقه كل ما أوى إلى فراشه.. تخنقه، تقتله، تحرقه تمثل بجسده..

يعترف بسلسلة جرائمه تحت وطأة كوابيسه..

قبل أن يقتاد لحتفه صرخ.. أضغاث أحلام.

٢٩- مخاض

‏تشبثت بثدييها هي تصرخ بكل ما أوتيت من قوة؛ وكنت بدوري أصرخ وهناك ثالث حينما صفع هواء الحياة رئتيه شاركنا الصراخ.

Continue Reading

ثقافة وفن

3 معارض كتب دولية تشهد توقيع كتاب المسعودي

وُقع كتاب «الاتصال المؤسسي المفهوم والاتجاهات الحديثة» للكاتب الأكاديمي خبير الاتصال المؤسسي الدكتور محمد

وُقع كتاب «الاتصال المؤسسي المفهوم والاتجاهات الحديثة» للكاتب الأكاديمي خبير الاتصال المؤسسي الدكتور محمد المسعودي في معرضي الرياض والشارقة الدوليين، إذ اكتظت منصات التوقيع بالزوار ومحبي القراءة واقتناء الكتاب في دول الخليج العربي كون الكاتب له إسهامات كبيرة في جانب الاتصال المؤسسي، إذ يعد الكتاب مرجعاً مهماً ونادراً في هذا التوجه.

وأكد المسعودي في كتابه الجديد أن الاتصال المؤسسي ليس مجرد أداة تسويقية أو وسيلة تواصلية بل هو إستراتيجية شاملة تؤثر في جميع جوانب حياة المؤسسات وتاريخها، إذ يعد الاتصال المؤسسي ركيزة أساسية لبناء العلاقات مع الجمهور المستهدف سواء كانوا متعاملين أو موظفين أو مستثمرين أو جهات أخرى معنية، كاشفاً أن الاتصال المؤسسي أحد أهم عناصر نجاح المؤسسات في العصر الحديث شريطة تطبيق فنون وإسترتيجيات الاتصال لبناء علاقات قوية مع المستفيد أيا كان نوعه. الكتاب الذي سيشهد معرض جدة للكتاب الدولي قريباً منصة ثالثة لتوقيعه من الكاتب لمحبيه ومتابعيه وقراءه من عروس البحر الأحمر جدة، أوضح فيه المسعودي مفهوم الاتصال المؤسسي وجذوره وأهميته في عصر التواصل الحديث وتناول أهم إستراتيجيات الاتصال المؤسسي والأدوات والتقنيات المستخدمة لتحقيق أهدافه، معرفا بالتحديات وكيفية التعامل معها بفعالية وإلى الابتكار في الاتصال المؤسسي بالذكاء الاصطناعي. وقدم المسعودي أمثلة حقيقية وقصص نجاح عن مؤسسات عالمية تعتمد إستراتيجيات الاتصال المؤسسي بشكل فعال، إذ حققت فيه نتائج ملموسة ومذهلة مستندا إلى الأبحاث والدراسات المعتمدة العالمية والمراجع الموثوقة الحيوية والحديثة لضمان تقديم المعلومات الدقيقة والمحدثة ليعد الكتاب رائد كتب الاتصال المؤسسي في العالم العربي بأبوابه ومراجعه وطرحه وخبرة مؤلفه. وجدد الكاتب في نهاية كتابه التأكيد على أهمية الاتصال المؤسسي في بناء علاقات قوية ومستدامة مع الجمهور وهوية المؤسسة وسمعتها وتحقيق التميز التنافسي في سوق الأعمال ليبقى الاتصال المؤسسي ركيزة أساسية لنجاح أي مؤسسة في عصر التواصل والتكنولوجيا المتقدمة.

