أكد العضو السابق في هيئة كبار العلماء الدكتور قيس محمد آل الشيخ مبارك؛ أن استهلاك الموظف كامل راتبه يسقط عنه الزكاة. وأوضح لـ «عكاظ» أنه لو وفّر موظف مبلغاً كبيراً من المال، وقبل حلول الحول ومضي العام بأسبوع اشترى بالمبلغ بيتاً أو سيارة فلا زكاة عليه. وعدّ الراتب الذي يحصل عليه الأجير؛ أجرةً على عمله، سواء كان موظفاً حكومياً، أو في قطاع خاص، مالاً مستفاداً، استفادَهُ يومَ قَبَضَه، فلا يُزكِّيه إلا إذا حالَ عليه الحولُ والراتب في يده، وإذا استهلكهُ كلَّه قَبْلَ مُضِيِّ الحول فلا زكاة فيه، وإذا استهلك بعضَه قَبْلَ مُضيِّ الحول فلا يُزكِّي ما استهْلَكَهُ منه، وإنما يُزكِّي ما بقيَ منه، إذا كان الباقي نصاباً وإذا لم يستهلك شيئاً منه، فبَقِيَ عنده عاماً هجريَّاً كاملاً يُزكِّيه كله عند تمام الحول.
علَيه أن يجعل يوماً واحداً في العام يؤدِّي فيه الزكاة، وهذا اليوم هو اليوم الذي بلغ المالُ عنده نصاباً.
وعن قَدْرُ النصاب في الزكاة، قال المبارك: جعل الشرعُ لكلٍّ من الذهب والفضة نصاباً، إذا بَلَغَهُ وجَبَتْ فيه الزَّكاةُ، أي حدّاً أدنى، بحيث لا تجب الزكاة فيما كان أقلَّ منه، فنصاب الذهب عشرون ديناراً من الذهب، لا تجب الزكاة على من كان يملك أقلَّ منها، فقد قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فيما رواه أبو داود: (ليس عليكَ شيءٌ- يعني في الذَّهَبِ- حتى تكونَ لكَ عِشرونَ دينارًا) وعلى هذا انعقد الإجماع، قال الإمام مالك رحمه الله: (السنة التي لا اختلاف فيها عندنا، أن الزكاة تجب في عشرين ديناراً عَيْناً، كما تجب في مائتي درهم). وأضاف (تقدير النِّصاب من الذهب، بالنقود المعاصرة، الدينارُ وَزنٌ وليس كيلاً، وقد قَدَّرتُهُ، فوجدتُهُ يَزِنُ: 3.6 غرام من الذهب تقريباً. فيكون النصاب بالذهب: 20ديناراً × 3.6 غم = 72 غراما تقريباً. فَمَن مَلَكَ مقدار النِّصاب فعليه الزكاة، ويُعرَفُ ذلك بالسؤال عن سعر العملة المحلِّيَّة يوم وجبتْ عليه الزكاة، وليس يوم إخراجها، ولفت إلى أنه إذا كان غرام الذهب يساوي (232 ريالا) فالنصاب بالذهب: (232)×(72) ريالا)= (16704 ريالات). فَمَن مَلَكَ مقدار النِّصاب فعليه الزكاة، ويُعرَفُ ذلك بالسؤال عن سعر العملة المحلِّيَّة.
متى تزكي بكل ما عندك ؟
أضاف الدكتور آل الشيخ مبارك من كان راتبه خمسة عشر ألف ريال – حال كون النصاب ستة عشر ألف ريال مثلاً – فهذا يملك أقلَّ من نصاب، فلا زكاة عليه، فإنْ استهلك بعضه، وادَّخَرَ منه مبلغاً، واستمرَّ يدَّخرُ منه كلَّ شهر، وبعد شهور، ولْيكن في السادس من رجب مثلاً، استلم ما صار به مجموع ما عنده عشرين ألفاً، فالسادس من رجب هو بداية حوله. ومن كان راتبه أربعين ألفاً، فهذا ملك نصاباً يوم قَبْضِ الراتب، فإنْ قَبَضَ راتبه يوم ١٧ رجب مثلاً، فهذا اليوم هو بداية حوله، فإن استهلك منه فنزل عن النصاب، فقد انقطع حوله، ثم إذا بلغ المالُ نصاباً بعد ذلك، ولْيَكن في التاسع من شوال مثلاً، فالتاسع من شوال هو بداية حوله، أي أنَّه إذا جاء التاسع من شوال القادم، زكََّى ما عنده، ما لَـمْ ينقطع الحول، بنزول المال عن النصاب قبل تمام الحول. فإن انقطع الحول: لا يزكي، بل عليه أنْ ينتظر إلى أن يصير ما عنده نصاباً. وإنْ لم ينقطع الحول، فاستمرَّ مالكاً للنصاب: يزكِّي جميع ما عنده، أي المبالغَ التي في خزينته، والتي في حساباته في البنوك، والتي في جيبه، ولو كان ريالاً واحداً.
