Connect with us

ثقافة وفن

إهداء الكتب.. اعتناء أم استجداء؟

عدّ النقاد الإهداء إحدى عتبات النص، ويتنوّع استقراء دلالة إهداء الكُتب، فالبعض يراه اختيارا لشخصيات قارئة ومسوّقة

عدّ النقاد الإهداء إحدى عتبات النص، ويتنوّع استقراء دلالة إهداء الكُتب، فالبعض يراه اختيارا لشخصيات قارئة ومسوّقة جيدة للمؤلفات. والبعض يذهب إلى أنه اعتناء من المؤلف بالقُراء للتحفيز والتشجيع، كما أن هناك من يصفه باستجداء مزيد قُراء، أو مصدر فخر للمُهدى إليه وتزكية للقارئ باعتباره صديق المؤلفين والكُتاب، وتزامناً مع انطلاقة معرض القاهرة للكتاب نفتح ملف قضية الإهداءات، ونستعرض بعضها؛ فالكاتب السفير تركي الدخيل أهدى كتابه (مذكرات سمين سابق) إلى الميزان الذي لطالما صعد عليه ليرصد حجم كتلة جسمه، وكتب الشاعر العراقي أدهم عادل إهداءً؛ إلى لا أحد، وأهدت الروائية المصرية ميرال الطحاوي روايتها «الخباء: إلى جسدها.. وتد خيمةٍ مصلوبةٍ في العراء».

وهنا استطلاع لعدد من الإهداءات وصور من التوقيعات الدّالة؛ ويؤكد الناقد أحمد بوقري أن الكتب المهداة له من الأصدقاء كثيرة وجلّها تقريباً من الإبداعات الشعرية والقصصية المحلية منذ الثمانينات من القرن الماضي، إذ كان المشهد الإبداعي أكثر تماسكاً وحميمية، وكان الأصدقاء يقرأون لبعضهم ويسألون عن الإصدارات ويسعون للحصول عليها إن لم تهد لهم.. وكشف بوقري عن تغيّر المشهد الأدبي الآن وتشظّيه إلى جزرٍ معزولة.

واستعاد أواخر الثمانينات وتزامن إصدار الشاعر الكبير علي الدميني -أقاله الله من عثرته المرضية- ديوانه الأول: (رياح المواقع)، فعدّه النقاد والقراء حدثاً أدبياً في حد ذاته واجتاحت الرغبة الجميع في اقتنائه والوصول إليه بكل الطرق. وأضاف: «من حظي الجميل أنني كنت صديقاً للشاعر وحين أهدانيه اعتززت كثيراً بكلمات الإهداء التي كانت لي بمثابة قوة دفع مشجعة نحو الكتابة الأجدّ والأعمق.. والأكثر التزاماً قال لي فيه؛

(أحمد.. ما نقوله الآن واقفين.. نرجو أن يبقى مستمراً كالنصل في الأفق..)، وأكد أنه ما زال يذكر الإهداء ويعتز به.

فيما يرى الببلوغرافي خالد اليوسف إهداء الكتاب من المؤلف من أجمل الأفعال وأقربها إلى القلب، موضحاً أنه لن ينسى الكتب التي أهديت له في مراحل حياته، خصوصاً مرحلة ما قبل الكتابة والتأليف، كونها تمنحه شهادة عظيمة من المؤلف. الذي عبر له عن مكانته، لديه. وخلّدت ذكرى اللقاء بالكاتب مباشرة ومعرفته به، وعدّه أعلى وسام يفاخر به كل كاتب وباحث ومؤلف، ويرى أن أثمن إهداء وتوقيع تلقاه من الرائدين عبدالعزيز الرفاعي، وعبدالكريم الجهيمان.

وعدّ الشاعر هاشم الجحدلي من أندر وأهم الإهداءات في مكتبته كتب عدة عزيزة وغالية، ومن أجملها وأندرها «كتاب المدن» للشاعر الكبير أدونيس برفقة لوحات تشكيلية للمبدع زياد دلول، وطُبع من هذا الديوان نسخ محدودة ومرقمة، وضمّ قصائد أدونيس عن وفي المدن من صنعاء إلى نيويورك. ويذهب المستشار الثقافي الدكتور عبدالله الكعيد إلى أن

أغلى إهداء تلقّاه من الزميل الراحل اللواء الدكتور فهد بن أحمد الشعلان (رحمه الله) على مؤلفه «إدارة الأزمات» الأسس، المراحل، الآليات، إثر صدور الطبعة الأولى في معرض الرياض الدولي للكتاب.