الدكتور محمد المسعودي أكاديمي في جامعة الملك عبدالعزيز، عمل 18 عاما في مجال الاتصال والإعلام والصحافة وما زال، قدم خبرات وتجارب في جوانب منظومة الاتصال المؤسسي، مشرفاً عاما على قطاع التواصل والتسويق في الهيئة العامة لتنظيم الإعلام والمستشار والمدير العام للإدارة العامة للاتصال المؤسسي في مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع، عمل في العلاقات العامة والإعلام والشؤون الثقافية بالملحقيات الثقافية السعودية في أمريكا وماليزيا والإمارات وأحدث حراكاً ثقافياً شهد به الجميع.

ترأس تحرير مجلة الراصد الثقافي، ونائب رئيس تحرير مجلة المبتعث، ومراسلا لصحيفة الوطن في أمريكا وماليزيا وشرق آسيا والإمارات، كاتب مقالة أسبوعية في صحيفة الوطن وصحيفة الرياض حالياً، وينشر مقالاته في العديد من المجلات «القافلة والحرس الوطني وإيلاف والعربية نت»، ومقالات متفرقة في الصحف الخليجية «البيان والخليج والاتحاد والإماراتية التي أشرف فيها على صفحة أسبوعية في عام 2016».

Continue Reading

ثقافة وفن

الخرائط الذهنية

إن أفكار أي شخص وتصوراته عن نفسه وعن العالم، تتضمنها خريطة ذهنية كَوَّنها له دماغه، فهو محكوم بهذه الخريطة ويعتقد

إن أفكار أي شخص وتصوراته عن نفسه وعن العالم، تتضمنها خريطة ذهنية كَوَّنها له دماغه، فهو محكوم بهذه الخريطة ويعتقد أن أي فكر يخالف خريطته الذهنية هو فكرٌ ضال.

إن خريطته الذهنية عن الأفكار والتصورات مماثلة لخريطته الذهنية عن الأماكن؛ فحين يقود أي شخص سيارته في مكان يعرفه فإنه يتحرك بشكل تلقائي حسب الخريطة الذهنية التي يحتويها دماغه.

ولكن ما إن تختلط عليه الطرق حتى يفقد التوجيه، وهذا الموضوع كان ولا يزال محل بحوث ودراسات متخصصة، وقد كان البروفيسور كين هيل أحد المهتمين في دراسة ظواهر الخرائط الذهنية المكانية، حيث يبقى الشخص غير قادر على معرفة الاتجاه الصحيح؛ لأن خريطته الذهنية تكون مقلوبة فكلما تحرك ازداد ابتعاداً عن الاتجاه الصحيح. يقول البروفيسور كين هيل:

«لا يستطيع الشخص التائه أن يحدد موقعه ولا اتجاهه ولا يمتلك الوسائل لإعادة توجيه نفسه».

ويقول عالم الفيزياء جون إدوارد هوث: «ظل الباحثون يدرسون لعقود جامعين ببطء العناصر التي تشكل آلية رسم الخرائط عقليًّا».

ويضيف: «يوجد نوعان من الخلايا يخلقان الخارطة العقلية؛ خلايا المكان وخلايا الشبكة».

ومن الظواهر ذات الدلالة العميقة أن التائه يكابر فإذا لم يكن يعرف أنه تائه فإنه يرفض أي تصحيح أو توجيه يأتيه من خارجه ويظل متشبثا بموقفه وعن ذلك يقول العالم هوث:

«يحاولون عقلياً أن يقحموا خصائص يشاهدونها كي تنطبق حتى لو كانت العلاقة بينهما ضئيلة». إن التائه الذي لم يقتنع بأنه تائه يصر على أنه في الاتجاه الصحيح ويكابر ويلوي الخريطة التي معه لكي تتفق مع خريطته الذهنية.

إن هذه حقائق شديدة الأهمية حيث يتبين منها أن كل فرد يُكَوِّن له دماغه خريطة ذهنية هي التي تحدد علاقاته بالناس وبالمكان وبالأفكار وبالتصورات، إنها وسيلته لرؤية العالم وهذا يستوجب أن يتربى الناس ويعلَّموا هذه الحقائق لكي يواصلوا تحديث خرائطهم الذهنية باستمرار.