حالة من له دخل أسبوعي
يرى العضو السابق في هيئة كبار العلماء أنه لا يجب على مَن له دخل أسبوعي أو شهري مثلاً، أنْ يجعل كلَّ راتب في مكان يحفظه فيه، فإذا دخل شهر محرم زكَّى راتب محرم، وإذا دخل صفر زكَّى راتب صفر، وهكذا، فهذا حرج ومشقة عليه، كما قال الإمام مالك، وقد قال تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) وإنما يجعل له يوماً في السنة، وهو اليوم الذي بلغَ المالُ فيه نصاباً.
وعن زكاة أُجرة العقارات وشبهها؛ وهي ما يحصل عليه صاحب العروض -العَرْضُ: ما سِوى النقدين مِن المتاع- التي اشتراها بِقصْدِ كِرائِها، أي لَمْ يَقصد مِن شرائها أنْ ينتفع بها، ولم يقصد أنْ يتاجر بها بِبَـيْعِها، بل قَصَدَ كِراءَها، ليكون له منها دخل شهري أو سنوي، كمن اشترى داراً أو عمارةً من أجل أنْ يُكريها، ومثله مَن بَنَى عمارةً ليُكريها، وكالشقق المفروشة وغير المفروشة، وكالمعارض والمكاتب، وكل بناء بَناهُ أو اشتراه من أن أجل أن يُكريه، فهذه المباني ليست أموال تجارة، فلا تجب الزكاةُ فيها، ولا في ثمنها إذا بيعَتْ، ومثلها أن يكون لديه آلة يُكريها، كسيارة أو طاحونة أو معصرة زيت يُكريها، وأمثال ذلك، فجميعها عروض لا زكاة فيها، إلا أنه إذا قَبَضَ كِراءَ عروض الكراء، فحكْمُه حُكم الراتب، إذا مَضى عام على قَـبْضِهِ له، وهو لا يزال عنده، لم يَستهْلِكْهُ، فإنه يُزَكِّيه، فإنْ استهْلَكَ بعضَه، فإنه يزكِّي ما بقيَ منه.
الزكاة حق.. لا تبرع
عن بداية حَوْلِه الراتب وأُجرة العروض، أوضح المبارك أنه يبدأ حوله مِن يوم قَبْضِه له، أي مِن يوم قَبَضَ الكراءَ أو الراتبَ أو من يومِ قَبَضَ الأجيرُ أُجْرَتَهُ، وليس مِن يوم حلَّ وَقْتُ الراتب أو وقت الكِراءِ، فلو حلَّ الكِراءُ في أوَّل صفر، وتأخَّرَ المكتَرِي عن دَفْعِهِ إلى العاشر من رجب، فالحول يبدأ مِن اليوم الذي قَبَضَهُ صاحبُ الدار، ومِن اليوم الذي قَبَضَ الأجيرُ أُجرتَه، والموظَّفُ راتبه.
ويؤكد أنه لا ينبغي تعجيل الزكاة عن وقتها، ما لَمْ تَدْعُ إلى ذلك ضرورة، مضيفاً أنه لا معنى لنقل الناس زكاة أموالهم إلى رمضان، فلا فضل في إخراج الزكاة في رمضان، لأنَّ الزكاةَ حق للمستحقِّ، فليست تبرُّعاً ولا صدقةً، يقبضها المستحِقُّ مرفوع الهامَة، موفور الكرامة، كما يَقبض الأجيرُ أُجرته، فلا فَضْل في دفْع أُجرة الأجير في رمضان، ذلك أنك إذا استأجرتَ داراً أو دُكَّاناً، ورغبتَ أنْ تجعل العقد يبدأ في رمضان، لتدفع له حقَّه في رمضان، فليس في هذا مزيدُ أَجْر، فالزكاةُ إذا حَلَّتْ صارتْ دَيناً في ذمَّة مَن وجبَتْ عليه، فلا يجوز له تأخيرها، فإنْ ماتَ وجبَ إخراجها من مالِهِ قبل توزيع التركة.