فيما عدّ الناقد الدكتور عبدالله الحيدري الإهداءات التي تلقاها من مؤلفيها موقعة أكثر من أن تعد، وتشكل جزءًا من مكتبته، ويعتز بها أيما اعتزاز، ومنها كتب الأساتذة الدكتور عبدالكريم الأسعد الذي أهداه بعض كتبه ومنها: «الحاشية العصرية على شرح شذور الذهب»، والدكتور مرزوق بن تنباك الذي أهداه عام 1407هـ كتابه «الفصحى ونظرية الفكر العامي»، والدكتور محمود الربداوي الذي أهداه عام 1410هـ كتابه «اللغة العربية لغير المختصين»، والدكتور فهد العرابي الحارثي الذي أهداه عام 1411هـ كتابه «وقت للعار»، إضافةً لإهداءات يحيى السماوي، وعبدالرحمن العبيّد، وعلي النعمي، ومنصور الحازمي، وأحمد الضبيب، وعبدالعزيز المانع، ومحمد الربيّع، وعبدالعزيز الفيصل، وعلي حسن العبّادي، وأحمد الصالح «مسافر»، وعبدالله الزيد، ومحمد العوين.

ويؤكد عامل المعرفة الدكتور أحمد العرفج أن أعز إهداء تلقاه من أحمد عبدالغفور عطار «ذكرياتي في الصحافة» والذي زوده به الكاتب القدير عبدالرحمن المعمّر.

فيما يؤكد القاص إبراهيم مضواح أن لإهداء أستاذه الشاعر محمد الزيداني ديوانه عميق التقدير، كونه الأستاذ المثال الذي تشرّف بالتتلمذ عليه في المرحلتين المتوسطة والثانوية، وتأثر به كثيراً: في عنايته باللغة، وتحليه بالأدب، وتقديره للمعرفة، وتقديسه لرسالة المعلم، واحترامه للطالب.

Continue Reading

ثقافة وفن

ياسر مدخلي: المسرح يعاني.. ومقاولوه يبحثون عن مكاسبهم

للكاتب المسرحي مدير الإدارة التنفيذية لـ«ديوانية القلم الذهبي» ياسر مدخلي حضوره الإبداعي، والإداري. أنشأ مبادرة

للكاتب المسرحي مدير الإدارة التنفيذية لـ«ديوانية القلم الذهبي» ياسر مدخلي حضوره الإبداعي، والإداري. أنشأ مبادرة «مسرح كيف» الأولى من نوعها في قطاع المسرح منذ 25 عاماً، وحقق خلالها العديد من الجوائز، ونالت أعماله اهتماماً من الباحثين الأكاديميين داخل المملكة وخارجها. وهنا نحاور تجربة لها رؤية وخبرة، حول شؤون وشجون «أبو الفنون»، فإلى نصّ الحوار:

• لماذا أنشأت «مسرح كيف»؟

•• «كيف» سؤال عن الطريقة، والبحث المستمر، وتحقيق الجودة مقابل الكم، و«كيف» تمثّل أسلوب التجربة الذي أصبح سمة هذا الكيان الذي أثبت حضوره كفريق يعمل بشكل مؤسسي ويمتلك حوكمة متفوقة، إضافة إلى أن «كيف» تعبّر عن المنهج العلمي وراء التجارب التي جذبت الجمهور، ولفتت اهتمام المتخصصين. وطيلة الأعوام الماضية حققنا استدامة ثقافية نوعية، ونقدم اليوم مخرجاتنا بجرأة ورصانة كقوالب مبتكرة نقترحها على جمهور المسرح المحلي ومتطلعين إلى جمهور وصناع المسرح العالمي.

• ماذا أنتج؟ وما تأثيره؟

•• نفذنا من خلال «مسرح كيف» وبدعم ذاتي، عدداً من الدورات التدريبية التي صقلت العديد من المواهب المسرحية في مجالات مثل الكتابة والتمثيل والإنتاج، وأنتجنا كل الأعمال التي وطدت العلاقة مع الجمهور، ومن خلال هذه العروض قدمنا تجارب علمية منهجية، وكمخرج وباحث توصلنا لفهم أعمق للجمهور.