Continue Reading

ثقافة وفن

الغذامي: المتنبي لابسٌ للحكمة متلبّس بالنسق!

في كتاب الدكتور عبدالله الغذامي (اللابس المتلبّس.. من أوراق أبي الطيب المتنبي) الصادر حديثاً في مئة وأربعة وثمانين

في كتاب الدكتور عبدالله الغذامي (اللابس المتلبّس.. من أوراق أبي الطيب المتنبي) الصادر حديثاً في مئة وأربعة وثمانين صفحة من القطع المتوسط عن المركز الثقافي العربي لفتات مهمّة، ووقفات تفتح الأفق باتجاه المتنبي النسقي، وليس المبدع الذي اتفق عليه الناس.

الغذامي وصف المتنبي بقوله: «هو اللابس للحكمة والمتلبّس بالنسق، عاش في عقل شجاع ولكن في وجدان خائف أو عقل حكيم ووجدان منفعل بالرهبة!».

اعترف الغذامي ابتداءً بسيطرة المتنبي على ذاكرته، لذلك حضر في كتاباته بشكل أذهله، واحتلاله حيزاً من كتاباته لم يكن مخططاً له ولا متقصداً!

المتنبي الذي قال عنه الغذامي أيضاً إنه «فيلسوف إذا تحرّر من ذاتيته، ونسقي إذا كان ذاتياً».

انشغال بالنقد الثقافي

دفعني انشغال الدكتور عبدالله الغذامي بالنقد الثقافي وانصرافه الكامل عن النقد الأدبي في شعر المتنبي إلى البحث عن الأسباب التي دفعته إلى هذا، وكان من أهمّ ما وجدت أنّ الانغماس في دراسة الأنساق الثقافية والانهماك في النقد الثقافي كان نتيجة شعوره بتراجع حالة التذوق التقليدية للشعر، وتراجعها كثيراً عنده، فلم يعد يستسلم لجماليات الشعر كما كان!

استوقفتني بعض اللفتات التي أشار إليها الدكتور الغذامي في كتابه هذا كحالة القلق الكتابي التي تأتي من متعة الكتابة، المتعة الحقيقية في الفكر (كما قال) هي أن تقرأ، بينما الشقاء أن تكتب، والأشقى من الشقاء ألّا تكتب، بمعنى أن تكون الفكرة في رأسك فلا تكتبها!

الغذامي لفت في كتابه هذا إلى سيطرة المحفوظات الشعرية علينا، وغياب ملكة الحس النقدي للمادة المستهلكة، لهذا نظل نردد المتنبي وكأنه هو النموذج المعرفي والذوقي والفلسفي أيضاً!

الغذامي رأى المتنبي نموذجاً ينتمي لثقافة كانت تمثل ذائقة ذلك العصر وعقليته، وليس لنا أن نزعم أنه يمثل عصرنا ولا أنه يقدم لأجيالنا أي نموذجية ثقافية ومعرفية، ولن يخلصنا من هذه الدوامة المغلقة إلاّ نقد خطاب المتنبي!

لماذا المتنبي؟

يتساءل الغذامي: لماذا يعجبنا المتنبي؟!ويجيب: لأنه يعبّر عن نسقيتنا وتعالينا على الآخرين واستعدادنا الذهني للانقلاب عليهم متى ما غضبنا منهم، المتنبي يمثّل الشرّ الذي فينا، ونظل نحاول تغطيته، ونترك المتنبي يعبّر عنّا بدليل تمثلاتنا بأبياته وطربنا لها وتجنبنا نقدها!

ومع هذا، فالغذامي يرى أنّ المتنبي جمع القصيدة والحكاية، ولو جعلنا حكايات القصائد مع الشعر معاً في خطاب واحد فسنقدم ذاكرتنا الثقافية للأجيال الحديثة في صيغ تكسر رتابة التعليم التقليدي الذي لم يعد فاتناً ولا مدهشاً ويسبب عوائق لتذوّق الشعر وتشرّب النماذج العليا التي لم يعد الحفظ صالحاً فيها ولا لافتاً كما قال، لكنه يضيف أنّ للمتنبي حيلاً في أبياته تسير على كلّ الألسنة رغم ما فيها من أنساق تشبه الفيروسات في قدرتها على التجدد والتحوّر!