• ماذا يعني فهم الجمهور؟ وهل المسرحي بمعزل عنه؟ •• إن ما يعانيه المسرح في العالم اليوم هو أن المبدع والمنتج يعتمدان في تصميم وصناعة المسرح على ذائقتهما، وقناعتهما، وتوقعاتهما، بعيداً عن دراسة المتلقي المستهدف ومتجاهلاً لدراسة السوق، وحتى نستطيع حل هذه الإشكالية علينا أن ندرك بفهم شامل المنطقة المشتركة بين صانع العرض ومستهلكه، لنقدم عرضاً مسرحياً قابلاً للتلقي وناجحاً مع الجمهور وجاذباً باستمرار ومحققاً للتأثير المسرحي، وبإشراك الجمهور استطعنا أن نوظّف مسرحنا لخدمة المجتمع.

• لماذا لديك حساسية من المسرح التجاري، وتطلق على من يتبناه «مقاول»؟

•• أعتقد أن من أدوار المسرح مساعدة الجمهور على الشعور بالسعادة والتفاؤل والأمل والاستمتاع بالجمال، وأيضاً اكتساب الجمهور عدة قيم؛ منها التعايش والتقبّل والولاء والتكاتف بين أفراد المجتمع. والمقاولون الذين يعملون في المسرح يبحثون عن مصلحتهم التجارية ومكاسبهم فحسب، ولا يقدمون دوراً ثقافياً أو حضارياً يسهم في تشكيل إرث فني إبداعي في هذا المجال، لذلك أجد أن موقفي ضد مقاولات المسرح هو بسبب تغييب جزء كبير من المسرحيين الذين توقفوا بشكل أو بآخر عن تقديم أعمال مسرحية ذات قيمة إبداعية عالية، ما جعل المسرح دون أثر اجتماعي، كما تفعل مباراة كرة قدم مثلاً.

• ما رؤيتك للكتابة المسرحية؟

•• أؤمن بأهمية تكوين الشخصية الإبداعية للكاتب. دائماً أحاول من خلال كتاباتي أن أقدم أسلوباً يحفّز القارئ على النقاش ويتيح له مساحة لطرح التساؤلات، ورغم أن المسرح العربي متعدد الثقافات والمرجعيات والحاجات، إلا أنه يشترك في القيم والقضايا الإنسانية وشغفنا بالحكايات، لذلك يكون طرح القضايا المشتركة بحاجة ماسة إلى لغة يمكنها التعبير عن مساحة أكبر وزمن أطول لتتلاءم هذه النصوص وهذه الأعمال. وأعتقد أنني أجتهد في تقديم أعمالي بأسلوبي الخاص الذي يتمكن من خلاله النص أن يصل إلى أبعد من البيئة التي أعيش فيها.

• من يقف وراء أسماء أعمالك؟ هل هي عفوية، أم أن للعنوان نصيباً من الاشتغال على العمل؟

•• طبعي التأني في إخراج وتنقيح النص والكتابة، مراحل لا تتوقف على مسوّدة واحدة أو اثنتين لأنني دائم الكتابة والتحرير والتعديل على النصوص. واختيار اسم النص دائماً ما يشغلني، ليكون معبراً بشكل جيد ومشوقاً أيضاً، وأنا في الدورات التدريبية في الكتابة أؤكد على أهمية العنوان لتحفيز المخرج والمنتج والقارئ لبدء التواصل مع النص، لذلك أعتقد أنه جزء من أسلوب الكاتب وشخصيته، ومن الذكاء أن نختار اسماً مميزاً لأنه بطاقة عبور باتجاه الآخر، وعتبة أولى للحكاية وأداة تسويقية مؤثرة.

• لماذا تميل للتمرُّد على القواعد وتتفنن في كسرها؟

•• ليس تمرُّداً، وإنما محاولة لصياغة التجربة التي أبحث فيها عن شكل يخدم أهدافها، فهذه التجارب هي التي تجعلني أعيد اختبار القواعد، وأبدأ في ابتكار أسلوب مواكب للتغيير الطارئ على المبدع والمتلقي، لذلك فإن كسر القواعد لم يكن هدفاً بذاته وإنما هو وسيلة لمساعدتي على اختبار قواعد جديدة بالبحث العلمي، ولي مع «مسرح كيف»، تجربة مسرحية تختبر فرضية أو تساؤلاً محدداً، والمسرح الذي لا يقدم تجربة مسرح بائد.

• كيف وجدت «الكوميديا الارتجالية التفاعلية»؟

•• كانت تجربة «صادق النمك» قائمة على الارتجال، ولم يكن الهدف من الارتجال تقديم ممثل بارع، بل كانت الفكرة كيف نستطيع جعل الجمهور ممثلاً جيداً بإتاحة الفرصة للمشاركة، وهذا ينطلق من كون التفاعل أصبح هوس المتلقي، من خلال تطبيقات التواصل الاجتماعي التي تمنحه فرصة التعبير عن الإعجاب وإعادة النشر ومشاركة المحتوى، والمتلقي اليوم يصنع المحتوى.

والمسرح يواجه تحدياً مع التطبيقات والهواتف الذكية التي ترافق الإنسان في كل مكان وتعوضه عن التعامل مع الإنتاج التقليدي للإعلام والثقافة، وبالذات المحتوى الدرامي الذي يطرح في المنصات المختلفة، لذلك صنعت قالب «الكوميديا الارتجالية التفاعلية» كي نستفيد من فكرة التفاعل التي يهتم بها المجتمع، والارتجال ابن اللحظة التي تقدم جوهر الإنسان وتعبّر عن شيء ما في داخله، لذلك كانت فرصة لإطلاق مشاعر الناس ومواقفهم من خلال دور يقدمونه داخل العرض، وكانت كل المداخلات تعبّر عن قبول الجمهور، ومحاولة التداخل تجاوزت عدد الفرص الموجودة في العرض.

• بماذا تواجه النقد؟ وما موقفك من النقاد؟

•• ‏أعتقد أن النقد إحدى الركائز لنمو أي إنتاج إبداعي، ومهمة النقد تبدأ بالملاحظة ثم تحاول التوجيه والتوثيق وتقدم القراءة للإبداع، ثم يصبح الناقد أيقونة، عندما يكسب ثقة المبدعين والجمهور، وتقف حركة النقد وإنتاجه على مسوؤلية الحارس الذي يحقق الأمان الإبداعي، ومن خلاله يتم إبراز التجارب الجديدة، وإيقاف المهازل التي ربما تنحدر بالفن والأدب والفكر، لكن النقد اليوم للأسف غاب أو -على أحسن تقدير- انحدر بسبب تعنت النقاد وشراسة أساليبهم، وعدم مواكبتها المشهد الإبداعي، فحاجتنا للنقد لا تقل عن حاجتنا إلى وجود المبدعين، لأن النقد حالة متوازية ومتجدده تشجع المميز وتقوم المتعثر وتحاكم السيئ.

• ما موقفك من المهرجانات الكثيرة؟ أم أنك لا تدعى إليها؟

•• الكثرة أو القلّة ليس لها تأثير جوهري، فالمضمون هو الغاية وليس المهرجان نفسه، وتنوع المهرجانات مهم وكثرتها مهمة، ولكن إذا كانت مضامين هذه المهرجانات متشابهة، وضعيفة، أو كانت تدار بأساليب تقليدية أو متحيزة، أو لديها أجندة تؤثر على هدفها الإبداعي فأعتقد بأنها تؤثر سلباً على العمل الفني، لذلك وجود المهرجانات مهم، والتنوع أهم ويجب ألا نغفل أهمية اعتماد واختيار تحكيم وإدارة المهرجانات بطريقة مهنية وفق معايير واضحة وشفافة لتحقق تكافؤ الفرص وتعزز التنافسية بين المبدعين وتبرز التجارب المهمة والأسماء التي تستحق الاحتفاء.