السلفيّة اللغوية

لا يكتفي الغذامي في كتابه هذا بالحديث عن المتنبي، بل يعرّج على اللغة، فيذكر جماعة (قل ولا تقل) الذين وصفهم بالوصاة على لغة الإبداع والفكر فلا نتكلّم إلاّ بعد إذنهم، وجماعة (الفصيح) وقصد بها لغة الأسلاف تلفظاً ومعنى، فننطق كما نطقوا، ونلتزم بمعاني نطقهم فلا نجترح المعاني التي لم يجترحوها!

وخلص في هذا إلى أنّ هذه تربية ذهنية وسلوكية هدفها صناعة أجيال تقلّد أمواتها حذو القذة بالقذة!

التباكي فطرة ثقافية

في كتاب اللابس المتلبّس يخرج الغذامي عن المتنبي وأوراقه إلى النسق الثقافي بشكل عام، فيؤكد في إحدى مقالاته على التباكي وأنّه فطرة ثقافية سائدة، مستشهداً بالتباكي على شيوع ثقافة التفاهة والتسطيح، وكأنّنا نفترض أنّ كلّ متعاطٍ مع الثقافة لا بدّ أن يكون مبدعاً ماهراً ومتفوقاً جاداً، وهذا افتراض لا معنى له كما يرى الغذامي، ولم يحدث قديماً ولن يحدث الآن، متسائلاً:

كم عدد من نعرفهم من مواليد الكوفة ممّن قالوا شعراً في زمن ميلاد المتنبي، وفي المقابل من ظلّ منهم في ذاكرة الزمن؟!

واستشهد الغذامي بيتيمة الدهر للثعالبي وكم شاعر في مجلداته الأربعة بقي؟!

ولفت الغذامي إلى الذاكرة التي نخلت الجموع واصطفت منها ما يستحقّ الإبقاء حيّاً في الرواية أوّلاً ثم في التدوين، وأكد أنّ علّة زمننا هذا في سهولة النشر عبر الوسائل العامة وسهولة البقاء على سطح الاستقبال وفي محيط النظر، ولهذا توارت ظاهرة الفرد وحلّت محلها ظاهرة الجموع الفنيّة التي تغطّي فضاءات الاستقبال بتنوّع وتعدّد بسرعة فائقة يمحو بعضها بعضاً!

وأنّ هذا التباكي لاحتكار المشهد إذ يرى كل شخص أنّ حقه في البقاء والخلود يتعرض لمزاحمة من آخرين قد يفوز بعضهم بانتباه أكثر لأسباب تتعلّق بتأثير اللحظة التي تصادف عادة لحظة مواتية فيشيع اسم ويتراجع اسم آخر كان مشعاً!

أما الجماهير التي كانت تتهم بأنها «عاوزه كذا» فللغذامي رأي مختلف في هذه المسألة إذ عدّ هذا اتهاماً تتوسل به النخب إما للتعالي على الناس أو لإحالة الخلل إليهم، واستشهد على ذلك بمقولة فساد الزمان وفساد الذوق وانحطاط الثقافة، واكتفى بالرد عليها بقول الشاعر: وهم فسدوا وما فسد الزمان!

وفي الموضوع الأكثر إثارة في كتابات الغذامي حديثه عن التدوين في العصر العباسي الذي قال فيه إنّ ثقافتنا العربية مدينة للمدونين العباسيين الذين فتحوا صدورهم لاستقبال الرواة وحفّاظ الشعر ومروّجي الحكايات ليدونوا كلّ ما وصل إليهم بمهنيّة عالية وغير منحازة ولا تشرطيّة وبحريّة مطلقة وتسامح غير مشروط، إلاّ أنه أشار إلى أنّ هذا التسامح قد يبلغ حدود التساهل وعدم التحرّي والتأكد من صحة المروي.