• ما الذي دفعك إلى الاستقالة من مجلس إدارة جمعية المسرح والفنون الأدائية؟

•• بدأت عملي في مجلس إدارة جمعية المسرح والفنون الأدائية المهنية منذ ثلاثة أعوام ونصف تقريباً، وكنت مع زملائي الأعزاء بقيادة رئيس مجلس الإدارة الفنان القدير ناصر القصبي نعمل على تأسيس أرض صلبة انطلاقاً من الحوكمة بصياغة عدد ضخم من السياسات الداخلية واللوائح والأدلة والتشريعات وتنظيم مهمات للجمعية بإستراتيجية واضحة تعنى بالجانب المهني، وترتقي بالممارسين، وتعزز الثقافة والوعي في قطاع المسرح والفنون الادائية، وانتهيت من كل المهمات التي كُلفت بها ولم يعد لوجودي ارتباط واضح يستحق بقائي، وللأعزاء في المجلس كل التقدير على فترة أعتبرها تاريخية لتأسيس منظمة مهنية تحافظ على المبدعين وترعى مصالحهم وتنمي أعمالهم وتحمي حقوقهم.

• ما القرار الذي تحتاج إليه جمعية المسرح لتقدم أثراً ملموساً في الميدان؟

•• كون الجمعية اليوم ذات شخصية اعتبارية وتخصص مهني، نتوقع من المسرحيين الكثير، وأتمنى أن تقوم بدورها، في ضبط ممارسة المهن المسرحية وتتيح الفرصة المشجعة للممارسين في قطاع المسرح وقطاع الفنون الأدائية، وهو جهد كبير بحاجة إلى أن يكون للجمعية موارد مالية مستدامة، وأن تركز مهماتها وأعمالها على الجانب المهني، والزملاء الكرام في مجلس الإدارة يقومون بجهد عظيم، في المهمات التي ما زالوا يعملون عليها، وسواء كنت في المجلس أو كنت خارج المجلس، وسواء كنا أعضاء اليوم في الجمعية أو خارج الجمعية، يجب أن يكون لنا دور نقوم به بدافع وطني ليكون مسرحنا قائماً وقوياً ومنتجاً ومؤثراً ومواكباً للرؤية الطموحة التي تحققها البلاد.

• ألا تبالغ بوصف المسرح بالناضج في ظل النقص الحاد في البنية التحتية وغياب لائحة المهن الفنية؟

•• لدينا مسرحيون، وليس لديهم مسرح، هذه حقيقة، إلا أن هذا لا يجعلنا ننكر ببساطة ما قام به المسرحيون خلال العقود الماضية، وحققوا حضوراً قوياً ومهماً في المحافل الدولية، وعندما تمكنوا من تقديم أعمالهم أقبل عليهم الجمهور، وبالأثر والأرقام حقق المسرحيون دوراً كبيراً في الجنادرية، ومسرح الأمانة، ومهرجانات المناطق والجامعات، والعروض المذهلة في بوليفارد رياض سيتي بدعم هيئة الترفيه، وفي المقابل جمهورنا متعطش ويكاد حضور المسرح يفاجئ الجميع في كثير من الأعمال، إلا أن الإستراتيجية التي تلغي وجود القطاع الخاص، أو لا تشجعه على الاستثمار، خطة ناقصة، وإن لم تُعِق المسرحيين عن مزاولة شغفهم والمساهمة في تشكيل حراك مسرحي ينافس محلياً ودولياً.

• متى يستعيد «أبو الفنون» في بلادنا كامل عافيته؟

•• عندما يقترب صانع القرار من المبدع، ويلبي احتاجاته، ويؤمّن له الأدوات الكافية، من التشريعات والحقوق والواجبات والبنى التحتية البسيطة والمعقدة سيستطيع النجاح في الوصول إلى الجمهور ويؤثر فيه.

فالمسرحيون هم العتبة الأولى لدعم الحركة المسرحية، وتجسير العلاقة بين الأجيال، وتنمية الفرق ومنحها صفة اعتبارية ستجعلنا أمام سوق مغرٍ يجذب رؤوس الأموال ويحرك المياه الراكدة في قطاع بكر لم يتجرأ المستثمر على اكتشاف الفرص الربحية التي تنتظره والمسرح السعودي قادر برغم ما يعتريه من ظروف، فهو حاضر في منصات التتويج، وفي أبحاث الدراسات العليا، وفي المهرجانات المختلفة، ويقدم اليوم بلغات عديدة.

• ماذا عن اهتماماتك الأخرى؟

•• كل اهتماماتي وهواياتي تتضاءل أمام المسرح، لا شك أني أحب الرسم والتصوير وكتابة الشعر والخط، ومن يزور مكتبي يُفاجأ بأن هناك زاوية للرسم، وأخرى للنحت، وعلى طاولتي لوحات للخط، ومسوّدات عديدة للمسرح، وبعض القصائد هنا وهناك. المسرح دفعني لاكتساب هوايات عدة، وتعلم الموسيقى، والاهتمام بالتخطيط الهندسي، والتعمق في فنون الإدارة والمشاريع، والتعرف على تجهيزات الإضاءة والخدع البصرية.

• هل ينجح الفنان في إدارة العمل الثقافي؟

•• إدارة العمل الثقافي شاقة، لأنها تقدم خدماتها لمبدعين يمتلكون القدرة على ممارسة أعمالهم بشكل مستقل، وهذا يصعّب الأمر من ناحية، فكيف تجذب شخصاً قادراً على الاستغناء عنك؟ وفي المقابل كيف تحقق تطلعات الأفراد بمختلف أذواقهم واتجاهاتهم وطموحاتهم؟ نجاح الإدارة الثقافية يحتاج نكران الذات، فالمدير يجب أن يستفيد من تجاربه وخبراته في الميدان الثقافي، ولكن عليه ألا يسمح لذائقته أن تؤثر على صناعة قراره، وأن يتجنب التحيز لمن يحبهم ويحب أعمالهم، وفي المقابل عليه أن يقدم الخدمة بعدالة حتى مع من يختلف معهم أو ربما كانوا خصوماً له في يوم من الأيام.

• ألا تخشى على ياسر «الكاتب» من «الإداري»؟

•• علينا أن نخشى من «الكاتب» على «الإداري» وليس العكس، فعندما تؤثر الذائقة والمصالح على القرار تسقط المهنية، وأعتقد أن نفقد كاتباً فهذه خسارة لفرد، لكن خسارة إداري ستجعل القطاع كله يعاني وتختل موازين الإبداع ونفقد ثقة المبدع في المجال.

• أين المسرحيون من «ديوانية القلم الذهبي»؟ هل يتنكر ياسر لرفاق الدرب؟

•• موجودون، لكن يجب أن نضمن التنوع والفرصة للجميع، ومهما تنكر المثقف للآخر، فلا أحد يقدر على إلغاء أحد، و«ديوانية القلم الذهبي» ليست لأصدقائي ورفاق الدرب كما تقول، لكنها على مسافة عادلة من الجميع، وأسعدني أن الديوانية انفردت بالاحتفاء باليوم العالمي للمسرح، وجمعت أصغر ممثل مبتدئ بأكبر فنان قدير، وكان لقاء رائعاً وإيجابياً، وأدهشتني الطاقة الإيجابية في المسرحيين الحاضرين بتنوع أعمالهم وأساليبهم وتخصصاتهم، وكانوا سبباً في نجاح ذلك اللقاء، ولم يتوقف بعضهم عن زيارة الديوانية والمشاركة في اللقاءات اليومية بين المثقفين.

• ماذا منحتك إدارتك للديوانية؟ وماذا اختزلت منك؟

•• فرصة مذهلة للتعرف على عدد كبير من القطاعات المختلفة، والاهتمام بها جميعاً على حد سواء، وقراءة المشهد الثقافي بعمق أكثر، والنظر من زوايا جديدة والوقوف على مسافة واحدة من كل القطاعات.

«ديوانية القلم الذهبي» تجبرني يومياً على البحث عن المثقفين لأنهم الفئة المستهدفة باختلاف مشاربهم واهتماماتهم، ولكني أجد أنها تستحق أن أمنحها الأولوية أنا وكل زملائي العاملين في خدمة هذه المبادرة بإشراف ودعم المستشار تركي آل الشيخ، لأنها مشروع مختلف تماماً وفريد من نوعه من حيث الشكل والفكرة والمضمون.

وحتى نكون منصفين فإن التجربة في بدايتها، ويجب ألا يغرينا الثناء، وإذا كانت الديوانية نجحت في وقت قياسي فمسؤوليتي وزملائي المحافظة على النجاح خدمة للإبداع الوطني، وتقديراً لثقة من اختارنا وامتثالاً لتوجيهاته.