وأكد الغذامي أن هذا تساهل محمود لأنهم يتعاملون مع قليل مما فات وطمرته الذاكرة، لذلك لم يكن هناك خيار في الحذف والاستبعاد فجاء المنحول لرواج سوق الرواية وما تدرّه من مال وجاه!

التراث ملتبس

يرى الغذامي أن مصطلح التراث ملتبس من حيث كونه يوحي بالقديم دون الجديد، ومن ثم جاء مصطلح الحداثة وكأنه يعني المواجهة مع القديم، غير أنّ النظر الواقعي يكشف أنّ كلّ قديم كان جديداً في زمنه وكل حداثي سيكون قديماً لدى الآتين من بعده، وسيشمل مصطلح التراث الجانبين معاً بما في ذلك كلامنا هذا الذي سيدخل في ذاكرة الثقافة بمجرد نشره، وذكر الغذامي أنّ الصراع بين الحداثة والتراث صراع في التأويل وفي التوظيف، وهذا يعني أننا نحن البشر نظل نستعيد الأمرات عبر قراءتنا لهم، وكل استعادة هي توظيف متجدد لما أنجز من قبل! لذلك نحن نعيد إحياء المتنبي كلما ذكرنا اسمه وقرأنا نصوصه وسيتبع ذلك أننا سنقوم بتفسير نصه حسب مهاراتنا؛ أي أنّ النص للمتنبي نسبة وانتساباً ولكنه لنا توظيفاً وتأويلاً وتفعيلاً.

وأشار إلى أنّ المتنبي كان تفاعلياً بدرجة عالية قبل عصر التفاعلية الذي نعيشه الآن، ولو كان حياً بيننا اليوم لوجدناه من أبرز المغردين حضوراً وتفاعلاً، فقد كان يغرد قبل ثقافة التغريد ليس في شعره فحسب، بل في نظام تفكيره أيضاً وفي صيغه التعبيرية التي تجمع بين الحكمة والشعرية مع الاقتصاد اللغوي وحرارة المعنى!

المتنبي خارج النسق

القصيدة الوحيدة للمتنبي التي اعترف الغذامي بجمالها دون لكن، ودون أن يدخلها في قائمة النسق والنقد الثقافي هي قصيدة (الحمّى) ومع أننا نحب المتنبي، ونتمثل أشعاره دون أن نسأل لماذا نحبّه، إلاّ أنّ الغذامي يفسّر هذا الحبّ بأننا مدفوعون بالمخبوء فينا حتى لكأن المتنبي يقول ما كنا نريد قوله، ويؤكد أننا إذا تعرفنا على ما يعجبنا في المتنبي فإننا نتعرف على الجبن الثقافي الذي نتوارثه كما ورثه المتنبي وورّثه لنا!

لذلك ظللنا أسرى لحكمة المتنبي التي نرتضيها ونطلبها ونرددها في استشهاداتنا ومحفوظاتنا، ونغضّ الطرف عن نسقيته وكأنّ المتنبي (كما قال الغذامي) يجمع بين عقل نرتضيه عبر الحكمة ووجدان نعيشه عبر العجب بالذات تلك التي ينوب عنا المتنبي في الحديث عنها في حين نستحيي نحن من الجهر بها، لذلك شغلنا وأشغلنا وشغّلنا، ولا يظن الغذامي أنّ أحداً فعل ما فعل المتنبي هذا في ذاكرتنا العربيّة!

الكتاب إجمالاً لا ينفي براعة المتنبي في كتابة القصيدة، ويعترف مؤلفه بأنّه واحد ممن استولى المتنبي على ذاكرته بما يحفظ من شعره، ويتمثّل به، إلاّ أنه يقف موقفاً صارماً من نسقيّة المتنبي.

هذا الكتاب خير شاهد على نقد الغذامي لنسقيّة أبي الطيب المتنبي مع تسليمه التامّ بسلطته!

Continue Reading

Trending

جميع الحقوق محفوظة لدى أخبار السعودية © 2022 .