• ما دور ومهمات «ديوانية القلم الذهبي»؟

•• كما أُعلن سابقاً؛ «ديوانية القلم الذهبي» ملتقى يومي للأدباء والمثقفين، تحتوي على أكثر من 2000 كتاب متنوعة التخصصات، ومعتزل للكتابة، وخلوة للقراءة، وصالة للضيافة اليومية، وجلسات خارجية، وفي كل يوم يتعرف الزوار على بعضهم ويخلقون حواراتهم المهنية، وأصبحنا نساعد الجميع على اللقاء بناشرين لطباعة الروايات والكتب المختلفة، ومنتجين لمناقشة مشاريع سينما ومسلسلات، ومخرجين يبحثون عن نصوص مسرحية وسيناريوهات.

• لماذا يتم توجيه دعوات لشعراء وكُتّاب بصفة دورية؟

•• الدعوة فقط للقاء الأسبوعي تقديراً للأدباء والمثقفين، وتعريفهم على بيئة تجمعهم يومياً، وخلق أجواء محفزة على الإبداع والحوارات الإثرائية عن تجاربهم ووجهات نظرهم.

• ماذا يتمخض عن هذه اللقاءات؟ •• أتمنى أن ننجح في جعلها فرصة نوعية لالتقاء أجيال مختلفة ومبدعين من قطاعات عدة يمارسون بكل حرية حواراً حضارياً لتشكيل موقف من الحالة الإبداعية وظروفها وتطلعاتهم تجاهها، وخلق طاقة إيجابية اعتزازاً بالأمل الذي صنعته السعودية للعالم عموماً والوطن خصوصاً، وهذه الأجواء نجحت في توطيد علاقات مليئة بالود وتقبل الاختلافات واحتفاء بالواعدين وتقدير للرموز وتشجيع للأفكار لتخرج إلى النور.

أخبار ذات صلة

Continue Reading

ثقافة وفن

المكتبات العامة ضرورة وليست رفاهية

المكتبات العامة ليست مجرد بناء يحوي كتباً وأرفف بداخله، لا! المكتبة روح تُضّفي على المدينة التي توجد فيها حلاوةً

المكتبات العامة ليست مجرد بناء يحوي كتباً وأرفف بداخله، لا! المكتبة روح تُضّفي على المدينة التي توجد فيها حلاوةً وجمالاً ولسكان المدينة ثقافةً وعلماً.

على سبيل المثال، تعد مكتبة الملك فهد العامة بجدة، مقرّاً علميّاً يقصده كل راغبٍ للعلم، سواءً كان قارئاً أو طالباً أو باحثاً أو مؤلفاً وتعد مكاناً مناسباً للتشجيع على كتابة البحوث والمؤلفات العلمية التي تُساعد على الرقي بالمجتمع ورفع مكانته بين الأمم.

المكتبة أيضاً ليست مكاناً للقراءة وحسب، بل بإمكانها أن تكون مركزاً للتوعية والتدريب عبر إقامة الدورات في مختلف المجالات بداخلها، ويمكن للمكتبات أيضاً إعارة الكتب بحيث تنتقل الفائدة لخارج حدودها، يمكن أيضاً أن تكون مساعدةً في تنشئة الأطفال تنشئةً صحيحة عبر إقامة برامج مخصصةٍ لهم وتوفير كتب تعليمية تناسبهم، وكذلك الحال لسائر أطياف المجتمع.

لنضرب مثلاً آخر بالولايات المتحدة الأمريكية، فيها أكثر من ستة عشر ألف مكتبة عامة، تتوزع في ولاياتها ومدنها وأحيائها وتساهم في الاثراء المعرفي والعلمي للشعب الأمريكي.

قد يكون بناء المكتبات في كل مدينة امراً مُكلفاً ولكن هناك في رأيي حلول أقل تكلفة وتؤدي ذات الغرض، منها:

أولاً: تشجيع المحلات التجارية، المقاهي خصوصاً، على وضع كتب بداخلها يقرأ منها من يرتادها.

ثانياً: تشجيع المجمعات التجارية بتخصيص محل أو محلات عدة كمكتبة عامة.

يمكن كتشجيع إنشاء جوائز مناطقية لأفضل مكتبة داخل المقاهي والمراكز التجارية.

حتى تقوم المكتبات ويتم تشغيلها بشكل مستمر تحتاج بالتأكيد لمصدر دخل لتشغيلها، يمكن توفير هذا المصدر في رأيي عبر:

أولاً: توفير عضويات مدفوعة لها خصائص إضافية.

ثانياً: توفير خدمات الطباعة والنسخ والمساحات المغلقة المدفوعة.

ثالثاً: تأجير جزء من مساحة المكتبة لعمل تجاري.

رابعاً: إقامة دورات متنوعة مدفوعة.

أخيراً، وجود المكتبات في نظري أمرٌ مهم في أي مجتمع لرُقيه وعلو شأنه وتحضُّره وأتمنى أن يكون هناك تعاون مباشر بين رجال الأعمال وبلديات المناطق لإنشاء مئات المكتبات في أرجاء السعودية في الأعوام القادمة.

أخبار ذات صلة

Continue Reading

ثقافة وفن

هيثم حسين يستعيد من منفاه الأمل بـ«حين يمشي الجبل»

أصدر الكاتب السوري هيثم حسين، عمله الأحدث «حين يمشي الجبل» عن دار رامينا في لندن. والعمل عبارة عن مجموعة قصصيّة،

أصدر الكاتب السوري هيثم حسين، عمله الأحدث «حين يمشي الجبل» عن دار رامينا في لندن. والعمل عبارة عن مجموعة قصصيّة، يستعيد بها الكاتب من منفاه الهويّة بالأمل في مستقبل آمن، وتظل الرواية بالنسبة للكاتب الذي عرفه القرّاء عبر فضاء الرواية والسيرة والنقد (حياة)، فيما القصة عنده عوالم صغيرة.

وتضمّ المجموعة 24 نصاً قصصياً قصيراً عن عوالم داخلية مثقلة بالمنفى، تتقاطع فيها اللغة مع الذاكرة، والظلّ مع المعنى، والمنزل المؤقّت مع سؤال الانتماء للأبدي والدائم.

وتؤسّس مجموعة «حين يمشي الجبل» لحقبة زمنية، لتغدو وثيقة أدبية يمكن قراءتها باعتبارها أداةً للكشف والانمحاء، وللصمت بوصفه لغة. ويشكّل عنوان الكتاب «حين يمشي الجبل» مفتاحاً تأويلياً يختزل تجربة التحدّي والعبور واللاعودة، وزعزعة اليقينيّات، حيث الجبل، رمز الثبات، يتحوّل إلى كائن يتقدّم، يهرب، يتكلّم، يمشي ويشهد.

تُفتتح المجموعة بقصة «نافذة لا تُغلق»، التي تحوّل شقّةً لندنيّةً إلى فضاء للتماهي بين الحقيقيّ والمتخيّل، وتختم بـ«ظلّي العائد من الكتاب»، في بنية تحتفي بالكتابة كفعل مقاومة، وبينهما، تتوزّع القصص على محاور متداخلة، تحضر فيها صور الجبال التي تمشي، والمكتبات التي تُمحى، والهواتف التي تُسرق لتكشف هشاشة الهوية الرقمية، وشخصيات مثل الغجريّ الذي يحمل بقجته، والشاعر الذي قرّر أن يصمت، والمترجم الذي أضاع اسمه بين اللغات.

وفي قصة «قاموس شخصي»، يعيد حسين بناء علاقته بالكلمات بوصفها بقايا أماكن وشظايا لغات، بينما ترسم قصة «جسور لندن» لوحة غرائبية لمدينة تُفقد جسورها واحداً تلو الآخر، بوصفها استعارة لسقوط المعنى في المدن المنفية، وتقع في 196 صفحة من القطع الوسط.

وهيثم حسين: روائيّ كرديّ سوريّ، من مواليد عام 1978، مقيم في لندن، عضو جمعية المؤلفين في بريطانيا، مؤسّس ومدير موقع الرواية نت. ترجمت أعماله إلى الإنجليزيّة والفرنسيّة والتشيكيّة والكرديّة..

من أعماله الروائية والنقدية: «آرام سليل الأوجاع المكابرة»، «رهائن الخطيئة»، «إبرة الرعب»، «عشبة ضارّة في الفردوس»، «قد لا يبقى أحد»، «العنصريّ في غربته»، «كريستال أفريقيّ»، «الرواية بين التلغيم والتلغيز»، «الرواية والحياة»، «الروائيّ يقرع طبول الحرب»، «الشخصيّة الروائيّة.. مسبار الكشف والانطلاق»، «لماذا يجب أن تكون روائياً؟!».

أخبار ذات صلة

Continue Reading

Trending

جميع الحقوق محفوظة لدى أخبار السعودية © 2022 .